غزيون يرفعون رايات بيضاء أثناء نزوحهم هربا من القصف الإسرائيلي
نزولًا عند الأوامر العسكرية سار عدد كبير من أهالي قطاع غزة، الثلاثاء، بين الجثث والأشلاء وسط الدبابات الإسرائيلية وهم يرفعون ما تيسر من رايات بيض، في نزوحهم القسري نحو الجنوب هربًا من نيران القصف.
علا الغول التي نزحت بعد شهر من بدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس تحدثت عن "الخوف". وقالت الشابة التي غطت رأسها بحجاب ذهبي اللون: "لم نر جنودًا، رأينا الدبابات الإسرائيلية على جانبي الطريق، مشينا أسرابا رافعين أيدينا، حاملين رايات بيضاء".
اضطُر خلال الشهر الماضي، وفقا للأمم المتحدة، نحو 1,5 مليون نسمة للنزوح داخل القطاع المحاصر، من أصل مجمل سكانه البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة.
وروت أميرة السكني أنه خلال سيرهم من وسط القطاع باتجاه الجنوب، بعد أن ألقت عليهم إسرائيل منشورات تحثهم على الرحيل: "رأينا جثثا، أشلاء، شهداء، الناس تترك دوابها وتكمل طريقها مشيا". وأضافت الشابة التي كانت تحمل طفلها وعبوة مياه: "لم أتخيل المسافة التي قطعناها، حصلنا على مياه من الجيران، نحن لا نريد الحرب، نريد هدنة، نريد السلام"، وقالت الأم إن طفلها الذي لم يكمل العامين صار "يعرف الصاروخ ويقول لا أريد القصف يا ماما".
قُتل منذ بدء الحرب، التي اندلعت بعد هجوم مباغت شنته حركة حماس الإسلامية داخل الأراضي الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، أكثر من 10300 شخص في قطاع غزة، معظمهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى نحو 26 ألف جريح.
وفي الجانب الإسرائيلي، قُتل 1400 شخص غالبيتهم من المدنيين، معظمهم قضى في اليوم الأول للهجوم، في حين ما زالت حماس تحتجز أكثر من 240 رهينة، بحسب السلطات الإسرائيلية.
وأظهرت مقاطع فيديو النازحين، وبعضهم على كراس متحركة، وهم يحملون بعض الأمتعة الضرورية إلى جانب أطفالهم.
رحلة مروعة
قال هيثم نور الدين (29 عاما) إنه قطع مسافة بعيدة مع والدته وأخوته الأربعة وعدد من أقاربه إلى أن وصلوا مخيم البريج جنوبي القطاع، وأضاف أنه ترك منزل العائلة قرب مستشفى الشفاء بسبب القصف العنيف وأنه شاهد في الطريق نحو الجنوب "جثثا متحللة".
وتقول إسرائيل إنها تطوق مدينة غزة، إذ تقع المراكز القيادية التابعة لحماس، لكنها ستسمح للسكان بمغادرة شمال القطاع، لكن رغم إعلان إسرائيل عن ممر آمن وخصوصا على الطريق الواصل بين شطري القطاع، إلا أن الأرقام الرسمية للقتلى أكدت أن لا مكان آمنا في القطاع، إذ قُتل نحو 3600 شخص في جنوب ووسط قطاع غزة، وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس.
أما حاتم أبو رياش، الذي حمل عصا يتكئ عليها تعينه على المشي الطويل، فتحدث عن الرحلة "المروعة"، وقال الرجل الذي نزح من مخيم جباليا، والذي تعرض تكرارًا للقصف العنيف منذ بداية الحرب، إنهم مروا على طول الطريق "بجانب الجنود والبنادق والدبابات والمدافع والرشاشات، الأمر كان مروعا"، وأكد الرجل ذو اللحية البيضاء: "نحن لسنا إرهابيين، نحن مدنيون نريد أن نعيش بسلام".
ولا تنتهي معاناة الغزيين بنزوحهم من الشمال نحو المناطق الوسطى أو الجنوبية، إذ يعيش أكثر من 550 ألف شخص في 92 منشأة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). فالبنية التحتية والمرافق في حالة مزرية والأمراض منتشرة، وقالت المنظمة الأممية إن 600 شخص في أحد المواقع يتشاركون مرحاضًا واحدًا، وأضافت أنها سجلت آلاف الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي الحادة والتهابات الجلد والإسهال وجدري الماء، كما صار الوصول إلى الإمدادات الأساسية كالخبز صعبا أيضا.
معتز العجلة، الذي نزح مع عائلته، وصف الوضع بأنه "سيىء جدا جدا"، وأضاف الرجل، وهو يلتقط أنفاسه بينما ظهر خلفه شاب يدفع امرأة مسنة تجلس على عربة أطفال: "لا يوجد وضع إنساني، بل هو كارثي".