تأجير القبر لعام واحد.. ارتفاع جنوني لأسعار المدافن في دمشق
تأجير القبر لعام واحد.. ارتفاع جنوني لأسعار المدافن في دمشقتأجير القبر لعام واحد.. ارتفاع جنوني لأسعار المدافن في دمشق

تأجير القبر لعام واحد.. ارتفاع جنوني لأسعار المدافن في دمشق

شهدت إيجارات القبور في العاصمة السورية، دمشق، في الآونة الأخيرة، ارتفاعًا وصف بـ"الجنوني"، نظرًا لاكتظاظ جميع المقابر الموجودة في العاصمة بالموتى، إذ تصل قيمة إيجار مدفن في دمشق إلى نحو ألف دولار سنويًا، وفق موقع "سيريا ديبلي".

ونقل الموقع عن أم محمد، وهي امرأة من سكان دمشق وتبلغ من العمر 60 عامًا، قولها إنها رصدت مبلغًا صغيرًا من المال من معاشها كل شهر من أجل توفير ما يقرب من 900 دولار لتغطية إيجار قطعة أرض صغيرة للدفن لمدة عام واحد فقط بإحدى المقابر على مشارف العاصمة السورية.

وأوضحت أم محمد "قبل الثورة السورية، كانت تكلفة الحصول على قبر تتراوح بين 200 و400 دولار بدون أية رسوم سنوية. وفي بعض الحالات كان بمقدور الأهالي تأمين مدفن مجاني في المقابر الموجودة في ضواحي المدينة".

لكن منذ بداية الحرب اكتظت جميع المقابر الموجودة في العاصمة، والبالغ عددها 33، وارتفعت معها الأسعار.

ممارسة محظورة

من جانبهم، استفاد أصحاب هذه المقابر من خلال الضغط على المقبلين على شراء مقابر في العاصمة من أجل الحصول على مال أكثر، عن طريق تأجير القبور كما هو الحال مع الشقق السكنية بعقد يجدد سنويًا.

وعلى الرغم من أن هذه الممارسة محظورة رسميًا من قبل الحكومة السورية، إلا أن السكان في العاصمة قالوا إن موظفي المديرية الحكومية والعاملين في مقابر العاصمة يقومون بتأجير قطع أراضٍ مهجورة وغير مستخدمة تصل إلى 1000 دولار سنويًا.

ورغم انهيار الاقتصاد في سوريا بسبب الحرب، تشير تجارة المقابر إلى أن بعض الفئات تستطيع أن تحقق مكاسب حتى نتيجة الموت والكوارث.

ويقول سكان في دمشق لموقع "سيريا ديبلي" إن بعض مواقع الدفن متاحة للبيع، إلا أنها نادرة ومكلفة للغاية، ولهذا السبب، لم يكن لدى الكثير من المقيمين خيار سوى استئجار مقابر مهجورة أو غير مستخدمة بعقد سنوي، ومن خلال دفع زيادات سنوية صغيرة، يمكن للمقيمين في العاصمة العثور على طرق لتأمين أموالهم.

"يواري جثة أخيه"

وقبل شهرين، قرر كامل، وهو من سكان دمشق ويبلغ من العمر 40 عامًا، استئجار مكان لدفن أخيه المتوفى في مقبرة باب الصغير في العاصمة، وعلى عكس الآلاف الذين لقوا مصرعهم كضحايا للحرب، توفي شقيق كامل جراء أزمة قلبية، ولكن عملية دفنه لم تكن أقل صعوبة.

واستخدم كامل اتصالاته غير الرسمية مع موظف في المديرية العامة للقبور التي تديرها الدولة، والذي وافق على استئجاره قطعة أرض بحوالي 970 دولارًا سنويًا، وقد دفع كامل المبلغ مقدمًا، وفي يوم جنازة أخيه، كان الدليل الوحيد الذي يدل على أنه نفذ مثل هذه العملية هو اسم أخيه المحفور على أحد القبور، فيما لم يتم التقدم بأية أوراق رسمية، ولم يعط كامل أية وثيقة تثبت ملكيته لهذه القطعة من المقبرة.

دليل ملكية القبر

وعلى الرغم من أنه يقول إنه لم يتم خداعه، إلا أن السكان الآخرين الذين خضعوا لنفس العملية غير الرسمية عانوا بشكل كبير بسبب عدم وجود شهادة تثبت ملكيتهم لهذه الأراضي.

وتقول أم أحمد، وهي إحدى سكان دمشق البالغة من العمر 60 عامًا، والتي كان عليها دفن أختها "الدليل الوحيد الذي يثبت حقنا في امتلاك القبور هو الحجر المكتوب فوق القبور، ولم يكن لدينا أي إيصال أو عقد، ولسوء الحظ تسبب هذا في بعض المشاكل لاحقًا".

وأضافت "إن شقيقتي فقدت حياتها وتركت ثلاثة أطفال ولم يكن أمامنا خيار سوى استئجار قبر لأن أسعار القبور ارتفعت بشكل غير واقعي".

ووقعت أم أحمد التي تعول طفلين، والتي قتلت شقيقتها العام الماضي بقذيفة هاون خاطئة، اتفاقًا مع سائق يعمل فى مديرية القبور، ووافق على توفير قبر مهجور لها في "مقبرة الدحداح" إذا دفعت حوالي ألف دولار سنويًا حقًا لإيجار المدفن.

مؤجر جديد من الأموات

وعندما عادت أم أحمد إلى "مقبرة الدحداح" هذا العام لتجديد الدفعة السنوية، قالت إنها وجدت اسمًا جديدًا محفورًا على قبر شقيقتها، وأخبرها الرجل الذي استأجرت منه المقبرة أن تأخرها لمدة ثلاثة أيام في توريد الدفعة الجديدة ترتب عليه دفن جثة أخرى في نفس القبر واستبدال الاسم الموجود على القبر.

وأكدت أم أحمد أنها قدمت شكوى ضد هذه الرجل في مديرية القبور/ مؤكدة أن "كل العاملين في المكتب نفوا أن يكون مثل هذا العمل جاريًا، ولأنني لم أكن امتلك أية أوراق أو وثائق رسمية، لم أستطع أن افعل شيئًا حيال ذلك".

وقالت "أنا واثقة من أنهم جميعا يعرفون، وأنهم يديرون هذه الأعمال سويًا، وما يضرني أكثر في هذا الأمر هو أننا فقدنا جثة أختي ولا أحد على استعداد لمساعدتنا".

النصب 

وفي حالة مماثلة خسر أبو عمر، 45 عامًا، وهو موظف عام في شركة الكهرباء التي تديرها الدولة، مئات الدولارات عندما حاول دفن والدته الشهر الماضي، حيث أبرم اتفاقًا مع عامل حفر القبور في مقبرة باب الصغير، وقال إنه سيقدم له مبلغ 500 دولار كدفعة أولى للقبر ثم يدفع المبلغ المتبقي أثناء الجنازة.

وقال عمر "اتصلت بالشخص نفسه صباح يوم الجمعة، واتفقنا على الدفن في وقت مبكر من المساء، وبعد الصلاة مباشرة ذهبنا إلى المقبرة، ولكننا تفاجأنا بأنها مغلقة... كنا محبطين وعندما بدأنا في الصياح، جاء رجل يعمل في المكان وعندما أخبرته بما حدث، قال إنني كنت ضحية عملية نصب".

وتمكن عمر أخيرًا من دفن والدته في إحدى المقابر في ضواحي العاصمة، ويؤكد أنه غير قادر على زيارة قبر والدته بشكل منتظم كما يشاء بسبب بعد مسافة المقبرة من دمشق.

ويشير إلى أنه تقدم بشكوى إلى مديرية القبور ولكنه لم يتلق أي رد.

واختتم عمر بالقول "إن كل ما يمكنني فعله هو أن أروي قصتي".

أرباح الموت

ومن الصعب الحصول على إحصاءات دقيقة عن حصيلة القتلى في دمشق، ولكن وفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان فقد قتل ما لا يقل عن 5381 مدنيًا في سوريا في النصف الأول من العام 2017، ليصل بذلك العدد الإجمالي للقتلى منذ بداية الصراع في العام 2011 إلى أكثر من 400 ألف شخص وهذا دون حساب أولئك الذين ماتوا لأسباب طبيعية أو لأسباب غير متصلة بالحرب.

وباعتبارها مقرًا لنظام الرئيس بشار الأسد، تشهد دمشق أعداد قتلى أقل بكثير من المناطق المليئة بالاضطرابات، التي تقع تحت سيطرة تنظيم "داعش"، مثل مدن الرقة ودير الزور أو معاقل المتمردين في إدلب وضواحي الغوطة الشرقية بدمشق، ومع ذلك، تتعرض الأخيرة باستمرار للهجمات الانتحارية وتعرضت لقصف من قبل المتمردين المتمركزين في مناطق قريبة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com