نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" شهادات صادمة يُكشف عنها لأول مرة عن هجوم مروّع شنه نظام الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، عام 2013 على إحدى ضواحي العاصمة دمشق، بغاز السارين، والذي أسفر عن مقتل 1500 على الأقل.
واستهدف الهجوم الغوطة الشرقية والمعضمية، وهما ضاحيتان كانت تسيطر عليهما المعارضة في العاصمة السورية، في 21 أغسطس/ آب 2013، وكانت الحلقة الأكثر دموية في الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عامًا.
تفاصيل ليلة ساخنة
كانت ليلة صيف حارة بلا ريح، بعد الثانية صباحًا بقليل، عندما ضرب وابل من الصواريخ ضاحية الغوطة الشرقية بدمشق.
وقال رجال الإنقاذ إن الانفجارات كانت صغيرة وبدت وكأنها قنابل غير فعالة، ولكن في غضون دقائق، وبينما كانوا يفحصون مواقع القصف بحثًا عن ضحايا، وجدوا الناس يختنقون ويرتجفون ويخرجون رغوة من أفواههم، قبل موتهم.
كما اختنق الرجال والنساء والأطفال وهم نائمون تحت النوافذ المفتوحة بقاتل صامت عديم الرائحة: غاز السارين، وهو عامل أعصاب.
ويتذكر أكرم البلدي، وهو منقذ سابق آخر، أن الناس صرخوا محذرين من أنه هجوم كيميائي، لكنه قال إنهم جميعًا متطوعون وليس لديهم خبرة أو تدريب على كيفية الاستجابة لمثل هذا الهجوم.
وأضاف "لم أكن أعرف ما هو، ظننا أننا جميعًا سنموت".
لفوا وجوههم بالمناشف، وغمروها بالخل في محاولة لحماية أنفسهم، وعملوا طوال الليل لإجلاء المرضى، ولقي العديد من المنقذين والطاقم الطبي حتفهم، بينما أصيب آخرون بالعمى المؤقت بسبب الغاز.
في ظل القصف المستمر، قادوا سياراتهم دون أضواء لتجنب استهدافهم من قبل القوات الحكومية.
لا يزال عمال الإنقاذ السابقون يعانون من آثار الغاز، "ضعف البصر، وكسر الأسنان، وضبابية الدماغ، وضيق الصدر"، كما قال أحدهم، هاني الملا، في مقابلة.
كما أشار البلدي إلى أن المصابين كانوا يسقطون قتلى في الشوارع، مضيفًا "كنا خائفين من أن نمرّ فوق الجثث"، وقال إن ابن عمه وزوجته وأطفاله الثلاثة انهاروا جميعًا وماتوا في الشارع في أثناء محاولتهم الصعود إلى سيارتهم للفرار.
كانت هناك عدة مراكز طبية تحت الأرض في الحي، لكنها سرعان ما امتلأت بالمرضى، وضع رجال الإنقاذ النساء والأطفال في الداخل، واضطروا إلى نقل الرجال إلى الشارع.
كان ياسر محمد السليمان، مع شقيقه، يساعدان في إجلاء الناس، لكنهما عادا إلى المنزل لتحذير بقية أفراد العائلة بالمغادرة.
شاهد بارتياح اختفاء أضواء سيارتهم الخلفية في الشارع، عندما انفجر صاروخ آخر خلفه فجأة في حظيرة أغنام جاره.
كاد أن يُغمى عليه من شدة الغاز، لكنه تمكن من المشي مترنحًا بضعة أمتار إلى مركز الإسعافات الأولية القريب، وسقط فاقدًا للوعي على الدرج.
قال: "أسناني كلها مكسورة لأني كنت أضغط عليها بقوة لأمنع نفسي من الارتعاش، كنت أرتجف وأخرج الرغوة من فمي".
لم ينجُ شقيقه، الذي كان داخل المنزل، كما ماتت عائلة جاره المكونة من 11 فردًا وجميع أغنامهم.
بعد ساعتين، سقطت أربعة صواريخ أخرى في الجانب الآخر من المدينة في المعضمية، وكان من بين أوائل الضحايا رجال كانوا يؤدون صلاة الفجر في أحد المساجد.
استيقظ مهند الخطيب، طبيب أسنان، على اتصال من المستشفى القريب الذي تطوّع فيه، أُبلغ بوجود أعراض اختناق لدى المرضى، أمسك بكمامة جراحية، كل ما كان بحوزته، وانطلق سيرًا على الأقدام.
كانت الشوارع خالية، لكن بينما كان يمرّ بأشجار الكينا، رأى الأرض مليئة بطيور نافقة، يتذكر قائلًا: "بدأتُ بالركض".
كان المستشفى يعجّ بالموتى والمحتضرين، قال: "لم يكن هناك حتى مكان للوقوف"، كان الأطباء يُعطون المرضى الأتروبين، لكن نقص الحقن كان شديدًا لدرجة أنهم اضطروا لإعادة استخدام الإبر حتى أصبحت غير حادة، لم يكن هناك أكسجين، فاستخدموا مضخات يدوية لمساعدة من يعانون من صعوبة في التنفس.
نقلوا الموتى إلى منزل على الجانب الآخر من الشارع، ولكن مع وصول المزيد من المرضى، اضطروا إلى وضعهم في الشارع أمامهم وفي زقاق جانبي، قال: "كان الناس على الأرض، بعضهم ميت وبعضهم أحياء، كان تنفسهم متقطعًا، وأجشّ، وعيونهم جاحظة، لم أرَ مثل هذا من قبل".
لا أمل بالمحاسبة
ومنذ الإطاحة بالأسد في 8 ديسمبر 2024، عاد الناجون إلى ديارهم، وفتحوا جروحًا قديمة، والتقوا بأصدقائهم وأقاربهم بعد سنوات من المنفى القسري.
بالنسبة لمن نجوا، حتى بعد مرور ما يقرب من 12 عامًا، لا تزال أهوال تلك الليلة حاضرة في الأذهان، كما أنهم يأملون أن يحاسب الرئيس المخلوع على الجريمة.
كان الرئيس الأمريكي، آنذاك، باراك أوباما، قد حذّر سوريا من أنها إذا استخدمت أسلحة كيميائية مثل السارين، المحظورة بموجب الاتفاقات الدولية، فإنها ستتجاوز "خطًا أحمر"، ولكن عندما وقعت الهجمات، لم يُتخذ أي إجراء عسكري أو قضائي، ولم يُحاسب الرئيس بشار الأسد ولا أتباعه.
واليوم، يواجه الأسد، الذي لجأ إلى روسيا منذ الإطاحة به في هجوم للمتمردين في ديسمبر/ كانون الأول، اتهامات بارتكاب جرائم حرب على خلفية الهجوم في قضية قيد الإعداد في فرنسا، كما يواجهها 22 من مساعديه.