كيف تستغل إسرائيل معاناة السوريين لتحقيق أهدافها الإستراتيجية؟
كيف تستغل إسرائيل معاناة السوريين لتحقيق أهدافها الإستراتيجية؟كيف تستغل إسرائيل معاناة السوريين لتحقيق أهدافها الإستراتيجية؟

كيف تستغل إسرائيل معاناة السوريين لتحقيق أهدافها الإستراتيجية؟

بعد شهور من الصمت الإسرائيلي وعدم التعليق الرسمي على التقارير، التي تتحدث عن مساعدات يتم إدخالها بشكل منتظم إلى الأراضي السورية، يبدو أن مرحلة جديدة قد بدأت، يمكن من خلالها أن يُطرح الملف للنقاش بشكل علني، وأن يجري الحديث عن أهداف إستراتيجية حددها صانع القرار الإسرائيلي، يسعى لتحقيقها من خلال لعب دور، يبدو للوهلة الأولى أنه إنساني.

وتقوم الإستراتيجية الإسرائيلية في هذا الصدد، على استغلال منظمات عاملة في مجال الإغاثة كواجهة، تعمل على تقديم العون للسوريين في الجانب الآخر من الحدود، وتؤمن لهم مواد غذائية وطبية وتأهيلاً نفسيا، بيد أن الحديث يجري عن دور أساس يلعبه الجيش الإسرائيلي، والذي يبدو أن لديه مسارات آمنة تمكنه من نقل عشرات السوريين إلى داخل إسرائيل، ومن ثم إعادتهم عقب تلقيهم العلاج ومنحهم بعض المساعدات الغذائية، والأهم من ذلك إخضاعهم لعمليات غسيل أدمغة.

وبحث الجيش الإسرائيلي في تموز/ يوليو الماضي، طلبًا قدمته منظمة "عامليا" اليهودية الأمريكية، العاملة في مجال حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة، بشأن توسيع أنشطتها داخل الأراضي السورية، ولا سيما في القنيطرة.

وأشار الإعلام العبري وقتها إلى أن رجل الأعمال اليهودي موتي كاهانا، هو من يقف على رأس تلك المنظمة، إذ يقود محاولات مستميتة لحث إسرائيل على العمل من أجل إقامة مناطق آمنة على مقربة من الحدود.

وحدة مختصة بدعم السوريين

وتدل التقارير التي تتحدث عن إنشاء وحدة جديدة في الجيش الإسرائيلي، تختص بإدخال المساعدات إلى الأراضي السورية وجلب عشرات السوريين إلى إسرائيل، على أن الأنباء الخاصة برغبة المنظمة اليهودية – الأمريكية في توسيع أنشطتها كانت في إطار صرف الأنظار عن أهداف إستراتيجية، تسعى إسرائيل لتحقيقها من وراء تلك الأنشطة؛ ما يعني أن مسيرة التخطيط لمثل هذه الخطوات كانت  قطعت شوطًا طويلًا، وأن صانع القرار بالدولة العبرية حدّدها ربما قبل سنوات.

وتعد الوحدة الجديدة بشكل مثير للدهشة من اختصاصات منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية بالأراضي المحتلة اللواء يوآف مردخاي، وتضم الوحدة التي تحمل اسم "وحدة الدعم لسوريا" مئات العناصر، وتقول إنها مختصة بنقل المساعدات الإنسانية إلى المواطنين السوريين.

عمل لله؟!

وشهدت الأيام الأخيرة للمرة الأولى تسريب مقاطع فيديو بشأن الطريقة المتبعة لنقل المساعدات الإسرائيلية إلى الجانب السوري، كما تم نشر العديد من الصور التي تظهر "طوابير" من السوريين وقد استقبلتهم إسرائيل في مراكزها الطبية، وأمنت لهم مواد غذائية وأدوية، فضلاً عن هدايا تذكارية، حملت جميعا شعار "عمل لله".

وتشير تقارير، إلى أن أكثر من 2500 سوري وسورية، دخلوا بالفعل إلى الأراضي الإسرائيلية منذ عام 2013 لتلقي العلاج الطبي أو غير ذلك من المساعدات، وتزعم هذه التقارير أن آخر مجموعة سورية دخلت في آب/ أغسطس الماضي، ضمت 21 طفلًا وآباءهم، وجميعهم من سكان القنيطرة.

وحول طريقة إدخال هؤلاء، تفيد مصادر أن تلك المرحلة تقع على عاتق منظمة "عامليا" حاليًا، وأن عناصر محلية سورية تعمل بالتعاون مع المنظمة على اقتياد المواطنين السوريين لنقطة تجمع واحدة، قبل أن يعمل الجيش الإسرائيلي على تسهيل وتأمين دخولهم؛ لكن هذا الحديث يعني أن الأمر يتعلق بعمليات تحمل طابعًا استخباراتيًا من الدرجة الأولى.

وتصرّ المنظمة التي يقع مقرها الرسمي في نيويورك، وتموّل أنشطتها عبر جمع التبرعات، على استخدام رواية تفيد بأن هدفها إنساني بحت، ولكن رئيسها كاهانا، الذي تحدث للإعلام العبري عن هذا الهدف، لم ينكر أن "إزالة الكراهية تجاه إسرائيل من بين الأهداف التي تسعى منظمته لتحقيقها من وراء دعم السوريين".

ولفت في حوار مع الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أخيرًا، إلى أنه "من الصعب محو كراهية رسخت في عقول وقلوب السوريين تجاه إسرائيل منذ عقود، لكن أنشطة من هذا النوع قد تسهم في ذلك"، وهو ما يعني أن الدقّ على وتر المساعدات الإنسانية يحمل أهدافًا أعمق بكثير.

وتعمل المنظمة اليهودية الأمريكية حاليًا بالتعاون مع العناصر المحلية والجيش الإسرائيلي على تسهيل إقامة مستشفى ميداني في منطقة القنيطرة، وبناء وتشغيل المؤسسات التعليمية وإعادة الطلاب إلى المدارس، وإدخال الغذاء والمواد اللازم لاستمرار الحياة.

سفراء لإسرائيل في سوريا

وكشف عسكريون إسرائيليون النقاب أخيرًاا عن جانب من الأهداف الإستراتيجية الخاصة بإدخال المساعدات إلى الجانب السوري، أو جلب السوريين إلى إسرائيل، واعتبروا أن الحديث يجري عن رؤية ثاقبة هدفها تحويل جميع العائلات التي تلقّى أبناؤها العلاج في إسرائيل إلى أصدقاء، وإزالة الكراهية تجاه اليهود، وذهبوا أبعد من ذلك بوصفهم لهؤلاء بـ"سفراء إسرائيل بين السوريين".

وتستهدف الإستراتيجية الإسرائيلية امتلاك موطئ قدم ثابت بين سكان القرى والبلدات المتاخمة للحدود، عبر تحسين صورتها، والظهور على أنها تقدِم على ما امتنع عنه الآخرون، وتعوّل على من أنقذتهم المساعدات أو رفعت من روحهم المعنوية لتحقيق قدر كبير من الدعاية التي تخدم صورتها، دون أن يتم استبعاد امكانية تجنيد عناصر، تم جلبها إلى إسرائيل قبل إعادتها مجدّدًا للقيام بهذا الدور.

ويرجح مراقبون، أن أهدافًا أمنية بعيدة المدى تقف وراء الخطوات الإسرائيلية، إذ إن امتلاك موطئ قدم داخل العمق السوري، وخلق حالة من الإجماع بين السكان على الدور الإسرائيلي الإنساني لصالحهم، هو الأساس الذي يمكّن إسرائيل من دعم تنظيمات تسيطر على تلك المناطق عسكريًا ولوجيستيًا واستخباراتيًا.

وتروج مصادر بالمعارضة السورية لرواية تقول إن المساعدات الإسرائيلية التي تتدفق على سوريا، والتي ظهرت بالأساس في القنيطرة جنوبي البلاد، وصلت عبر شبكات ومجموعات تتبع ما يسمى "الجيش السوري الحر"، وفي حال صحة الرواية، فإن الحديث يجري عن تعاون بين إسرائيل وتلك الميليشيات، وأن الأغذية والمواد الإنسانية ربما تكون غطاء تخفي إسرائيل وراءه تلك الصلات بميليشيات محددة، لاستغلاها كحائط صد بهدف منع تأسيس بنية عسكرية لصالح منظمة حزب الله في القسم السوري من الجولان، كما تقول.

ملايين الدولارات شهريًا

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحدّ؛ إذ يطال أيضًا الشق الاقتصادي، فملايين الدولارات التي تجمعها منظمة "عامليا" من أنحاء العالم بزعم تقديم المساعدات للسوريين تُضخ في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي شهريًا وبشكل مباشر، على شكل مشتريات محلية، هذا بخلاف كون ظهور اللغة العبرية على المنتجات يحقق أهداف الدعاية الإسرائيلية أيضًا.

وأوصى مؤتمر نظمه "معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي" أخيرًا بالقيام بإجراءات وقائية تحسبًا لاحتمالات تفكك سوريا وتقسيمها، وحدّد أنه في حال تم التقسيم، فإن هناك عناصرَ ستكون مستعدة للتعاون مع إسرائيل.

ودعا المؤتمر صانع القرار بالدولة العبرية لتجنب أي دعم للكيانات الراديكالية، ووضع خطة أمنية خاصة بمرتفعات الجولان، والتعامل مع القوى التي ستنشأ هناك، فيما يبدو أن المساعدات والدور الإنساني الإسرائيلي جاء بناء على هذه التوصية.

وأقر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بشكل علني خلال "مؤتمر الجليل الثامن" الذي نظمته وزارة تنمية النقب والجليل أواخر العام الماضي، أن الأنشطة الإسرائيلية المختلفة في سوريا تتم كإجراء استباقي، يستهدف منع فتح جبهة ضد إسرائيل من ناحية الجولان.

ووقتها، فسّر مراقبون التصريح على أنه يتعلق بالغارات التي تشنها إسرائيل من آن إلى آخر داخل العمق السوري، لكن يبدو أن نتنياهو كان يعني أيضًا جميع الأنشطة الأخرى.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com