البوصلة الأردنية تتحرك تحت ضغط الاقتصاد والمستجدات الإقليمية
البوصلة الأردنية تتحرك تحت ضغط الاقتصاد والمستجدات الإقليميةالبوصلة الأردنية تتحرك تحت ضغط الاقتصاد والمستجدات الإقليمية

البوصلة الأردنية تتحرك تحت ضغط الاقتصاد والمستجدات الإقليمية

تحركات دبلوماسية مكثفة شهدها الأردن خلال الأسبوعين الأخيرين، ففي الوقت الذي كان فيه الأردنيون يقدمون التهاني لملكهم بعيد ميلاده الرابع والخمسين، كان يلتقي  هو بكبار أعضاء الإدارة الأمريكية الجديدة كأول زعيم عربي يقوم بهذه الجولة ويلتقي الرئيس دونالد ترامب.

 وقبل ثلاثة أيام من اللقاء نشر موقع "بريتبان" الإخباري (الذي أنشأه ستيف بانون كبير مستشاري ترامب للشؤون الاستراتيجية، وما زال على صلة به) تقريراً نسب معلوماته إلى مسؤول مخابرات عربي، لم يذكر اسمه حول أن الأردن يعيد النظر بخياراته القديمة تحت ضغط أزمته الاقتصادية والمستجدات على الملف السوري، وتلك التي فرضها مجيء رئيس أمريكي وصفه الملك عبد الله يوم أمس بأنه "رجل صاحب قرار وسيكون لإدارته دور حاسم في قضايا المنطقة".

معلومات مسؤول المخابرات العربي كما نشرها الموقع الإخباري المرعي من المستشار الأول لترامب، تقول إن الأردن منخرط الآن في محادثات مع القيادة السورية حول سبل محاربة تنظيم داعش.

ووفقا للتقرير فإن استقبال الأردن لمستشار الأمن الوطني السوري علي المملوك في زيارة لم يعلن عنها العام الماضي، تضمّن محادثات حول أمن حدود البلدين، وترتبت عليها تغييرات إجرائية، كان آخرها ضربة الطيران الأردني يوم أمس الأول لمواقع تابعة للتنظيم في جنوب سوريا كانت أصلاً مرافق عسكرية للنظام، حيث أعلن عن هذه الضربات بشكل منفصل عن التحالف الدولي لمحاربة داعش المنضوي تحته منذ إنشائه.

ويزيد التقرير أن سلسلة العمليات "الإرهابية" التي طالت الأردن مؤخرا، جعلته يؤمن بأن بقاء الرئيس السوري في الحكم أفضل للأردن من سقوط النظام بيد "الإرهابيين".

 مصير غرفة العمليات المشتركة"الموك"

 المعلومة الثانية التي نقلها الموقع عن "مسؤول المخابرات العربي" تقول إن الأردن الذي كان قد وافق "مضطراً "أن يستضيف غرفة قيادة العمليات المشتركة تحت ضغط الحلفاء الذين وعدوه بالمساعدات المالية لتحمل الأعباء المتزايدة، ربما يفكر الآن بالتخلي عن استضافة تلك  الغرفة العملياتية ، خاصة بعد أن تزايدت احتمالات وقف بعض تلك المساعدات المالية الخارجية.

ويعطي التقرير الاستخباري انطباعاً بأن مراجعة الأردن لخياراته في موضوع الملف السوري وتشابكاته الإقليمية والدولية، يأتي في سياق مراجعات سبقته لها دول مثل مصر وتركيا اللتين تتعاملان في الملف السوري بقناعة أن نظام الأسد باقٍ، وأن "الدوسية" بيد موسكو ، بانتظار أن يبلور الرئيس الأمريكي الجديد موقفه، انطلاقاً من مشروع "المناطق الآمنة" الملتبس حتى الآن.

 زيارة الملك لموسكو وإشراك الأردن في آستانة

زار الملك عبد الله الثاني العاصمة الروسية موسكو في 25 يناير الماضي، مستبقا الموعد الذي كان مقرراً من قبل، وفي موسكو حصل على التزام من الرئيس الروسي بإدخال الأردن ضمن "الفريق الفني" لمؤتمر آستانة، وهي خطوة فيها من تعزيز معنويات الأردن بالاعتراف الروسي أنه "طرف محوري"، بقدر ما في هذه الخطوة من ترك الأبواب مفتوحة لخيار الأردن (أو تهديده) بإلغاء استضافته لغرفة القيادة المشتركة للعمليات العسكرية الدولية في سوريا.

زيارة العاهل الأردني لواشنطن، والتي جرى تقديمها عدة أسابيع بعد أن كانت منتظرة قبيل أو بعد القمة العربية المقررة نهايات الشهر القادم في عمان، أعطاها الإعلام المحلي، وأيضاً الفضائيات العربية المتعاطفة مع الأردن، ضخاً كثيفاً من زاوية أنها الأولى لزعيم شرق أوسطي في لقاء الرئيس الأمريكي الجديد، مع التشديد على أن ترامب ألحّ في استعجال عقد القمة الثانية الموسعة المرجحة في شهر أبريل.

 الإيكونومست والنسر المقفّص

 بعد يومين من تقرير بريتبارت المنسوب لمسؤول مخابراتي، نشرت مجلة الإيكونومست في الثاني من شباط الجاري تقريراً ملفتاً عن خيارات الأردن المأزوم اقتصادياً والمعاند لمغريات التوسع، ومعه في ذلك حق، لما فيها من مخاطر، حسب قولها.

عنوان التقرير كان "القيادة الهاشمية تفضل أن تلعب  بالمأمون" وفيه قالت المجلة: "إن الأردن تجاهل العام الماضي نصيحة من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط الأدنى كانت اقترحت خلق ما أسمته الأردن الكبير وذلك باستخدام وضم مناطق محاذية من العراق وسوريا".

وكان مركز الدراسات  الأمريكي بصلاته القوية مع إسرائيل يروج لفكرة أن مثل هذه التوسعة في حدود الأردن من شأنها كبح التوسع الإيراني غرباً ، فضلاً عن أنه سيعطي للأردن "نهرين جديدين" من خيرات حقول النفط ومخزون الفوسفات.

وقالت مجلة الإيكونومست في استذكارها لهذه المعلومة، إن  الأردن يرفض دعوات الحلفاء ويكبح جموح طموحاته الإقليمية لما فيها من مخاطر عليه و يرفض التوسع جغرافياً باتجاه سوريا أو العراق أو فلسطين، رغم ما في ذلك من مغريات يمكن أن تعالج حالة الضيق الاقتصادية للمملكة.

واستذكرت  المجلة أن أول نداء للرئيس السوري بشار الأسد بأن يتنازل عن السلطة، خرج من الأردن الذي حذر مراراً مما أسماه "الهلال الشيعي" الذي تعمل له إيران ويشمل سوريا.

 وأضافت المجلة أن الأردن لم يتخل حتى الآن عن فكرة حزام المنطقة الآمنة على حدوده الشمالية مع سوريا، وهي الفكرة التي كانت جزءاً من برنامج محادثات الملك عبد الله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي أعقبها بلقاء قصير مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وخلصت المجلة إلى أن القيادة الهاشمية تفضل الاستمرار في كونها "نسراً محصوراً في قفص صغير، على أن تكون طيراً طليق الجناح يغامر بأن يتم اصطياده ببندقية".

 العلاقات الأردنية الإيرانية

 أشارت المجلة في تقريرها إلى أن خيار تحرك الأردن نحو إيران لحل الأزمة الاقتصادية بات مستبعدا رغم الوعود الإيرانية بإغداق البلاد بمساعدات اقتصادية على شكل وفود سياحية للمزارات الدينية وعلى شكل شحنات نفطية، إلا أنها لفتت إلى أن هذه الشائعات التي راجت بعد حادثة خطبة الجمعة التي ألقاها إمام الحضرة الهاشمية السابق، أحمد هليل، ودفع ثمنها من منصبه، بعد أن توسع في انتقاد تراجع المساعدات الخليجية للأردن، جرى استبعادها نقلاً عن مصادر وصفت بأنها ذات صفة استخبارية، فضلا عن أنها باتت صعبة أو مستحيلة بعد إدراج الرئيس الأمريكي الجديد لإيران كدولة "إرهابية" أولى في العالم.

 بوصلة الأردن باتجاه أبوظبي والقاهرة

 بدلا من إيران  يبدو أن ملامح البوصلة الأردنية الجديدة التي يقودها وزير الخارجية الجديد أيمن الصفدي اتضحت من خلال زيارتين ملفتتين، الأولى قام بها الصفدي لأبوظبي كأول عاصمة عربية يزورها، وتحديدا بعد مستخلصات قمة الملك مع بوتين ثم مع ترامب .

ويمتلك الصفدي في الامارات شبكة علاقات مبنية على الثقة العميقة، أما الزيارة الثانية فهي التي يقوم بها اليوم للأردن وزير الخارجية المصري سامح  فهمي، وهو الذي يرتبط مع رئيس الحكومة الأردنية هاني الملقي بعلاقات شخصية وثيقة تعود للأيام التي كان بها الملقي سفيرا للأردن في القاهرة .

تسريبات إسرائيلية.. والحديث عن الخيار الأردني

كان ملفتاً أن بين الذين دخلوا بالتسريب الإعلامي ،على خط "الخيارات الأردنية في مرحلة الأزمة" ، بالإضافة للصحافة  المحلية والأمريكية والبريطانية، معلقون إسرائيليون وبالذات من معسكر اليمين المتطرف الذي لم يكف حتى الآن عن ترديد نظرية "الخيار الأردني" التي ترى  أن الدولة الفلسطينية  ينبغي أن تقوم شرق نهر الأردن وليس غربه.

وفي هذا السياق نشر الباحث القانوني الإسرائيلي تيد بلمان، على موقع القناة الإسرائيلية السابعة تقريراً قبل يومين يعرض فيه التفاصيل الإجرائية لتسليم الأردن للفلسطينيين،  وذلك على أمل أن تكون جزءا من أطروحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن ومع الرئيس ترامب هذا الأسبوع.

 وأمام جميع هذه التكهنات، أعطى الملك أمس انطباعاً واثقاً مطمئناً، مخالفا كل الذين كتبوا في بريتبارت والايكونومست والقناة الإسرائيلية، حيث قال أمام مجموعة من الكتاب الصحفيين والإعلاميين أن "الأردن بخير".

ولم يتحدث الملك في اللقاء حول المساعدات الخارجية أو في غرفة العمليات المشتركة "الموك"، و قال للصحفيين إن العلاقات مع موسكو أصبحت من ثوابت السياسة الخارجية للمملكة، وأن موضوع المنطقة الآمنة على حدود الأردن مع سوريا ستتضح ملامحها في نهايات شهر شباط الحالي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com