موريتانيا.. إصرار رسمي على إطلاق الحوار السياسي رغم رفض المعارضة
موريتانيا.. إصرار رسمي على إطلاق الحوار السياسي رغم رفض المعارضةموريتانيا.. إصرار رسمي على إطلاق الحوار السياسي رغم رفض المعارضة

موريتانيا.. إصرار رسمي على إطلاق الحوار السياسي رغم رفض المعارضة

تكثف الحكومة الموريتانية، هذه الأيام جهودها بشكل حثيث من أجل انطلاق الحوار السياسي الذي طال انتظاره، على الرغم من تأكيدات أبرز القوى السياسية في المعارضة رفضها المشاركة فيه، بحجة عدم جدية السلطة في دعوتها لهذا الحوار.

ويشهد مقر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بالبلاد هذه الأيام،  لقاءات عديدة يحضرها ـ إلى جانب رئيسه سيدي محمد ولد محم ـ عدد من أعضاء المكتب التنفيذي والمجلس الوطني للحزب؛ بالإضافة إلى بعض الوزراء والشخصيات السياسية الفاعلة، لبحث وتدارس أفق تنظيم الحوار المرتقب؛ بينما يكثف قادة بعض أحزاب المعارضة بطرفيها الراديكالي والمعتدل، من خرجاتهم الإعلامية عبر قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية محلية، حيث أجمعوا على عدم استعداد تشكيلاتهم السياسية للمشاركة في "حوار أحادي غير جدي" حسب وصف أحدهم.

حوار أحادي الجانب

واعتبر رئيس حزب اتحاد قوى التقدم (أحد أحزاب منتدى المعارضة)، محمد ولد مولود في لقاء تلفزيوني بثته قناة "الوطنية" الخاصة، قبل يومين، أن  حديث الوزير الأمين العام للرئاسة، مولاي ولد محمد الأغظف؛ رئيس فريق السلطة إلى الحوار، "نسف كل عوامل الثقة ومثل تنصلا من الالتزامات التي سبق أن تقدم بها لمنتدى المعارضة؛ كما أجهز على أي جهد لإتاحة النقاش في المستقبل"؛ على حد قوله.

وأضاف ولد مولود أن منتدى الديمقراطية والوحدة (أكبر تجمع للمعارضة السياسية في موريتانيا) يرفض ما أسماه "الحوار الأحادي الذي يراد منه تسويق أجندة خفية وإبقاء الوضع  في نفس المربع"؛ وفق تعبيره؛ مبرزا أن "موريتانيا في خطر بات من الملح نزع فتيله؛ وهو ما لن يتأتى  إلا عن طريق حوار ينهي أزماتها المستفحلة".

من جانبه شد عبدالسلام ولد حرمة رئيس حزب "الصواب" (أحد أحزاب المعارضة المعتدلة) على أن السلطة تتحمل مسؤولية تأخير الحوار؛ متهما ـ في الوقت ذاته ـ بعض أطياف  المعارضة بتحمل جزء من تلك المسؤولية.

وقال ولد حرمه، في حوار تلفزيوني على قناة "المرابطون" الخاصة، إن كل "الحوارات المتوالية لم تفض إلى حلحلة مشاكل موريتانيا"؛ معتبرا أنه "لابد من الجدية في التعاطي مع القضايا الكبرى لحل مشاكل البلد"؛ حسب تعبيره.

 عام  ونصف من التجاذب والترقب

بدأ الحديث عن الحوار السياسي في موريتانيا حين أعرب الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، خلال مهرجان ترأسه  مطلع العام الماضي في إحدى مدن شمال البلاد، عن استعداده لإطلاق "حوار وطني شامل" مع كافة القوى السياسية في البلد؛ بما فيها أحزاب المعارضة.

وبما أن مجموعة قليلة من أحزاب المعارضة سبق لها أن شاركت في حوار مع السلطة أواخر سنة 2011 وبداية 2012؛ فقد كان واضحا أن حديث الرئيس موجه ـ بالدرجة الأولى ـ إلى كتلة أحزاب المعارضة المصنفة على أنها "راديكالية" حيث قاطعت تلك اللقاءات الحوارية.

وقد لقيت دعوة الرئيس ولد عبد العزيز للحوار تجاوبا حذرا من قبل منتدى المعارضة الموريتانية، وتم عقد لقاءات تشاورية وأخرى تحضيرية بين وفد يمثل أحزاب الأغلبية الداعمة للسلطة وآخر من المعارضة، قبل أن تصطدم تلك اللقاءات بعقبة شروط تقدم بها المنتدى كي يقبل بالدخول في الحوار بشكل فعلي ومباشر؛ وهي الشروط التي رفضتها السلطة جملة وتفصيلا؛ بحجة أنها نوع من استباق نتائج الحوار.

وبعد مضي ما يربو على سنة على تعثر مسار الحوار، عاد الرئيس ولد عبد العزيز ليجدد دعوته للمعارضة كي تشارك في الحوار؛ حيث أكد في خطاب ألقاه في الثالث من أيار / مايو الماضي بمدينة النعمة (أقصى شرق البلاد) أنه مستعد لإجراء "حوار شامل وجامع" مع كل الأطراف السياسية في البلد، دون أية شروط ولا قيود؛ مبرزا أن هذا الحوار سينطلق في غضون أقل من شهر، سواء قبلت المعارضة بالمشاركة فيه أم لم تقبل.

غير أن إعلان الرئيس؛ بذات المناسبة، عن عزمه إجراء استفتاء شعبي لتعديل الدستور من أجل إلغاء مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان الموريتاني) واستحداث مجالس محلية على مستوى المحافظات؛ جعل قوى المعارضة الرئيسية تعتبر الأمر نوعا من استباق نتائج الحوار، وتأكيدا من الرئيس على أن لديه أجندة محددة يريد تمريرها عن طريق حوار صوري لا يفضي لتناوب ديمقراطي، نزيه وشفاف على السلطة، بعد انتهاء ولايته الثانية والأخيرة دستوريا في العام 2019.

وهكذا تم تجاوز مهلة الأسابيع الثلاثة التي حددها الرئيس دون بدء الحوار؛ بل إن بعض أهم أحزاب المعارضة الموريتانية جمدت عضويتها في المنتدى معتبرة أن حديث النظام عن الحوار "مجرد لعبة لتضييع الوقت وتكريس الأحادية"، من أبرز تلك الأحزاب تكتل القوى الديمقراطية (أكبر أحزاب المعارضة الموريتانية)، الذي يقوده زعيم المعارضة التاريخية في موريتانيا، أحمد ولد داداه، وعاد الوضع إلى مربع البداية  والطريق المسدود.

انقسامات داخلية

وأمام حالة الانسداد التي واجهها مسار التحضير للحوار السياسي في موريتانيا، بدأت السلطة تلعب ورقة الخلافات داخل معسكر المعارضة؛ محاولة استثمار مواقف بعض الشخصيات المنضوية تحت لواء ما يعرف بـ "قطب الشخصيات المستقلة" داخل المنتدى، وهم عبارة عن مجموعة محدودة ممن سبق لهم أن تقلدوا وظائف دبلوماسية وإدارية، وحقائب وزارية في حكومات سابقة.

وبعض هذه الشخصيات، مع مجموعة ممن أعلنوا انشقاقهم عن حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض كنوع من الاحتجاج على موقفه الرافض للحوار مع السلطة؛ هم من تحاول الحكومة اليوم اتخاذهم طرفا تحاوره مع حزب أو اثنين من أحزاب المنتدى تراهن على أن يكون خلافها المتجدد مع حزب "التكتل" سببا كافيا لمشاركتها في الحوار، علما بأنها أحزاب غير وازنة في الساحة السياسية والانتخابية بموريتانيا.

وتعمل السلطة على محاولة إغراء منظمات من المجتمع المدني منضوية ضمن منتدى المعارضة بالمشاركة في الحوار المرتقب، علما بأن بعضا من تلك الهيئات ترتبط ـ أصلا ـ بشخصيات سياسية لا تخفي تحمسها للتحاور مع السطة.

وبين هذين الموقفين المتناقضين، يتخذ الرئيس الموريتاني الانتقالي السابق، اعلي ولد محمد فال (2005 / 2007)، موقفا أكثر تشددا تجاه الحوار وتجاه نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بشكل عام؛ حيث أعلن في أكثر من مناسبة، رفضه للحوار على أساس أنه لا يجد ما يدعو لتنظيمه ما دام هذا الأخير ممنوعا ـ دستوريا ـ من الترشح للرئاسة بعد انقضاء عهدته الثانية (الأخيرة) سنة 2019 وبالتالي لا دور له في تحديد ملامح مرحلة ما بعد فترة حكمه.

ما الجديد؟

لم تكن الخرجات الإعلامية الأخيرة لبعض قادة المعارضة وليدة الصدفة، وإنما جاءت ردا على تصريحات للوزير الأمين العام لرئاسة، المكلف بإدارة ملف الحوار، أكد فيها أن الحوار بات وشيكا؛ دون أن يذكر أي جديد بشأن مواقف أحزاب منتدى المعارضة، مكتفيا بالتلميح إلى وجود "أطراف مهمة" في المنتدى أكدت عزمها المشاركة في المشاورات السياسية الوشيكة، وهو ما فسره محللون سياسيون على أنه نوع من الضغط النفسي على قادة المعسكر المناويء للسلطة عبر استمالة شخصيات منه للحوار.

وتؤكد مصادر قريبة من مركز صنع القرار في موريتانيا أن السلطة مصرة على أن تنطلق جلسات الحوار مطلع شهر سبتمبر / أيلول المقبل على أبعد تقدير؛ مبرزة أن الرئيس ولد عبد العزيز ألح في الآونة الأخيرة على كبار المسؤولين في نظامه بضرورة التعجيل ببدء الحوار حتى وإن لم تحضره أي من أحزاب المعارضة.

وتؤكد المصادر أن استياء الرئيس من تكرار حالات تعثر الحوار السياسي بلغ مستويات غير مسبوقة في ظل بروز نوع من الصراع على صدارة الأدوار بين أهم مكونات نظامه؛ خاصة ما يتردد داخل أوساط الرأي العام الموريتاني بشأن حدة المنافسة بين رئيس الوزراء، يحيى ولد حدمين ورئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم، من جهة؛ وبين الوزير الأمين العام للرئاسة مولاي ولد محمد الأغظف وطيف واسع من البرلمانيين من جهة ثانية.

وأيا كانت المواقف والتحليلات فإن الأمر المؤكد اليوم على مستوى مكونات الطيف السياسي في موريتانيا هو أن الحوار سينطلق في غضون أيام بمن حضر.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com