دارت الأربعاء رحى معركة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على أطراف العاصمة الخرطوم، في تقويض لهدنة في الصراع المستمر منذ 11 يوماً، لكن الجيش أبدى استعداده لتمديد وقف إطلاق النار.
وقال الجيش في وقت متأخر من الأربعاء إن قائده الفريق الأول الركن عبد الفتاح البرهان أعطى موافقته المبدئية على خطة لتمديد الهدنة لمدة 72 ساعة أخرى وإرسال مبعوث عسكري إلى جوبا عاصمة جنوب السودان لإجراء محادثات.
ووافقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في وقت سابق على وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام كان من المقرر أن ينتهي في وقت متأخر من مساء الخميس. ولم يصدر على الفور رد من قوات الدعم السريع على الاقتراح المقدم من الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) وهي تكتل لدول شرق أفريقيا.
وقال الجيش إن رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي عملوا على اقتراح يتضمن تمديد الهدنة وإجراء محادثات بين الطرفين.
وجاء في بيان الجيش أن البرهان أبدى "موافقته المبدئية على ذلك وشكر ممثلي المنظمة على مساعيهم واهتمامهم بالأزمة الحالية".
وقالت "رويترز" إن بعضاً من أعنف المعارك يوم الأربعاء دارت في أم درمان المتاخمة للخرطوم حيث تصدى الجيش لتعزيزات قوات الدعم السريع التي جاءت من مناطق أخرى في السودان. وسمع دوي إطلاق نار كثيف وغارات جوية في المساء.
وفي الخرطوم، التي تمثل مع مدينتي أم درمان وبحري المجاورتين واحدة من أكبر المناطق الحضرية في أفريقيا، تفاقم الشعور بانعدام القانون مع انتشار عصابات السلب والنهب.
وتسببت الضربات الجوية والقصف المدفعي في مقتل 512 شخصاً على الأقل، وإصابة نحو 4200 آخرين وتدمير مستشفيات والحد من توزيع المواد الغذائية في الدولة الشاسعة التي يعتمد ثلث سكانها البالغ عددهم 46 مليون نسمة بالفعل على المساعدات الإنسانية.
اشتباكات دامية اندلعت في منطقة الجنينة بولاية غرب دارفور الثلاثاء والأربعاء أسفرت عن أعمال نهب وقتل مدنيين وأثارت مخاوف بشأن تصعيد التوترات العرقيةالأمم المتحدة
أطفال يعانون من سوء التغذية
قالت منظمة الصحة العالمية إن 16 بالمئة فقط من المرافق الصحية في المدينة لا تزال تعمل، وتوقعت وقوع "عدد كبير آخر من الوفيات" بسبب المرض ونقص الغذاء والماء والخدمات الطبية.
وجاء في بيانات جديدة للأمم المتحدة يوم الأربعاء أن ما يقدر بنحو 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد قد تعطل علاجهم بسبب الصراع، وأن المستشفيات التي ما زالت تعمل تواجه نقصاً في الإمدادات الطبية والكهرباء والمياه.
وجاء في البيانات أيضاً أن اشتباكات دامية اندلعت في منطقة الجنينة بولاية غرب دارفور الثلاثاء والأربعاء أسفرت عن أعمال نهب وقتل مدنيين وأثارت مخاوف بشأن تصعيد التوترات العرقية.
ودفعت الأزمة بأعداد متزايدة من اللاجئين نحو عبور حدود السودان، وتقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 270 ألف شخص ربما فروا إلى جنوب السودان وتشاد وحدهما.
ووصف أجانب تم إجلاؤهم من الخرطوم الوضع هناك قائلين إن الجثث تتناثر في الشوارع والمباني تحترق وثمة مناطق سكنية تحولت إلى ساحات قتال بالإضافة إلى شبان يتجولون بأسلحة بيضاء كبيرة.
وقال البيت الأبيض إن أمريكياً ثانياً لقي حتفه هناك.
وقال ثاناسيس باجولاتوس (80 عاماً)، وهو يوناني ومالك فندق أكروبول في الخرطوم، بعد وصوله إلى ذويه في أثينا: "كان الأمر مروعاً".
وأضاف: "أكثر من عشرة أيام دون كهرباء ودون ماء وخمسة أيام تقريباً دون طعام"، وقدم وصفاً لإطلاق النار والقصف، وقال: "حقاً الشعب يعاني، الشعب السوداني".
خروج البشير من السجن
تخشى الجماعات المدنية من أن يمكّن العنف الجيش من إحكام قبضته وإحياء نفوذ الموالين للبشير.
وأذكى الجيش هذه المخاوف بتأكيده نقل البشير (79 عاماً)، الذي تمت الإطاحة به في عام 2019، من سجن كوبر بالخرطوم إلى مستشفى عسكري مع خمسة على الأقل من مسؤولي نظامه السابق، قبل اندلاع القتال في 15 أبريل/نيسان.
وفي مطلع هذا الأسبوع تم إطلاق سراح آلاف السجناء من السجن، بمن فيهم وزير سابق في حكومة البشير مطلوب مثله من المحكمة الجنائية الدولية، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب.
وانتهى عهد البشير الذي دام ثلاثة عقود بانتفاضة شعبية قبل أربعة أعوام. وأودع البشير السجن باتهامات تتعلق بانقلاب 1989 الذي صعد به إلى السلطة، وتخلل وجوده في السجن فترات قضاها في المستشفى.
وقالت قوى الحرية والتغيير، وهي جماعة سياسية تقود خطة مدعومة دولياً لانتقال السودان إلى الحكم المدني: "هذه الحرب التي أشعلها النظام البائد ستقود البلاد إلى الانهيار".
وخرجت الخطة عن مسارها بسبب اندلاع القتال بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع. وفوت الطرفان وقوى الحرية والتغيير الموعد النهائي الذي كان محدداً في أبريل/نيسان لبدء الانتقال إلى الديمقراطية في ما يرجع بالأساس إلى الخلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
ووجهت جماعات مدنية الاتهام لجماعات موالية للبشير بأنها تسعى لاستغلال الصراع لتشق طريقاً للعودة إلى السلطة. وقوات الدعم السريع، التي صعد قائدها الفريق الأول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى السلطة في عهد البشير لكنه أطاح بالرئيس لاحقاً، تعارض بشدة الإسلاميين الذين دعموا الرئيس السابق.
وتولى الجيش بقيادة البرهان زمام الأمور في انقلاب بعد عامين من الإطاحة بالبشير. وأصبح مكان وجود البشير مثار تساؤلات بعدما أعلن الوزير السابق في حكومته أحمد هارون الثلاثاء أنه غادر سجن كوبر مع مسؤولين سابقين آخرين.
واتهمت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي البشير بارتكاب إبادة جماعية، كما اتهمت هارون بتنظيم ميليشيات لمهاجمة المدنيين في دارفور في عامي 2003 و2004. ورفضت المحكمة الجنائية الدولية التعليق على نقل البشير وهارون من السجن.