داعش في سرت.. صعود سريع ونهج مُريع
داعش في سرت.. صعود سريع ونهج مُريعداعش في سرت.. صعود سريع ونهج مُريع

داعش في سرت.. صعود سريع ونهج مُريع

بشكل سريع ومفاجئ، سيطر تنظيم داعش بالكامل على مدينة سرت شرقي ليبيا؛ ما أذهل وأرعب الليبيين ودول الجوار من احتمال تمدد التنظيم، الذي كان يأمل في جعل سرت عاصمة لما يسميها "الخلافة الإسلامية" في شمال إفريقيا.

غير أن هذا الصعود سرعان ما تراجع، ويكاد اليوم ينتهي تماماً في المدينة الساحلية، تحت وطأة عملية عسكرية ليبية، بإسناد جوي أمريكي، تستهدف مواقع التنظيم، الذي تخشى عواصم غربية أن يعبر إليها خطره عبر البحر المتوسط.

وصعد التنظيم في سرت بشكل سريع عبر عدة مراحل، لتبدأ بعدها  مراحل الهبوط، وهو ما وثقته روايات وشهادات  لمسؤولين وسكان عدد من المدن الليبية، وفقا لوكالة الأناضول التركية.

في العام 2011، شهدت سرت آخر المعارك بين القوات الموالية لثورة 17 فبراير/ شباط وبين كتائب نظام العقيد معمر القذافي، وهي معارك ضارية شاركت فيها معظم ما تعرف بـ"كتائب الثوار" من الشرق والغرب والجنوب الليبي، والتي التقت في سرت.

بعد قتال شرس دام أسبوعين، وانتهى آخر سبتمبر/ أيلول 2011، تمكنت "كتائب الثوار" من السيطرة الكاملة على مدينة القذافي، الذي حكم ليبيا لأكثر من 42 عاماً انتهت بمقتله العام 2011.

آنذاك اتفقت "كتائب الثوار" على تسليم سرت إلى "كتيبة ثوار مدينة سرت"؛ مع تقدير من بقية الكتائب بأن هذه الكتيبة هي "الأقدر والأنسب لإدارة المدينة وحفظ أمنها"، لكن دون الانتباه إلى الميول السلفية الجهادية لتلك الكتيبة.

من كتيبة إلى لجنة

وسريعاً ما انصهرت "كتيبة ثوار سرت"، بحسب روايات سكان من المدينة، فيما ما يعرف بـ "اللجان الأمنية العليا"، وهو جسم أطلقه أواخر العام 2011 المجلس الانتقالي الليبي بهدف استيعاب الكتائب المسلحة التي انتشرت إبان الثورة، وبذلك تحولت "كتيبة ثوار سرت" إلى "اللجنة الأمنية في سرت".

وتقدر مصادر ليبية، أن انصهار الكتيبة في اللجنة لم يكن اقتناعا بالدولة الليبية أو انتماء لها، بقدر ما كان بغرض الاستفادة من الإمكانيات التي وفرتها الدولة لهذه اللجنة الأمنية.

وبجانب "كتيبة ثوار سرت" بقيت في المدينة "كتيبة شهداء الزاوية"، بقيادة صالح أبو عليقة، أحد الضباط السابقين في الجيش الليبي، والذي انشق عن نظام القذافي وانضم للثورة، وهي كتيبة من مدينة بنغازي وصلت إلى سرت؛ للمشاركة في المعارك ضد كتائب القذافي، ثم قررت البقاء في المدينة.

ومع بداية 2013، دخلت سرت كتيبة ثالثة، وهي "كتيبة الفاروق"، ذات التوجهات الجهادية، والتي جاءت من مدينة مصراتة، وعلى رأس الكتيبة أحمد التير؛ وذلك بعد فشلها في الترويج للتيار الجهادي بين شباب مصراتة، بحسب نشطاء.

ظهور "أنصار الشرعية"

ومثلت "كتيبة الفاروق"، ذات التوجهات الجهادية، دعما لـ"اللجنة الأمنية في سرت"، التي تحمل التوجه الجهادي نفسه، قبل أن تقرر القوتان، منتصف 2013، الانصهار تحت راية ما بات يعرف بـتنظيم "أنصار الشريعة"، الذي يقول منتقدوه إنه يتبنى تفسيرا ًمتشدداً للشريعة.

وهكذا صار المشهد الأمني في سرت منقسماً بين قوتين أساسيتين، هما: "أنصار الشريعة"، بقيادة أحمد التير المكنى بـ"أبي علي"، و"كتيبة شهداء الزاوية"، بقيادة الضابط السابق في الجيش الليبي، صلاح أبو عليقة.

وسرعان ما بدأت المناوشات بين القوتين؛ لتصل في إحداها إلى مقتل ما يسمى "أمير أنصار الشريعة"، أحمد التير، يوم 3 أغسطس/ أب 2013؛ مما أجج قتالاً بين القوتين انتهى بعودة "كتيبة شهداء الزاوية" إلى بنغازي، في مارس/ آذار 2014؛ لتصبح مدينة سرت بالكامل تحت سيطرة "أنصار الشريعة".

خلافة البغدادي

في سرت، استقر الأمر لتنظيم "أنصار الشريعة" حتى أواخر يونيو/ حزيران 2014، تاريخ إعلان العراقي "أبو بكر البغدادي" قيام ما أسمها بـ"الخلافة الإسلامية" من مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، شمالي العراق؛ لتبدأ سلسلة من الانقسامات داخل صفوف "أنصار الشريعة" بين مبايع لتنظيم ما يعرف بـ"داعش" ورافض له.

عدد من بايعوا البغدادي، وفق شهادات من سرت، كان أكثر من عدد الذين رفضوا مبايعته؛ ليتحول هذا الانقسام إلى مشادات ثم اشتباكات، انتهت بخروج كل من رفض مبايعة البغدادي من المدينة، لتصبح سرت أواخر 2014 تحت السيطرة الكاملة لداعش.

وفي البداية، كما يقول سكان، كان التنظيم منغلقاً على نفسه ولم يكشر عن أنيابه، وإنما اكتفى بضبط الأمن العام في المدينة، قبل أن يبدأ في السيطرة التامة والتحكم في أدق تفاصيل حياة السكان.

أول مواجهة 

في مصراتة، إحدى أهم المدن المجاورة لسرت، سمع المسؤولون، بحسب شهادات عدد منهم، عن وجود تنظيمات متطرفة في سرت، لكنهم لم يعيروا الأمر اهتماماً، خاصة أنه كان هناك من يعتبر ذلك "مجرد شائعات لإرباك الأوضاع لا أكثر".

أول مواجهة حقيقية مع داعش في سرت كانت في مارس/ آذار 2015؛ إثر انسحاب قوات "فجر ليبيا"، التابعة لمدينة مصراتة من الموانئ النفطية، في إطار "عملية الشروق" العسكرية، التي كان هدفها تحرير الموانئ النفطية من قبضة مسلحين يقودهم إبراهيم الجضران، الذي سيطر على الموانئ وأغلقها.

فأثناء انسحاب قوات "عملية الشروق" من منطقة الهلال النفطي باتجاه مصراتة، فوجئت بإغلاق الطريق أمامها في منطقة النوفلية، إحدى ضواحي سرت الشرقية، من قبل قوة تابعة لداعش؛ ليندلع أول اشتباك بين القوتين استمر ساعات، وانتهى بمقتل وأسر عدد من مسلحي داعش، وفتح الطريق أم قوات "عملية الشروق".

ومنذ هذا الاشتباك أصبح الجميع يدرك أن داعش يتمدد في سرت، المدينة التي شهدت مولد ومقتل القذافي.

داعش يُعلن عن نفسه

في هذه الأثناء كان داعش يعلن عن نفسه من حين إلى آخر، عبر استهدافه عددا من السفارات في العاصمة طرابلس، أو تنفيذ عمليات انتحارية تستهدف بوابات مصراتة ومدن أخرى، مثل زليتن على بعد نحو 140 كم شرق طرابلس.

وبشكل صارخ ودموي، أعلن داعش عن نفسه من خلال إصدارات مصورة من سرت، أبرزها تسجيل مصور في فبراير/ شباط 2015 يظهر عملية ذبح 21 مسيحيا مصريا كان التنظيم اختطفهم قبل أسابيع قرب المدينة.

ومع الصعود السريع لداعش في سرت، قرر المجلس العسكري لمدينة مصراتة تكليف "الكتيبة 166" بتأمين سرت ودحر مسلحي داعش.

غير أن كتيبة مصراتة واجهت قتالا شرسا من مسلحي داعش؛ ما اضطرها إلى الانسحاب إلى بلدة أبوقرين، لتصبح هذه البلدة هي حدود تنظيم داعش في ليبيا.

عمليات قتل وصلب

في هذا الوقت، انشغل داعش بتطوير قدراته العسكرية والتنظيمية، وإحكام السيطرة أكثر على سرت، التي باتت معقله في بلد يعاني منذ أطاحت الثورة الشعبية بالقذافي من الانفلات الأمني وانتشار السلاح والصراعات المسلحة والسياسية بين العديد من القوى.

وبالأساس، وفق روايات سكان من سرت، كان داعش معنيا بالسيطرة على المدينة من خلال بث الرعب في قلوب سكانها، كأن يقتل مثلاً علنا معارضين له ممن كانوا يعملون في صفوف قوات الأمن والجيش.

ويذكر سكان سرت جيداً أول عملية "صلب" قام بها داعش في المدينة، وتحديداً في ساحة "ميدان الزعفران"، حيث صلب ميلاد أحمد أبو رقيبة، يوم 16 يناير/ كانون الثاني 2015؛ بدعوى أنه عنصر أمن سابق.

وبحسب آخر إحصاء للسكان في ليبيا العام 2010، يبلغ عدد سكان سرت 100 ألف نسمة.

وتحت وطأة  الإعدامات إضافة إلى عمليات قطع الأيادي، بدأ بعض سكان المدينة في النزوح باتجاه مدن أخرى، هربا من بطش داعش.

بداية النهاية

مع بداية 2016 أفادت مؤشرات عسكرية بأن داعش بات واثقا من قدراته العسكرية، وبدأ يفكر في التوسع داخل ليبيا.

ومرارا، حاول التنظيم أن يتقدم شرقا نحو الموانئ النفطية للسيطرة عليها، غير أن محاولاته باءت بالفشل، ثم بادر بالتمدد غربا باتجاه مصراتة، ويبدو -بحسب مراقبين- أنه كان يفكر في العاصمة طرابلس.

وفي بداية مايو/ أيار 2016، هاجم داعش منطقتي بوقرين وسدادة، واستهدف القوات الموالية لمدينة مصراتة فيهما.

وبعد ساعات قليلة على هذا الهجوم استنفرت مصراتة وعدد من مدن الغرب، ليجد داعش نفسه في مواجهة قوة عسكرية من حوالي 8 آلاف مسلح، بينما قواته لا تتجاوز 3 آلاف على أقصى تقدير.

وفي 5 مايو/ أيار 2016 أعلن رسميا عن بدء عملية "البنيان المرصوص" العسكرية لتحرير سرت بالكامل من داعش.

ومنذ ذلك التاريخ والتنظيم يتراجع ويتقهقر، إلى أن أصبح اليوم محاصرا يحتضر في منطقة الجيزة البحرية السكنية الصغيرة داخل المدينة، ولا يتجاوز عدد مقاتليه العشرات، حتى أن بعض العائلات النازحة بدأت في العودة إلى سرت.

وبينما لا يوجد أدنى شك بشأن مصير العدد المحدود جدا ًمن مسلحي داعش المحاصرين في سرت، إلا أن الانتصار على التنظيم عسكرياً في سرت لا يعني أن الحرب عليه انتهت في ليبيا، لا سيما في ظل صراع مسلح بين الفرقاء الليبيين تغذيه أزمة سياسية أوجدت ثلاث حكومات متصارعة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com