كان رياض سلامة، الحاكم السابق لمصرف لبنان المركزي، يلقى حفاوة باعتباره خبيرا ماليا مقتدرا، قبل أن تمزق صورته قضايا فساد في الداخل والخارج وانهيار مدمر للقطاع المصرفي في البلاد، وقبل أن يُعتقل اليوم الثلاثاء لاتهامه بالاحتيال.
ولسنوات طويلة، كان كثير من اللبنانيين ينظرون إلى سلامة البالغ من العمر 74 عاما، باعتباره العمود الفقري للنظام المالي حتى انهياره في 2019، حينها شاهد سلامة مكانته تتداعى، إذ أدى الانهيار المالي إلى إفقار عدد كبير من المواطنين وتجميد ودائع معظم المدخرين في القطاع المصرفي مترامي الأطراف الذي كان يشرف عليه ذات يوم.
وتلطخت صورته أكثر بعد أن بدأت الدول الأوروبية واحدة تلو الأخرى في فتح تحقيقات حول ما إذا كان قد استغل منصبه لاختلاس المال العام وجمع ثروة في العقود الثلاثة التي قضاها في منصبه.
وقال مصدر قضائي رفيع المستوى إن السلطات ألقت القبض على سلامة اليوم الثلاثاء بناء على اتهامات بغسل أموال واحتيال واختلاس مرتبطة بشركة سمسرة لبنانية تُعرف باسم أوبتيموم إنفست، ضمن واحدة من عدة تحقيقات يواجهها، بحسب "رويترز".
وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة أوبتيموم إنفست اللبنانية رين عبود إن الشركة أجرت تدقيقا ماليا في وقت سابق هذا العام لتعاملاتها مع مصرف لبنان المركزي، ولم تجد أي دليل على ارتكاب الشركة أي مخالفات.
ويأتي التحقيق منفصلا عن تحقيقات فساد أُعلن عنها في وقت سابق وتركزت على العمولات التي فرضها البنك المركزي على البنوك مقابل شراء الأوراق المالية الحكومية والتي ذهبت عائداتها إلى شركة فوري أسوشيتس التي يسيطر عليها شقيق سلامة، رجا.
وبدأت هذه التحقيقات بتحقيق سويسري عن احتمال حصول سلامة وشقيقه رجا بشكل غير قانوني على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي بين عامي 2002 و2015.
وكان الأخوان سلامة قد نفيا في وقت سابق تحويل أو غسل أي أموال عامة ونفيا ارتكاب أي مخالفات.
وترك سلامة منصبه في يوليو/ تموز 2023، وقال حينذاك إنه "عمل وفقا للقانون واحترم الحقوق القانونية للآخرين".
وبعد شهر من تركه منصبه، أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا فرض عقوبات على سلامة، متهمة إياه بالضلوع في فساد لإثراء نفسه وشركائه، وهي الاتهامات التي نفاها أيضا حينذاك.
وأصدرت السلطات الفرنسية والألمانية مذكرتي توقيف بحق سلامة العام الماضي.
كما أشارت نشرتان باللون الأحمر صادرتان عن الإنتربول إلى أنه مطلوب في كلا البلدين.
وأشارت النشرة الحمراء الصادرة بناء على طلب فرنسا إلى بعض الاتهامات منها غسل أموال منظم، بينما جاء في النشرة الصادرة بناء على طلب ألمانيا أنه مطلوب في اتهامات تتعلق بغسل الأموال أيضاً.
وقال سلامة العام الماضي إن محاميه قدموا طعوناً قانونية على مذكرتي الاعتقال في فرنسا وألمانيا.
وفي يونيو (حزيران)، ألغت السلطات الألمانية مذكرة اعتقالها بحق سلامة لأسباب فنية، لكنها واصلت تحقيقاتها وأبقت على تجميد أصوله، بحسب ما قاله مكتب المدعي العام في ميونيخ.
تميزت صورة سلامة باعتباره أمينا مقتدرا على النظام المالي، وكان يحظى بدعم من النخبة السياسية.
وكان سلامة دائم الحضور في المؤتمرات المالية الدولية وحصل على جوائز كثيرة في المجال المصرفي وتمتع بصلاحيات واسعة بحكم منصبه.
لكن علاقاته بالنخبة تآكلت فيما يبدو مع انتهاء ولايته.
وفي مقابلة مع إحدى الإذاعات اللبنانية قبل أن يترك منصبه، سُئل سلامة عما إذا كان الساسة قد انفضوا من حوله، فقال إن هذا حدث منذ فترة طويلة.
ودافع سلامة عن فترة ولايته قائلًا إنه استُخدم ككبش فداء لهذا الانهيار وإن الحكومة، وليس البنك المركزي، هي المسؤولة عن إنفاق الأموال العامة.
وجاء الانهيار المالي في لبنان بعد عقود من الفساد والانغماس في التبذير من جانب النُّخب الحاكمة. وحمَّل كثير من اللبنانيين سلامة وهذه النخب المسؤولية.
وما حدث كان تحولا دراماتيكيا لرجل كان يُنظر إليه في السابق على أنه رئيس محتمل.
وحصل المدخرون على أسعار فائدة مرتفعة وتمكنوا من تحويل عملتهم المحلية إلى الدولار بسعر صرف ثابت حافظ عليه سلامة منذ عام 1997 حتى وقت الانهيار المالي.
وزاد من ثقتهم طريقة سلامة الهادئة وتصريحاته بأن الليرة في وضع جيد، وكذلك نجاح لبنان في تجاوز الأزمة المالية العالمية في 2008.
لكن الأوضاع المالية بدأت تتعثر مع تباطؤ التحويلات بالدولار، مما زاد من الضغوط على نظام مالي يتطلب تدفقات مستمرة من العملة الصعبة للصمود.
وأبقى سلامة على النظام المالي قائما في 2016 من خلال سحب الدولارات من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة. ووصف منتقدون هذه الخطوة بأنها شكل من مخططات الاحتيال، لأنها تعتمد على الحصول على قروض جديدة من أجل سداد الديون القائمة.