جندي تشادي من بعثة مينوسما، بعد الانسحاب من قاعدتيهما في تيساليت وأغيلوك في شمال مالي
جندي تشادي من بعثة مينوسما، بعد الانسحاب من قاعدتيهما في تيساليت وأغيلوك في شمال ماليAFP

الجزائر تواجه وضعا معقّدا في مالي

تراقب الجزائر الوضع في شمال مالي بعد انسحاب قوات بعثة الأمم المتحدة من كبرى مدن الشمال، وتسعى إلى التحرّك واستئناف جهود الوساطة قبل فوات الأوان، واتساع دائرة العنف واقترابها من حدودها، لكنها تواجه وضعًا معقّدا وفق خبراء ومتابعين.

جندي تشادي من بعثة مينوسما، بعد الانسحاب من قاعدتيهما في تيساليت وأغيلوك في شمال مالي
الطوارق يعلنون سيطرتهم على معسكر جديد شمال مالي

ومع انسحاب القوات الأممية من مدينة "كيدال" شمال مالي، وعودة الاشتباكات بين الجيش المالي مدعوما من مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية والجماعات المسلحة، يتضاعف قلق الجزائر التي تقود منذ 2015 جهود الوساطة الدولية لإرساء الاستقرار في مالي، وتخشى اليوم وصول حالة التمرد وعدم الاستقرار إلى حدودها، ما قد يشجّع "الطوارق" على الانخراط في التمرّد، وفقا لمتابعين.

جندي تشادي من بعثة مينوسما، بعد الانسحاب من قاعدتيهما في تيساليت وأغيلوك في شمال مالي
من يملأ الفراغ في مالي بعد انسحاب البعثة الأممية؟

وستدخل الجزائر إلى مجلس الأمن الدولي في يناير/كانون الثاني المقبل كعضو غير دائم، ما يمثّل فرصة لها للترويج لرؤيتها الدبلوماسية، ويتيح لها إطارا أفضل لإسماع صوتها، لا سيّما مع تعطّل جهود الوساطة، وتعقّد المشهد في مالي، وفق مراقبين.

ونبّه مصدر دبلوماسي إلى أنّ استئناف القتال في مالي لم يثرْ أي ردّ فعل على الإطلاق من الوساطة الدولية لمراقبة اتفاق السلام لعام 2015، بقيادة الجزائر، حيث لم يصدر إعلان ولا بيان صحفي، ما يوحي بأنّ هذا الصمت قد يعكس فقدان النفوذ.

ويشير المصدر الذي لم يكشف عن هويته في تصريح لإذاعة فرنسا الدولية إلى أنّ الوساطة الدولية "لم تجتمع منذ يونيو/حزيران الماضي".

وتقود الجزائر الوساطة الدولية التي تجمع بين العديد من الدول المجاورة (النيجر، موريتانيا، بوركينا فاسو، تشاد، نيجيريا) والمنظمات الدولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، الاتحاد الأوروبي، منظمة التعاون الإسلامي).

وينص اتفاق السلام على أن أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "مدعوون أيضًا للمشاركة في عمل لجنة المراقبة".

ويتابع المصدر الدبلوماسي "كانت بعثة الأمم المتحدة هي القوة الدافعة وراء الوساطة، فقد قدمت الأمانة وكتبت البيانات الصحفية، واليوم، لم يعد للبعثة الأممية هذا التفويض، وتعيش ساعاتها الأخيرة" وفق تعبيره.

وبالنظر إلى مكانة الجزائر في جهود الوساطة وحساسية موقفها، تواجه الدبلوماسية الجزائرية ضغوطا لمواجهة الوضع المعقّد الذي خلّفه انسحاب القوات الأممية، وطبيعة النظام الانتقالي في مالي، وطبيعة العلاقات التي أقامتها الجزائر معه.

ويلخّص الباحثون والدبلوماسيون المعادلة بأنّ الجزائر لا تريد عودة التمرّد على عتبة بابها والذي يمكن أن يقدم أفكارًا للطوارق في جنوب الجزائر، لكنها لا تريد أيضًا سيطرة الجيش في "كيدال" كبرى مدن الشمال، مع خطر نشوب حرب عصابات من شأنها أن تُشعل المنطقة لفترة طويلة، وتؤدي إلى تدفق الآلاف من اللاجئين، وتعزيز التهديد القادم من الجماعات المتشدّدة، فضلا عن وجود جماعة "فاغنر" على حدودها.

جندي تشادي من بعثة مينوسما، بعد الانسحاب من قاعدتيهما في تيساليت وأغيلوك في شمال مالي
الجزائر تعلن رفض "التغيير غير الدستوري" للحكم في مالي

ويكشف دبلوماسي آخر في مالي أنّ النظام العسكري القائم لم يعد يرغب في هذه الوساطة، بل إنه يعتبرها "تدخّلا ضدّه"، ويرغب اليوم في أن يكون الحلّ داخليّا من خلال عملية بين الماليين أنفسهم تقودها باماكو.

ويشرح الدبلوماسي الذي رفض الكشف عن هويته أسباب هذا التوجّه من السلطات المالية، لا سيما بعد انقلاب مايو/أيار 2021، حيث أصبح النظام القائم يُبدي عدم استجابة لمبادرات الوساطة.

ووفق هذا الدبلوماسي فإنّ "العلاقة لم تنقطع تماما، بل أصبحت معقدة"، ما يطرح تساؤلات عن مصير الوساطة الجزائرية، وحدود التدخل الجزائري في الأزمة المالية باعتبار انعكاساتها المباشرة على أمنها القومي.

وتُعدّ الجزائر رائدة الوساطة الدولية والجارة المباشرة لمالي، وهي تراقب دائما أدنى اضطرابات فيها، وتواصل الجزائر الدفاع عن اتفاق السلام لعام 2015، الذي شاركت فيه إلى حدٍّ كبير، حيث جرت معظم المفاوضات في الجزائر العاصمة، ولهذا السبب يُشار إلى هذا الاتفاق الموقع في باماكو في أغلب الأحيان باسم "اتفاق الجزائر".

ومن الواضح أن اتفاق السلام لعام 2015 تعتبره الجزائر أفضل ضامن لاستقرار مالي، ولكن أيضًا لأمنها القومي، لذلك يتعلق الأمر بإنقاذه، وفق أحد الباحثين.

جندي تشادي من بعثة مينوسما، بعد الانسحاب من قاعدتيهما في تيساليت وأغيلوك في شمال مالي
النيجر تنفي قبول استراتيجية الجزائر لحل الأزمة

وبحسب دبلوماسيين، فإنّ الجزائر تقف اليوم في حالة انتظار، وتحافظ على اتصالاتها لفهم الوضع في مالي، وانتظار اللحظة المناسبة لاستئناف تحرّكها، مشيرين إلى أنّ الجزائريين "مستعدون لإعادة إطلاق الوساطة، لكنهم لا يريدون ارتكاب أي خطأ، ولا أن يؤثّر فشل وساطتهم في النيجر، والذي تم إجهاضها الشهر الماضي قبل أن تبدأ، على جهودهم في مالي" وفق تعبيرهم.

ويذهب بعض الدبلوماسيين إلى القول إنّه "في ظل النظام الحالي في مالي، سيكون من الصعب أن تكون الجزائر قادرة على إعادة بناء مكانها"، موضحا أنّ السلطات الانتقالية في مالي "تُعطي لنفسها حجما أكبر" وفق تعبيره.

لكن الجزائر، وفق ما يؤكده مصدر دبلوماسي، حريصة على "عدم الوقوف في وجه المعارضة علنًا، للحفاظ على فرص استئناف الوساطة، كما أنّ الصمت ليس مرادفا للجمود، بل هو إستراتيجية مقيّدة، ولكن واعية وصبورة" بحسب تعبيره.

الأكثر قراءة

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com