عبدالسلام المجالي
عبدالسلام المجالي

عبدالسلام المجالي.. تأثّر بميشيل عفلق ووقّع "وادي عربة"

إطلالته قبل شهور في حفل توقيع كتاب "آل عمّان" لأحمد سلامة، أظهرته رجلًا على أعتاب التسعين، حاضر الذهن، عصيًّا.

لعل الدكتور عبدالسلام المجالي من أكثر رؤساء وزارات الأردن إشكالًا، فالرجل قاد الوفد الأردني- الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ومن ثم إلى محادثات واشنطن وأثناء "دبلوماسية الكارادورات"، مهّر توقيعه، بكثير من الحماسة، على معاهدة وادي عربة "أنا راض عنها تمامًا، ونحن أخذنا حقنا كاملًا".

حينما سُئل الملك عبد الله الثاني عن الكونفدرالية مع الفلسطينيين التي تخرج تصريحات بشأنها منذ عشرين عامًا، من هنا وهناك، التفت في لقاء بالكرك، إلى المجالي، وقال مبتسمًا: إسألوا الدكتور عبدالسلام.

صلاته الفلسطينية لم تنقطع، ومؤخرًا زار نابلس وأقام في بيت الشكعة، وأطلق تصريحات جديدة عن العلاقة التي تربط التوأمين.. كانت رنانة. ومما جاء فيها أن خيار الكونفدرالية قائم بعد قيام الدولة الفلسطينية.

يبدأ مشوار الألف ميل بالنسبة للدكتور عبد السلام المجالي من الياروت، تلك القرية الجنوبية التي ولد بها عام 1925.

طفولته عرفت شظف العيش، والبرد القارس، وبيوت الشعر وعادات البداوة.

تحدّر من أسرة شهيرة في الأردن، ومن أب عمل جابيًا، وأم عمانية من أصول شامية. والده كان يحبه ويميزه عن إخوته الـ 14، وحظي بكثير من الدلال، ولهذا السبب لا يحب الدلال، وقد حجبه عن أولاده ومرؤوسيه.

يصفه بعض من عمل معه بالدكتاتورية والقسوة، لكنه ينفي التهمة ضاحكًا: أنا عكس ذلك 100 %، وإيماني بالحرية والديمقراطية لا حدود له، لكني حازم.

يسترخي في مقعده الوثير بدارته الكائنة على جبل من جبال عمان، ويسترجع تاريخه بهدوء، لا يعكّر صفوه شيء.

«أول طبيب مسلم في الكرك، أول طبيب أردني يدخل الجيش، أول مجالي يتزوج من إنجليزية، أول أردني عسكري بتخصص الأنف والأذن والحنجرة، وأول مجالي يدخل بنات المجالي ممرضات في الجيش، أول منشئ لنظام التأمين الصحي لأسر الجيش العربي، أول من أدخل نظام الساعات المعتمدة في الجامعة الأردنية، أول طبيب يرأس الجامعة الأردنية، وأول رئيس وفد أردني يفاوض اليهود سلمًا، أول رئيس وزراء لم يحرد بعد خروجه من الحكومة، أول رئيس وزراء يلعب ورق «الكوتشينة» كفلسفة، لكنه يحذر من القمار، وأول رئيس وزراء فعّل قانون الصوت الواحد، وأول رئيس وزراء لم يشرك النواب في حكومته بعد 1989 لإيمانه بمبدأ فصل السلطات إلى آخره». يستعرض المجالي في مذكراته ما يقوله عنه الأردنيون.

لكن لمناوئيه رأي مختلف: فهو رئيس الوزراء الذي أوصى بحل البرلمان الحادي عشر وسن قانون الصوت الواحد، وهو الذي وقع معاهدة وادي عربة، وقمع الصحافة عندما أصدر قانونًا مؤقتًا أغلق الصحف الأسبوعية، إلى أن الغاه القضاء، وهو من رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية دون حتى أن يقدم دعمًا، وأقر أول ضريبة مبيعات».

تلقى دروسه الأولى في كتاب الشيخ محمد في الكرك، ثم انتقل لمدرسة التجهيز حتى الصف الثامن، شدّ الرحال بعدها إلى مدرسة السلط الثانوية، التي شكّلت منارة علمية في الأردن آنذاك.

أول عمل بعد إنهائه الثانوية، كان في مديرية الخزينة بالكرك، إذ أصبح مسؤولاً عن عمل والده وبقية الجباة. غير أن حدوث صدام بينه وبين والده بسبب زميل له، كان السبب المباشر في قراره ترك الوظيفة، والسفر الى دمشق لإكمال حلمه بدراسة الطب في جامعتها.

في دمشق، كان الجو العام مشحونًا بالغضب العارم على الاستعمار الفرنسي والأحزاب والتنظيمات تنشط في تعبئة الطلاب، وقد تأثر بخطاب لميشيل عفلق بمناسبة المولد النبوي، فالتحق بصفوف البعث. مقامه في البعث لم يطلْ فسرعان ما اختلف معهم، عندما رفض التوقيع على برقية تشجب زيارة قام بها الملك عبدالله إلى تركيا.

حين لاحت بوادر النكبة، بعد إعلان دولة اسرائيل انخرط في العمل من أجل فلسطين وحاول التطوع في جيش الإنقاذ إلا أن طلبه رفض، لسبب لا يعرفه، فالتحق بالجيش العربي، كطبيب برتبة ملازم في الكتيبة الخامسة بقيادة علي الحياري، وشارك في المعارك التي خاضها الجيش في فلسطين.

في العام 1950 أُوفد في بعثة دراسية إلى لندن لدراسة تخصص الأنف والإذن والحنجرة. وفي لندن التقى للمرة الأولى الأمير آنذاك الملك الراحل الحسين «شدني إليه أدبه الجم وحديثه العذب ورؤيته التي تستشرف المستقبل».

في مستشفى لندني تعرف على الممرضة جون ماري التي صارت شريكة حياته.

شكّل تعيينه مديرًا للخدمات الطبية تحولًا مهمًا في حياته، ويعتبر الكثيرون ممن عاصروه أنه كان مميزًا في عمله وارتقى بالخدمات الطبية، خصوصًا عندما استنّ موضوع معالجة عائلات الجنود. شغل منصب وزير الصحة مرتين نهاية الستينيات في حكومتي بهجت التلهوني وعبدالمنعم الرفاعي.

بعد تعرضه لعمليتي اختطاف في عمان وبيروت على خلفية أحداث 1970، فكّر بالهجرة من البلد، وأقام فعلًا في بريطانيا، لكن لقاءً قصيرًا بينه وبين وصفي التل غداة عودته القصيرة إلى عمان دفعه لتغيير رأيه «فالبلد بحاجة إلى أبنائها» على حد تعبير وصفي. عاد وزيرًا في الحقيبة نفسها في حكومة وصفي التل التي تشكلت عام 1970 بعيد أحداث أيلول.

تأثر بمنع زوجته «أم سامر» من تلقي العلاج في مستشفى ماركا العسكري، لسبب بيروقراطي. فقدم استقالته من الحكومة وحلف ألا يدخل أية مؤسسة للخدمات الطبية. وهكذا كان.

سافر بعد ذلك لنيل شهادة الزمالة الأمريكية، وتنقل بين عدة بلدان، طالبًا للعلم. لكن (زعله) لم يطلْ، فقد تسلم رئاسة الجامعة الأردنية عام 1971، ويُعزى له إنشاء الكليات الطبية.

لم يترك الجامعة إلا غداة تعيينه وزيرًا للتربية والتعليم عام 1976.

وفي العام 1989 كان من ضمن اللجنة الملكية التي صاغت الميثاق الوطني.

حين لاحت نذر مؤتمر مدريد، اختاره الملك الحسين لترؤس الوفد الأردني الفلسطيني المشترك. يعلّق المجالي على مؤتمر مدريد بأنه «حقق اختراقًا انسانيًا وثقافيًا، ونشأت بين رؤساء الوفود الثلاثة «الاردني والفلسطيني والإسرائيلي» علاقة تتميز بالانسجام أكثر مما تتميز بالعنف والعصبية».

ويصف اتفاقية أوسلو بأنها «أول هزة ضخمة في العقل الإسرائيلي، فهي أول مرة يعترف فيها الإسرائيليون بالشعب الفلسطيني ووحدته في الداخل والخارج».

حكومة المجالي الأولى شكلها يوم  29 /5 /1993، وكان من فاتحة أعمالها حلّ المجلس النيابي واصدار قانون الصوت الواحد الذي أجريت انتخابات 1993 بموجبه، ويراه «حقّق المساواة بين الأردنيين». بينما يصفه معارضوه بأنه «خرّب» العملية الانتخابية.

مهّر توقيعه في العام 1994 على معاهدة السلام مع إسرائيل «التي تتفق تمامًا مع المسلمات والثوابت الأردنية»، بحسب رأيه، ونال قانون المعاهدة 55 صوتًا في المجلس النيابي.

يجادل المجالي بأن الأردن «أعاد أرضه المحتلة وأخذ حقه في المياه، ورسم الحدود لأول مرة مع إسرائيل، وانتعش الاقتصاد الذي مرّ في ظروف صعبة بعد حرب الخليج الثانية، والأهم من ذلك، الدور الذي لعبه ويلعبه الأردن، بسبب المعاهدة، في دعم الفلسطينيين». إلا أن المجالي لم يلبث أن أقر نهايات العام 1994 بأن المعاهدة لم تحمل معها الانفتاح الاقتصادي والتجاري المنشود فتحولت عبئًا على حكومته، فضلاً عن عوامل اقتصادية أخرى، فقرّر الاستقالة، التي وافق عليها الملك مع تأكيده أنه لن يوافق على غيابه طويلًا عن الحكومة.

شكّل المجالي حكومته الثانية يوم 19/اذار /مارس 1997 التي تفجرت في عهدها قضية تلوث مياه الشرب، وبدأت الحملة الصحفية ضده التي يعتبرها «كلّها كذبا» فلم يحدث ان دخل مواطن واحد المستشفى بسببها. وكان من نتائجها استقالة وزير المياه منذر حدادين. وفضّل حين فاتحه الأمير حسن بتعديل الحكومة، التغيير على التعديل.

يمضي الرئيس المجالي أيامه متنقلًا بين عمّان والكرك، ويسافر أحيانًا خارج الأردن، ويعنّ له أن يثير الجدل كلما تحدث.. الجدل الذي كان في صلب القضايا التي تصدى لها، ولا يزال.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com