غياب الاستطلاعات يجعل انتخابات الجزائر مفتوحة على كل الاحتمالات
غياب الاستطلاعات يجعل انتخابات الجزائر مفتوحة على كل الاحتمالاتغياب الاستطلاعات يجعل انتخابات الجزائر مفتوحة على كل الاحتمالات

غياب الاستطلاعات يجعل انتخابات الجزائر مفتوحة على كل الاحتمالات

تُجرى اليوم الخميس الانتخابات البرلمانية بالجزائر، وسط غياب تام للتوقعات بشأن نتائجها في بلاد تفتقد لمعاهد سبر آراء (استطلاعات) حول توجهات الناخبين.

وانتهت ليلة الأحد إلى الاثنين الماضي الحملة الانتخابية رسميًا، التي امتدت على مدار 3 أسابيع، لتدخل البلاد في مرحلة ما يعرف بـ"الصمت الانتخابي"، قبل إجراء الاقتراع في صبيحة الخميس 4 مايو/ آيار 2017.

ويشارك في الانتخابات البرلمانية السادسة منذ إقرار دستور الانفتاح السياسي في فبراير/ شباط العام 1989، 53 حزبًا سياسيًا وعشرات القوائم المستقلة التي تتنافس على 462 مقعدًا في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، لكسب تأييد أكثر من 23 مليون ناخب.

وسجلت آخر انتخابات نيابية جرت العام 2012 نسبة عزوف كبيرة عن صناديق الاقتراع، حيث لم تتعدَ نسبة المشاركة 43 بالمائة من مجموع أعداد الناخبين.

ولم تبرز أية مؤشرات من جهات مستقلة، عن التشكيلة أو الحزب الذي ستميل لها الكفة في هذه الانتخابات النيابية، خصوصًا في ظل حملة انتخابية خيّم عليها الفتور والبرود وعزوف كبير من الجزائريين.

فحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم يتوعد باكتساح البرلمان وبأنه سيسيطر على الحكم لمائة سنة مقبلة، وبالمقابل اتهمت أحزاب مشاركة الحزب الحاكم وما بدر منه بأنه نية مبيتة للتلاعب بالنتائج لصالحه مهما كانت الظروف.

وفي نسخة 2012 توقع المراقبون والمختصون داخل البلاد وخارجها، فوزًا عريضًا للأحزاب الإسلامية الجزائرية تزامنًا وموجة الربيع العربي، لكن النتائج كانت معاكسة تمامًا للتوقعات، حين اكتسح حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الانتخابات، وحقق أحسن نتيجة في تاريخه منذ إقرار التعددية السياسية عام 1989 بحصوله على 220 مقعدًا من بين الـ 462 المتنافس عليها.

والاثنين الماضي، أصدرت سلطة الضبط السمعي البصري (حكومية) بيانًا، شددت فيه على أنه يجب "الامتناع خلال فترة الصمت الانتخابي عن كل شكل من أشكال الدعاية أو التغطية السياسية أو بث للتعبير المباشر وكل عملية لسبر الآراء وبث نتائج الانتخابات قبل غلق آخر مكتب للاقتراع".

ونهاية شهر مارس/ آذار الماضي أصدرت وزارة الاتصال الجزائرية ميثاقًا موجهًا لمختلف وسائل الإعلام، تضمن 10 التزامات لضمان تغطية محايدة ومنصفة للحملة الانتخابية.

ومن ضمن ما ورد في الميثاق "منع صريح لبث سبر أراء الشوارع خلال الحملة، باعتباره عنصرًا لتقييم وزن القوى السياسية المتواجدة، كما أنه لا يمكن لهذه الحصص بأي حال من الأحوال أن تحل محل سبر للآراء ذي مصداقية، وهذا لما قد ينتج عنه من تلاعب بالرأي العام".

ويرى الخبير في القانون الدستوري الجزائري محمد فادن بأن غياب التوقعات بشأن نتائج الانتخابات راجع لفراغ قانوني (تشريعي) تعيشه الجزائر منذ عقود.

وأوضح محمد فادن أن قانون سبر الآراء والإشهار كان من المفروض أن يصدر منذ سنة 1997 لكنه بقي معطلًا إلى الآن، رغم أهميته في التأسيس لنهج ديمقراطي على أسس صحيحة.

وأشار فادن الذي كان عضوًا في المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) إلى أن جميع المحاولات التي صبت في هذا الاتجاه منذ برلمان 1997، إلى اليوم من أجل سن قانون لسبر الآراء كان مصيرها الفشل.

وذكر محدثنا بأن غياب سبر الآراء في الجزائر لم يقتصر على الجانب الانتخابي فقط لقياس توجهات الناخبين الجزائريين، وإنما انعدم في كافة مناحي الحياة الأخرى.

ورأى أن هذا الغياب وهذا الفراغ من شانه أن يؤثر أيضًا على الحياة العامة للبلاد، كون هذه العملية تعتبر من الإجراءات المهمة جدًّا لرسم السياسات العمومية، بغية القيام بإصلاحات مثلًا أو سن قوانين جديدة حيث وجب معرفة توجهات وآراء المواطنين وهو يدعم أكثر المنهج الديمقراطي على أسس صحيحة.

ويعتقد هذا الخبير القانوني الجزائري بأن عاملًا آخر يؤثر على غياب عمليات سبر الآراء وهو طبيعة المجتمع الجزائري الذي يتفادى الإدلاء بحقيقة رأيه وتوجهه الفعلي.

وبرأي المتحدث، فإنه حتى في حال تم سن قانون لسبر الآراء حاليًا وظهور مؤسسات مستقلة لسبر الآراء، فإن الحصول على نتائج ذات مصداقية سيستغرق سنوات أخرى.

بدوره، يرى محمد لعقاب أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر أن عوامل عدة اجتمعت لتجعل من استطلاع الرأي في الانتخابات البرلمانية الجزائرية المقبلة أمرًا بلا معنى ولا فائدة مرجوة.

ووفق محمد لعقاب فإن من هذه العوامل يبرز قانون الانتخابات في حد ذاته الذي قضى على العملية الانتخابية في مهدها وأفرغها من محتواها، من خلال نظام التصويت على القائمة الذي لا يدع مجالًا لأي عملية سبر للآراء.

وبحسبه، فإن قانون الانتخابات الجزائري ينص على الانتخاب على القائمة، وهذا معناه أن المواطن الذي يمنحه الدستور الحق في الانتخاب، ينزع منه قانون الانتخابات الحق في الاختيار.

وأوضح محمد لعقاب أن الذين يصبحون نوابًا في البرلمان، هم الذين تم ترتيبهم على رأس القائمة من طرف الأحزاب قبل الانتخابات وهو ما يجعل الانتخابات بدون معنى.

ومضى لعقاب شارحًا بأنه حتى لو كان يوجد استطلاعات رأي في انتخابات بهذا الشكل، فلن تضيف كثيرًا للعلمية الانتخابية، لأن جل الأحزاب لا تمارس التسويق السياسي الذي هو عملية مستمرة وليست مقترنة بمناسبات انتخابية.

ولا يرى لعقاب جدوى لعملية سبر آراء بالنظر الحملة الانتخابية التي كانت باهتة وباردة وتافهة بدون أي خطوطك واضحة وفاصلة فاصلة بين هذه الأحزاب وكانت بلا برامج وبلا أفكار.

وقال إن "5 أحزاب كبرى تقول إن لديها برنامج رئيس الجمهورية و6 أحزاب تقول أنها إسلامية" مضيفًا "بالنظر للعوامل السابقة فإن سبر الآراء ستكون عملية بدون معنى لكن هذا دليل على أن هذه ظاهرة غير صحية تعيشها البلاد".

وأكد على أن مراكز السبر تعطي التوجهات العامة للمجتمع وبناء على ذلك تتخذ الدولة الإجراءات اللازمة.

ولفت إلى أنه كانت هناك هيئة مستقلة لسبر الآراء في الجزائر ممثلة في مركز عباسة بالعاصمة الجزائر، لكن منذ سنة 2004 لم يصدر عملية سبر أراء، وأرجع ذلك لعدم وجود جهات معينة تطلب سبر الآراء وفق أطر عليمة.

ووفق المصدر نفسه، فإن الأحزاب أيضًا صار لا يهمها الحصول على نتائج عمليات سبر الآراء، وهمّها الوحيد هو أن يصبح متصدر القائمة نائبًا وصار المقعد في البرلمان أهم شيء بالنسبة لها.

وعلق بالقول "قبل الانتخابات كانت الأحزاب مهتمة برأس القائمة ولذلك لعب المال الفاسد دوره في إعداد القوائم" "بانتهاء إعداد القوائم انتهت جميع عمليات سبر الآراء بل وانتهت الانتخابات في حد ذاتها".

وختم بالإشارة إلى أن المجتمع الجزائري عمومًا "عندما يدلي بآرائه، لا يقدمها صحيحة وهذا بناء على تجارب سابقة لشركات أجنبية، وتبين أن الجزائري غالبًا لا يفصح بحقيقية ما يوجد في قلبه والمجتمع لم يترسخ له فعليًا الوعي الديمقراطي".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com