بين المقاطعة والرفض والمصادقة.. هل يتجاوز القضاء التونسي عاصفة التجاذبات؟
بين المقاطعة والرفض والمصادقة.. هل يتجاوز القضاء التونسي عاصفة التجاذبات؟بين المقاطعة والرفض والمصادقة.. هل يتجاوز القضاء التونسي عاصفة التجاذبات؟

بين المقاطعة والرفض والمصادقة.. هل يتجاوز القضاء التونسي عاصفة التجاذبات؟

بين معارضة متشبثة برفضها لتعديل قانون المجلس الأعلى للقضاء في تونس حدّ مقاطعة الجلسة البرلمانية للتصويت عليه، وحكومة تقول إنها تسعى لفك القفل القضائي الراهن عبر تقديم تعديلات للقانون الأصلي للمجلس، يستمر الجدل المتفجّر حول معضلة الجلسة الأولى للهيئة الدستورية.

مدّ وجزر لم ينخفض منسوبهما منذ أشهر، ومع أن المطّلعين على الشأن التونسي تتملكهم قناعة بأن موقف السلطة التشريعية سيحسم الجدل بين مختلف الهيئات القضائية، إلا أن مصادقة البرلمان، قبل أيام، على التعديلات، أشعلت فتيل الخلافات من جديد، ووسّعت دائرة الجدل، بل عمّقت هوة الانقسامات داخل السلطة القضائية وخارجها.

الأزمة بين الأصل والتعديل

وفي ظل عجز المجلس الأعلى للقضاء، الضامن في نطاق صلاحياته لحسن سير القضاء، عن عقد أولى جلساته رغم انتخاب أعضائه يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بادرت الحكومة بتقديم تعديلات تقول إنها ترمي إلى "تجاوز التضارب والخلافات بخصوص تأويل النص القانوني"، وفق وثيقة مشروع القانون.

وتقضي التعديلات الجديدة بسحب صلاحية الدعوة إلى الجلسة الافتتاحية للمجلس من رئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي وهي جهة مستقلة، وأن تسند إلى رئيس البرلمان، وأن ينص على عدم إمكانية الطعن في هذه الدعوة، وهو ما اعتبره معظم القضاة "تدخلاً سافرًا" من الحكومة في استقلالية القضاء.

ووفق المصدر نفسه، فإن أزمة انعقاد الجلسة الأولى للمجلس تعود بالأساس إلى شغور منصب رئيس الهيئة المؤقتة للإشراف على القضاء العدلي، والذي أُحيل على التقاعد، وظهور خلافات بين أعضاء المجلس والحكومة حول كيفية تعيين رئيس جديد للهيئة، ما خلق تجاذبات تعمقت بمرور الوقت.

جمعية القضاة ترفض

جمعية القضاة التونسيين، وهي هيئة مستقلة، أعلنت الدخول في إضراب عام بجميع محاكم البلاد، بمختلف اختصاصاتها، من الاثنين حتى الأربعاء الماضي، ورفضت بشدة مبادرة الحكومة لحل الأزمة، ورأت فيها "تدخلاً سافرًا" من السلطة التنفيذية في نظيرتها القضائية.

وقالت رئيسة الجمعية راضية القرافي، إن "الأزمة التي يتحدثون عنها مفتعلة، لأنه لو أمضى رئيس الوزراء يوسف الشاهد على أمر سد الشغور الحاصل في تركيبة المجلس، لما كانت هناك أزمة بالمرة".

ورأت القرافي، في المبادرة التشريعية "مخالفًة للدستور" و"مساسًا باستقلالية القضاء" الذي يكفله مبدأ الفصل بين السلطات، معتبرًة منح صلاحية الدعوة لانعقاد الجلسة الأولى للمجلس إلى رئيس البرلمان، خرقًا للدستور.

كما قدّرت أن "النزول بالنصاب القانوني لانعقاد المجلس من نصف أعضائه إلى الثلث، يفسح المجال للسلطة التنفيذية، من خلال القضاة الموالين لها بالمجلس، لوضع يدها على السلطة القضائية".

ودعت القرافي، إلى العمل بالقرارات الصادرة يوم الاثنين الماضي، عن المحكمة الإدارية واصفًة تعديلات الحكومة بـ "المهزلة التشريعية"، في وقت بادر فيه القضاة إلى طرح مبادرة حظيت بتأييد نحو ثلثي أعضاء المجلس المنتخبين، على حدّ قولها.

وأوضحت أن رفض جمعيتها يستند إلى القرارات العشر التي أصدرتها المحكمة الإدارية، والمتعلقة بالخصوص بوقف قرارات منبثقة عن اجتماعات سابقة صدرت باسم المجلس الأعلى للقضاء، وتقضي بمواصلة الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي لمهامها إلى حين تركيز المجلس.

المعارضة تقاطع التصويت

120  نائبًا صوتوا الاثنين الماضي، لصالح التعديلات على القانون، فيما امتنع 12 عن التصويت، واعترض عليه نائبان اثنان، من مجموع من حضروا، بينما يبلغ عدد نواب المجلس إجمالاً 217 نائبًا.

وفي المقابل، شهدت جلسة البرلمان انسحاب كتل الاتحاد الوطني الحر ويشغل 11 مقعدًا والجبهة الشعبية وتشغل 15 مقعدًا والكتلة الديمقراطية وتشغل 12 مقعدًا ونائبًا عن حزب صوت الفلاحين المعارض، تعبيرًا عن رفضها لمشروع الحكومة الذي اعتبرته تآمرًا على القضاء، فيما لم يحضر بقية النواب.

جلسة عامة اتسمت بالكثير من الصخب والجلبة، وبدت فيها المعارضة متمسّكًة برفضها للمبادرة التشريعية من أساسها، معتبرًة أن المسألة قضائية بحتة ولا يمكن للسلطة التنفيذية أو التشريعية الحسم فيها.

وقالت النائب عن الكتلة الديمقراطية سامية عبو، قبل الانسحاب من الجلسة، إن كتلتها "لن تشارك في جلسة المصادقة على القانون بعد أن تآمرت كتلتا النهضة ذات الـ69 مقعدًا ونداء تونس ذات الـ66 مقعدًا على القضاء".

وعقب الجلسة، شرعت الكتل المنسحبة بجمع تواقيع للطعن في مشروع الحكومة أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.

سلطة الإشراف: المبادرة التشريعية تتعلق بأمور شكلية فقط

ومن جانبه، أكد وزير العدل التونسي غازي الجريبي، خلال الجلسة العامة بالبرلمان، أن "كل ما قيل بأن السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية تريد التدخل في القضاء لا أساس له من الصحة".

وأضاف أن "المبادرة التشريعية تتعلق بأمور شكلية، وهي الدعوة إلى انعقاد المجلس الأعلى للقضاء ولا يوجد أي تدخل في سير المجلس".

ولم يتسن الحصول على المزيد من الإيضاحات بهذا الخصوص من الوزارة المعنية.

نداء تونس: لا بد من حلٍ للخروج من المأزق القانوني

الطاهر فضيل، عضو الكتلة البرلمانية لحزب نداء تونس الحاكم، التي تدعم المبادرة التشريعية، قال إن الهدف من هذه المبادرة هو تحسين القانون المحدث للمجلس الأعلى للقضاء، بما يجعله قادرًا على عقد جلساته مستقبلاً، لأنه "ثبُت وجود تجاذبات تمنع انعقاد الجلسة الافتتاحية لمجلس القضاء".

وأضاف، أن التحسين شمل التخفيض في النصاب القانوني لانعقاد الجلسات إلى الثلث عند الاقتضاء.

وأوضح أن الهدف من التعديل الذي اقترحته الحكومة ليس الانتصار لطرف على حساب آخر، وإنما حل الإشكال المزمن وإيجاد مخرج من هذا المأزق القانوني.

كما وصف النائب تدخل مجلس نواب الشعب في هذه الأزمة بأنه "تدخل تشريعي لحل إشكال في السلطة القضائية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com