سكان الموصل.. الهروب من قبضة داعش إلى بطش الحشد الشعبي
سكان الموصل.. الهروب من قبضة داعش إلى بطش الحشد الشعبيسكان الموصل.. الهروب من قبضة داعش إلى بطش الحشد الشعبي

سكان الموصل.. الهروب من قبضة داعش إلى بطش الحشد الشعبي

لم تدم طويلاً فرحة أهالي الجانب الشرقي من مدينة الموصل شمال العاصمة بغداد بالخلاص من سيطرة تنظيم "داعش"، وباتوا يواجهون مشاكل أكثر تعقيدًا، في مقدمتها دخول الميليشيات الشيعية إلى مناطقهم، وتنفيذ عمليات تصفية على أسس طائفية خاصة ضد سكان المدينة من السُنة.

ومن بين ممارسات الميليشيات، اعتقال مواطنين أبرياء؛ بدعوى تعاونهم مع "داعش"، واختطاف أشخاص من أسر غنية للحصول على فدية مالية، فضلاً عن عمليات سلب ونهب لمنازل ومحلات تجارية؛ ما أفقد الكثيرين الثقة في المنظومة الأمنية التي حلت بالمدينة بعد دحر داعش، وفق متضررين وخبراء اعتبر بعضهم أن ما يجري يستهدف إحداث تغيير ديمغرافي في المدينة البالغ عدد سكانها نحو 1.5 مليون نسمة.

وقال رئيس "منظمة العدالة الإنسانية" المحلية، عبد القادر خليل، إنه "جرى تسجيل أكثر من حملة اعتقال لمواطنين أبرياء لا علاقة لهم بداعش نفذتها قوات ترتدي الزي العسكري الرسمي، وتستقل سيارات حكومية، وتنتمي إلى الميليشيات بحسب الشعارات التي ترفعها".

وتابع عبد القادر، أن "15 مواطنًا من مناطق الزهور، والزراعي، والنور، والشرطة، شرقي الموصل وشمالها، تم اعتقالهم في ساعة متأخرة من يوم أمس الخميس، من قبل ما تسمّى بكتائب بابليون، وهي قوة تندرج ضمن الحشد الشعبي الشيعي؛ بذريعة تعاونهم مع داعش".

وأضاف رئيس منظمة العدالة الإنسانية، أن "الكثير من المنازل السكنية والمحلات التجارية والمنشآت الحيوية في الجانب الشرقي المحرر من الموصل تعرضت للنهب والسلب، فالميليشيات بدأت تجوب الشوارع وتمارس أعمالها بحرية تامة في وضح النهار دون أي رادع لها".

وأوضح المصدر، أنه "جرى تسجيل ثلاث حالات اختطاف شرقي الموصل لمدنيين أغنياء من قبل عناصر الميليشيات، ثم إطلاق سراحهم بعد الحصول على فدية مالية كبيرة تقدر بآلاف الدولارات".

وشدد رئيس المنظمة الحقوقية العراقية، على أن المواطن أصبح لا يفرق بين عناصر الميليشيات والقوات الأمنية، لكون الجميع يرتدي الزي العسكري، ويحمل السلاح الناري الحديث، ويستقل السيارات الحكومية.

ومنذ 17 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، يواجه "داعش" عملية عسكرية عراقية، بدعم من التحالف الدولي، أفقدت التنظيم السيطرة على الجانب الشرقي من المدينة، فيما يحاول حاليا الحفاظ على جانبها الغربي.

لا ثقة في الأمن

وبدوره، قال محمود علي الحداد، رئيس رابطة "حرية الموصل وكرامتها" الأهلية، إن "المدنيين في المدينة بدأوا يخشون من القوات الأمنية، كما كان الوضع قبل أحداث يونيو حزيران 2014، أي قبل انسحاب القوات الأمنية العراقية وسيطرة داعش على الموصل، مركز محافظة نينوى."

وتعزو القوى السُنية في العراق ظهور "داعش"، واكتساحه العديد من المحافظات العراقية العام 2014، إلى الخلافات السياسية، وتفرد أطراف شيعية بالحكم في بغداد، وغياب الرؤية المشتركة لإدارة المؤسسات الحكومية، خاصة الأمنية والسياسية، وهو ما تنفيه حكومة حيدر العبادي.

وأضاف الحداد، أن "الاعتقالات العشوائية وعمليات الاختطاف والسلب والنهب والابتزاز ومطاردة الكفاءات، بعد أسابيع من اكتمال عمليات تحرير الجانب الشرقي من داعش يوم 24 يناير/ كانون ثان الماضي، تثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب لدى المواطن، وتدفعه إلى فقدان الثقة بالمنظومة الأمنية".

وشدّد على أن تلك الممارسات غير الأخلاقية في المناطق المحررة لا تخدم أي طرف سوى داعش، الذي راهن ويراهن على ورقة الأعمال الطائفية، التي يتعرض لها المدنيون عند خروجهم عن نطاق سيطرته".

وحذر الحداد من استغلال التنظيم لهذه الأفعال والممارسات في تنفيذ أعمال انتقامية ضد أي قوة ترتدي الزي العسكري، بحجة الدفاع عن المواطنين.

كما حذر من أنه في حال استمرار الأمور بهذا المسار، فإن الموصل عائدة إلى المربع الأول قبل أحداث 10 حزيران 2014، عندما كان المواطن لا يثق بالأجهزة الأمنية، ولا يرغب في التعاون معها؛ بسبب الفساد الذي كان مستشريًا في جميع المرافق الحكومية".

نشر قوات دولية

وفق المحلل السياسي العراقي، محمد الصواف، فإن تدهور الوضع الأمني في الجانب المحرر من الموصل، يعود إلى غياب التنسيق بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية".

وقال الصواف، إنه بعد أن أكملت القوات العراقية عملياتها ضد داعش في الجانب الشرقي من المدينة، بدأت بوادر الأزمة الأمنية بالظهور؛ جراء غياب الرؤى من الجهات المختصة للتعامل مع مثل هذه المواقف، فضلاً عن عودة الصراعات السياسية".

وحذر من أن الأزمة الأمنية ستتسع في القريب العاجل في حال استمر الوضع على ما هو عليه لفترة أطول.

واعتبر الصواف، أن "الحل الأمثل هو نشر قوات دولية لحماية المواطن والحفاظ على ممتلكاته الخاصة والعامة، لحين الانتهاء من تحرير مدينة الموصل بالكامل، ومن ثم الاستعانة بقوات نظامية لتحل محل القوات الدولية".

إبعاد قوات "حرس نينوى"

فيما قال الدكتور في جامعة الموصل، مؤيد طلال الكرطاني، الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، إن "تدهور الوضع الأمني في المناطق المحررة من المدينة تتحمله الحكومة المركزية في بغداد لإصرارها على إدارة الملف الأمني بالطريقة القديمة، دون إيلاء أي اعتبار للمتغيرات التي طرأت على مجمل الأوضاع في المدينة، والمنطقة عامة، خلال أكثر من عامين".

وأردف الكرطاني، أن حكومة بغداد ارتكبت خطأ فادحًا عندما قررت إبعاد قوات حرس نينوى، المشكلة من أبناء المحافظة، والمدربة على أيدي مستشارين عسكرين أتراك مشهود لهم بالكفاءة والخبرة، إلى خارج الحدود الإدارية للموصل، وتكليف الحشود الشيعية بمهمة السيطرة على الأرض، في ظل انشغال القوات المسلحة الرئيسة منذ 19 فبراير/ شباط الماضي بمعركة تحرير المناطق الغربية من الموصل، التي لا تزال تحت سيطرة داعش، في المدينة"، والتي تعتبر آخر معقل للتنظيم بالعراق.

وشدّد على أن "الوضع الأمني مقلق للغاية، وفي حال عجزت الجهات العسكرية والسياسية عن إيجاد الحلول الناجعة، فسيضيع النصر بين أيدي منفذي العمليات الطائفية والمروجين للأزمات والمستفيدين منها".

حراك برلماني ضد الطائفية

من جانبها، أعربت عضو مجلس النواب العراقي عن نينوى، جميلة سلطان العبيدي، عن استعداد ممثلي المحافظة في البرلمان لإدراج ملف الانتهاكات، التي يتعرض لها أبناء الموصل من قبل عناصر خارجة عن القانون، تسعى إلى سلب فرحة النصر من المواطن البسيط، في الجلسات البرلمانية القادمة للوصول إلى قرار يحد منها.

وكشفت العبيدي، أنها تمتلك شهادات صوتية من مدنيين عزل في المناطق التي جرى تحريرها تفيد بتعرضهم إلى انتهاكات على أيدي ميليشيات بدوافع انتقامية طائفية.

وأضافت: "سأقدمها إلى رئاسة مجلس النواب لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحق هذه العناصر المسيئة".

ورأت النائبة في البرلمان العراقي، أن "الميليشيات تحاول من وراء هذه الأفعال إحدث تغيير ديموغرافي في الموصل، والسيطرة عليها، والتحكم بمقدراتها المختلفة، وهو أمر مرفوض."

تهديد الكفاءات

وبحسب الناشط المدني، "أيهم معتز"، فإن "الحملة الشعواء التي تتعرض لها الموصل مستمرة، وستبقى حتى بعد الانتهاء من حقبة داعش، وذلك بهدف إفراغ المدينة من طاقاتها البناءة واستغلال خيراتها المتنوعة".

وتابع معتز، أن "الكثير من الممارسات غير الأخلاقية باتت تستهدف الشريحة الراقية في المجتمع الموصلي، مثل: الطبيب، والمهندس، والتاجر، والمحامي، والإعلامي، لإجبارهم على مغادرة المدينة أو البقاء فيها وتحمل نتائج بقائهم"، معتبرا أن "الميليشيات تستكمل ما بدأ به داعش تجاه كفاءات الموصل وسكانها بصورة عامة، وهذا الأمر لا يمكن أن يكون مصادفة"، على حد تقديره.

وحذر، من أن "الانتهاكات في الجانب المحرر ستفاقم المشاكل، وبالتالي تقوض جهود الحرب ضد التنظيم الذي لا يزال يسيطر على أجزاء واسعة، ويحاول -بين الحين والآخر- أن يؤكد قوته عبر شن هجمات على القوات الأمنية والحشود المساندة لها".

وحول مستوى الخدمات في المناطق المحررة، قال الناشط المدني: "المستوى متدن إلى أبعد الحدود، فأكوام النفايات تنتشر في كل مكان، والسكان يعانون من نقص حاد في الغذاء والماء ووسائل التدفئة، والمراكز الصحية لا تمتلك أبسط أنواع العلاج، ومخلفات الحرب في كل مكان".

وختم معتز بأن بعض شباب الموصل يحاولون تغيير هذا الواقع المرير عبر تنظيم حملات إغاثة للمحتاجين وتنظيف الشوارع، غير أن الواقع أقوى بكثير من إرادتهم، خاصة في ظل غياب الأمن.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com