فوضى الفتاوى الدينية تهدد بخراب البيوت المصرية
فوضى الفتاوى الدينية تهدد بخراب البيوت المصريةفوضى الفتاوى الدينية تهدد بخراب البيوت المصرية

فوضى الفتاوى الدينية تهدد بخراب البيوت المصرية

الحالة السياسية والتناحر القائم في الشارع المصري، لم يتسبب فقط في أن يخسر الأصدقاء بعضهم بسبب الخلاف حول دعم تيار سياسي ومعاداة حزب آخر، ولم يتوقف إلى تبادل الاتهامات بالخيانة والعمالة بين الأشقاء على خلفية أن هذا مؤيد لـ"السيسي"، وذاك داعم لجماعة "الإخوان المسلمين".

فالحال أخذ منحى جديداً، يتصاعد سريعاً لتكون النتيجة واحدة، وهي "خراب البيوت"، وتشريد الأطفال، والسبب في ذلك لا يتحمله الساسة والمتحزبون فقط، ولكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق رجال الدين، لا سيما مؤسسة "الأزهر" التي تراجع دورها كثيراً في عقود سابقة، وتحتاج إلى ملء الفراغ الذي نجم عنه إفتاء الجميع في "الدين" لتكون فوضى الفتاوى التي أخذت بعداً متطرفاً، بعيداً كل البعد عن سماحة الإسلام وأخلاقيات المصريين.



الطبيعة القائمة في البيوت المصرية، لم تكن نتاجاً لفتاوى صدرت فقط في الأسابيع الماضية، بل تعززت هذه الفوضى في الأساس مع وصول جماعة "الإخوان المسلمين" إلى الحكم، فبعيداً عمن أطلقوا على أنفسهم مسمى "الدعاة"، كان هناك من هم أعضاء في الجماعة، يتركون الحديث في السياسة، وينطلقون في الحياة الاجتماعية بفتاوى تهدد بتفكك النسيج المجتمعي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت فتوى القيادي الإخواني "صبحي صالح" التي أخذت تقليداً عنصرياً في العام الماضي 2013، عندما قال: "إن غير الإخوانية غير مكتملة الإيمان، ومن ثم لا يجوز الزواج منها". و: "زواج الإخوة بالأخوات يعمل على بناء مجتمع إخوان فرض نفسه على الدنيا".



مثل هذه الفتاوى تسببت في لفظ عدد كبير من المواطنين، بسبب الأفكار العنصرية للجماعة، ها هي تعود الآن ولكن من جانب بعض الدعاة المناهضين لـ"الإخوان" مثل إمام وخطيب مسجد "عمر مكرم" بميدان التحرير مظهر شاهين الذي أفتى بوجوب تطليق الزوجة الإخوانية، وقال: "إن الطلاق هنا، أمر لابد منه من أجل مصلحة الوطن العليا، مشيراً إلى أن هناك العديد من الرجال الذين يعانون من هذا الأمر"، مضيفاً: "إن الزوجة الإخوانية هي بمثابة خلية إخوانية أو قنبلة موقوتة بغرفة نومك، مناشداً بالنظر إلى فقه الأولويات والتضحية بالزوجة الإخوانية في سبيل عدم التضحية بالوطن"، و"إن التضحية بالزوجة الإخوانية، لا يعني قتلها، وإنما الانفصال عنها وإعطاءها كل حقوقها بما يرضي الله".



وتابع شاهين في فتواه: "فإن تابت وأنابت وعادت إلى رشدها فلا يطلقها، وإن أبت إلا أن تشارك في القتل والإرهاب فقد بانت خيانتها للوطن، وباتت في عرف القانون مجرمة وفي حكم الشرع فاسدة، وهذا يشكل خطراً على الأسرة والمجتمع". واستدرك شاهين قائلاً: "وإذا كان الرجل من حقه أن يطلق زوجته إذا ثبتت خيانتها له، فمن باب أولى من حقه أيضاً أن يطلقها إذا خانت الوطن وشاركت في قتل الأنفس وحرق المنشآت والتجسس على الوطن، لأنه إذا كانت خيانة الزوجة لزوجها كبيرة، فخيانتها للوطن أكبر الكبائر"؛ على حد قوله.

انتشار هذه الفتوى، أثار غضب قطاع كبير من المصريين، سواء كانوا مؤيدين أو معارضين لجماعة "الإخوان"، لا سيما أنها جاءت بعد أيام من قيام أحد الأزواج بالإبلاغ عن زوجته واتهامها بـ"الإرهابية"، لدعمها جماعة "الإخوان"، وهو ما دفع دار الإفتاء المصرية لأن تخرج برد وتوقيف لنوعية هذه الفتاوى، وقالت في بيان: "إن مثل هذه الفتاوى يثير البلبلة والجدل والفرقة في المجتمع المصري، وأن الآراء التي تصدر عن غير القائمين بالفتوى، تثير بلبلة في المجتمع، وتساعد على إشاعة الفرقة والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد، بل بين أفراد الأسرة الواحدة".

وأكد أمين دار الإفتاء الشيخ محمود عاشور، أن ما صدر من قول بتطليق الرجل زوجته لانتمائها لجماعة أو حزب سياسي هو رأي شخصي، وليس بفتوى شرعية، شابه المزايدة بالمتغيرات السياسية، وليس أسباب الطلاق الواردة في كتب الشريعة، خاصة مع التحذير الشديد من التطليق بغير موجب، حيث قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "إن أبغض الحلال عند الله الطلاق".

وأضاف: "إن فتاوى الطلاق على وجه الخصوص لها اعتبار خاص لتعلقها بالرباط المقدَّس بين الزوجين وملامستها لنواة المجتمع وأهم مكوناته وهي الأسرة التي دعا الإسلام للحفاظ عليها، فقال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"، الروم: 21، بل حث النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الزوجَ على الصبر على زوجته، فقال: "لا يَفرَكُ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر".

وأوضح "عاشور"، أن الشرع الشريف ما شَرَّع أحكام الزواج والطلاق والفُرَقِ لتكون وسيلة لإثارة الشقاق بين الأزواج وخلق الأزمات بين الأسر، وإنما شرع ذلك ليكون وسيلة لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي، ولكن إذا ثبت تورط أحد الزوجين في أعمال إرهابية فالمرجع في ذلك إلى جهات التحقيق.

فتوى "شاهين"، لم تكن الأولى أو الأخيرة، حيث كانت أيضا فتوى عميد كلية الدراسات الإسلامية بنات بجامعة الأزهر سابقاً، والملقبة بـ"مفتية النساء"، بإجازة فسخ خطبة الشاب من خطيبته إذا كانت تنتمي إلى جماعة الإخوان؛ بدعوى الحفاظ على الأسرة والدين ولمصلحة العائلة والوطن.

تعقيباً على ذلك، قال مستشار شيخ الأزهر لشؤون الحوار الدكتور محمود عزب، إن مؤسسة الأزهر وعلى رأسها الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، تدارك مدى خطورة هذه الفوضى التي هي في الأساس متراكمة ومتوارثة بسبب تحجيم دور "الأزهر" في الفترة الماضية، موضحاً في تصريحات خاصه لـ"إرم"، أن مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، تعمل بجانب المشيخة لمواجهة هذه الفتاوى المتطرفة التي تسيء للدين.

وأكد أن هذه الفتاوى ستنتهي تدريجياً مع إعادة دور هذه المؤسسات الدينية، وهذا ما وجدناه من دار الإفتاء التي أصدرت العام الماضي 500 ألف فتوى لخدمة المسلمين في مصر والعالم أجمع، وذلك بالتواصل مع تساؤلات الجمهور في الأمور الشائكة، التي يكون الرد عليها موثقاً، سواء عبر البريد الإلكتروني أو الفاكس أو الهاتف أو البريد.

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com