غارة إسرائيلية على التلال المحيطة ببلدة عرسال في البقاع شرقي لبنان
تضغط الخلافات المتعمقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بشأن العديد من النقاط حول الحرب على غزة، وأبرزها "محور فيلادلفيا"، على قدرة الحكومة الحالية على الصمود، في وجه الكثير من المتغيرات العاصفة.
ويرى مراقبون أن المواجهة بين نتنياهو وغالانت حول حرب غزة تمثل أحدث حلقة في سلسلة من المواجهات، التي ضغطت على وحدة الحكومة إلى حد الانهيار على مدى 18 شهراً الماضية.
وقال نتنياهو، الاثنين، خلال مؤتمر صحفي، إنهما بإمكانهما العمل معاً "ما دامت الثقة موجودة"، لكنّ الوزراء جميعهم ملتزمون بقرارات مجلس الوزراء، مضيفاً: "وهذا هو الشيء الرئيس الخاضع للاختبار الآن".
ورفض نتنياهو دعوات غالانت وآخرين في المؤسسة الأمنية لقبول انسحاب القوات الإسرائيلية من منطقة الحدود الجنوبية لقطاع غزة كثمن لاتفاق وقف إطلاق النار مع حركة "حماس".
وطفت كثيراً على السطح الخلافات بين نتنياهو وغالانت، الذي ارتقى إلى رتبة جنرال، عبر مسيرة عسكرية مستمرة منذ 35 عاماً، بدأها في وحدة قوات خاصة بحرية، وفق "رويترز".
ورغم تشدده في معالجة المسائل الأمنية، ومنها التعامل مع "حماس"، استخف غالانت علانية بهدف نتنياهو الذي دأب على التصريح به والمتمثل في تحقيق "نصر كامل" في غزة، ووصف غالانت ذلك بأنه "هراء".
لكنّ التواء هندسة السياسة الإسرائيلية منذ بدء حرب غزة ربطت بين الاثنين؛ مما منع نتنياهو من إقالة غالانت، ومنع غالانت من الانسحاب.
وأثناء احتجاجات العام الماضي على مسعى نتنياهو للحد من صلاحيات المحكمة العليا، خالف غالانت مسار الحكومة، وعارض الخطة التي قال إنها تسببت في انقسامات اجتماعية عميقة لدرجة أنها تعرض الأمن القومي للخطر.
وأقاله نتنياهو، لكنه تراجع عن قراره بعد أن نزل الإسرائيليون إلى الشوارع في واحدة من أكبر الاحتجاجات في تاريخ البلاد. أما غالانت الذي دخل معترك السياسة منذ عقد، فرفض الرحيل.
وقالت جايل تالشير أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس إن غالانت "يعتقد أن دور حياته هو ما يفعله الآن، كوزير للدفاع فيما يعتقد أنها الحرب الأهم منذ حرب الاستقلال"، في إشارة إلى حرب 1948، مضيفة: "لا يوجد احتمال لأن يرحل".
وينبع هذا المأزق جزئياً من هيكل الائتلاف اليميني الذي كونه نتنياهو بعد انتخابات عام 2022، ويعتمد على حزبين دينيين قوميين بقيادة الوزيرين المتشددين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
وبدون دعم الوزيرين، ستنهار الحكومة، مما يترك لهما حرية التعبير عن العداء لغالانت وغيره في المؤسسة العسكرية ممن يعتبرونهم شديدي التساهل مع الفلسطينيين، وخاصة "حماس".
وكمؤشر على الشعور السيئ في الحكومة، عرض نتنياهو في مؤتمر صحفي، الاثنين، ما قال إنها مذكرة سياسية من أحد قادة "حماس" عثر عليها جنود إسرائيليون في غزة. وجاء في إحدى النقاط "ممارسة ضغط نفسي على غالانت".
قبل فوات الأوان
ويأتي أحدث تشاحن داخلي في إسرائيل في أعقاب استعادة جثث 6 رهائن إسرائيليين قتلوا بالرصاص في نفق في جنوب قطاع غزة قبل ساعات من عثور القوات الإسرائيلية عليهم.
وأثار ذلك مظاهرات حاشدة تطالب بالتوصل لصفقة لإعادة الرهائن، وهو ما دعا إليه غالانت أيضاً. وقال إنه في حين فات الأوان على الرهائن الذين عُثر عليهم في النفق، يجب إعادة الآخرين الذين ما زالوا رهن الاحتجاز إلى ديارهم.
ومثل نتنياهو، تأثرت مسيرة غالانت المهنية بأحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول، عندما نفذت حركة "حماس" هجوماً مباغتاً على بلدات في جنوب إسرائيل؛ مما أدى إلى مقتل 1200 إسرائيلي وأجنبي واختطاف 253 رهينة.
وبعد يومين، قال غالانت إن الثمن الذي ستدفعه غزة سيغير الواقع لأجيال، وإن إسرائيل ستفرض حصاراً كاملاً مع حظر استيراد الغذاء والوقود، واصفاً أعداء إسرائيل (قاصداً الفلسطينيين) بأنهم "حيوانات بشرية".
ولكن غالانت بدا أكثر حذراً من نتنياهو منذ ذلك الحين، وحثه على وضع خطة لإدارة غزة بعد الحرب ورفض أي اقتراح ببقاء الجيش الإسرائيلي قوة احتلال.
ويدرك قادة الجيش تماماً الضغوط التي يواجهها الجنود في ظل مواصلة القتال في قطاع غزة واستمرار حالة التأهب القصوى للحرب مع "حزب الله" المدعوم من إيران في جنوب لبنان، والانخراط بشكل مكثف في صراع ضد فصائل فلسطينية مسلحة في الضفة الغربية.
ويواجه نتنياهو وغالانت احتمال صدور مذكرتيْ اعتقال دوليتين بحقهما فيما يتعلق بالحرب في غزة، وذلك في أعقاب طلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في مايو/ أيار.
وتسبب احتمال صدور مذكرتيْ اعتقال لنتنياهو وغالانت في حالة من الغضب في إسرائيل، لكن قضية المسؤولية عن الإخفاقات العسكرية والأمنية التي سمحت بوقوع هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول كانت وراء الكثير من التوتر في السياسة الإسرائيلية منذ ذلك الحين.
وقال غالانت، الشهر الماضي، إنه يجب التحقيق معه ومع نتنياهو، متطرقاً إلى الانتقادات الواسعة النطاق لرئيس الوزراء لعدم تحمله مسؤولية واحدة من "أكبر الكوارث" في تاريخ البلاد.
وأي تحقيق من هذا القبيل من شأنه أن يلقي باللوم بشكل كبير على وزير الدفاع من بين آخرين.
وقالت تالشير: "يعرف أنه سيغادر. يريد أن يرحل وزيراً ناجحاً للدفاع قاد إسرائيل إلى التمتع بحدود أكثر أماناً".