إيطاليا: انسحاب اليونيفيل سيقوض من مصداقية الأمم المتحدة
ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي أُعيد انتخابه بنسبة تقارب 95 بالمئة من الأصوات، يواجه تحدياً كبيراً يتمثل في استعادة الموقع الإستراتيجي للجزائر في منطقة مضطربة، لا سيما أن حدود البلاد مع المغرب والساحل وليبيا متوترة.
وأشارت الصحيفة إلى تدهور العلاقات بين الجزائر وجيرانها في السنوات الأخيرة، موضحة أن وسائل الإعلام الجزائرية تصف هذه التطورات أحيانًا بأنها جزء من مؤامرة تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر، ورغم ذلك، لا يمكن إنكار أن المنطقة أصبحت أكثر اضطرابًا.
وشددت الصحيفة على أن الجهود الدبلوماسية الجزائرية تبدو قديمة وغير فعّالة، لا سيما في مواجهة الأزمات المتطورة.
وأضافت أن النزاع الطويل الأمد مع المغرب حول الصحراء الغربية لا يزال يشكل نقطة اشتعال رئيسة؛ إذ أدت التوترات إلى سباق تسلح بين البلدين؛ ما زاد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وفي عام 2024، برزت أزمة جديدة مع مالي، حيث أعلنت باماكو إلغاء اتفاق الجزائر لعام 2015، وهو اتفاق كان يهدف إلى استقرار شمال مالي.
وجاء هذا الإعلان بعد استئناف الحكومة العسكرية المالية، المدعومة من مجموعة فاغنر الروسية، الأعمال العدائية ضد الجماعات المتمردة من الطوارق والعرب، التي لطالما دعمتها الجزائر، وفقًا لـ"لوموند".
وأضافت الصحيفة أن انسحاب مالي من اتفاق الجزائر كان حدثًا ذا أهمية كبيرة؛ إذ اتهمت الحكومة العسكرية المالية الجزائر بحماية حلفائها، الذين صنفتهم كإرهابيين.
ورداً على ذلك، أدانت الجزائر تصرفات مالي في الأمم المتحدة، حيث طالب الممثل الجزائري الدائم، عمار بنجامعة، بفرض عقوبات على القوات العسكرية الخاصة مثل مجموعة فاغنر التي تدعم المجلس العسكري المالي.
وتصاعدت الأوضاع في الصيف عندما اندلعت الاشتباكات في شمال مالي، وقد عانت القوات المالية المدعومة من فاغنر من هزيمة قاسية بالقرب من الحدود الجزائرية في يوليو/ تموز، تلاها هجوم بطائرات مسيّرة استهدف المدنيين في المنطقة؛ ما أدى إلى تدفق اللاجئين إلى الجزائر، حيث عبر نحو 5000 شخص الحدود في غضون يومين فقط.
وأشارت الصحيفة إلى تزايد المخاوف الجزائرية من حدودها مع ليبيا، ففي أغسطس/ آب، تحركت قوات موالية لخليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا، نحو مدينة غدامس القريبة من الحدود الجزائرية والتونسية، تحت ذريعة تأمين المنطقة. ورغم توقف هذا التقدم في النهاية، إلا أن تهديد قوات حفتر بالقرب من الحدود الجزائرية أثار التوترات.
وبدوره، حذر الرئيس تبون من أن الجزائر لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تعرض أمنها القومي للتهديد. وحفتر، مثل الحكومة العسكرية المالية، لديه صلات بمجموعة فاغنر، ويحظى بدعم مالي من دول عربية حليفة للمغرب، الأمر الذي يزيد من قلق الجزائر.
وأكدت الصحيفة أن الوضع تعقد بعد تقارير أفادت بأن أحد أبناء حفتر زار إسرائيل في عام 2021؛ ما أثار مخاوف من احتمال إقامة تحالف بين قوات حفتر والدولة الإسرائيلية.
أكدت "لوموند"، أن التحديات الجيوسياسية التي تواجهها الجزائر اليوم تختبر أسس سياستها الخارجية. وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر كانت تلتزم تقليدياً بعقيدة عدم التدخل، ولكن عدم الاستقرار المتزايد على حدودها يدفعها إلى إعادة تقييم هذا النهج.
وفي عام 2020، عدلت الجزائر دستورها للسماح بنشر الجيش الجزائري خارج الحدود، في تحول كبير عن موقفها السابق. ورغم أن الحكومة لم تفعل هذا البند بعد، إلا أن الخيار لا يزال مطروحًا.
ومن جانبهم، أشار محللون إلى أن السياسة الخارجية للجزائر كانت بطيئة في التكيف مع الواقع الجديد في منطقة الساحل، حيث أصبحت القوى الأجنبية مثل روسيا وتركيا أكثر نفوذًا. وأوضح المحلل رؤوف فرح من مبادرة Global Initiative Against Transnational Organized Crime أن الجزائر تجد صعوبة في مواكبة هذه الديناميكيات الجديدة.
ومن جهته، أكد الدبلوماسي الجزائري السابق عبد العزيز رحابي أن الجزائر فقدت نفوذها في المنطقة على مدار السنوات الماضية، ولا سيما أن انهيار اتفاق الجزائر في مالي يؤكد هذا التحول، حيث ينهي دور الجزائر كوسيط في النزاعات الإقليمية، وهو دور حافظت عليه لعقود.
واعترف رحابي بأن السياسة الخارجية الجزائرية أصبحت راكدة، مشيرًا إلى أن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة كان يفضل تعزيز العلاقات مع فرنسا على حساب الدول المجاورة في منطقة الساحل.
وأكدت الصحيفة أنه مع مواجهة الجزائر لهذا المشهد الإقليمي المعقد، يتعين عليها إعادة تقييم تحالفاتها. ولفتت إلى أن روسيا، الشريك القديم ومورد الأسلحة الرئيس للجيش الجزائري، تلعب الآن دورًا غير مباشر في تقويض المصالح الجزائرية من خلال أنشطة مجموعة فاغنر في مالي وليبيا، وهو ما يثير قلق الجزائر.
وينطبق الأمر نفسه على تركيا، التي لها تأثير كبير في المنطقة. ورغم أن كلا من روسيا وتركيا شريكان مهمان للجزائر، إلا أن مشاركتهما في الصراعات على حدود الجزائر تزيد الوضع تعقيدًا.
واختتمت الصحيفة بالقول إن مستقبل ولاية تبون الثانية سيكون مرهونًا بقدرته على استعادة مكانة الجزائر الإقليمية، مؤكدة أن "تبون يجب أن يوازن بين الحفاظ على موقف الجزائر التقليدي المتمثل في عدم التدخل، وبين التعامل مع التهديدات الأمنية التي تحيط بالبلاد".