واشنطن تشيح بوجهها تاركة العراق لإيران
واشنطن تشيح بوجهها تاركة العراق لإيرانواشنطن تشيح بوجهها تاركة العراق لإيران

واشنطن تشيح بوجهها تاركة العراق لإيران

منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، والعلاقات بين الأخيرة وإيران تثير التساؤل، في ظل حديث عن تحالف غير معلن يربط إدارة أوباما وطهران، حيث لم يكن المستفيد الأول من هذا الانسحاب سوى النظام الإيراني، الذي يحاول جاهدا بقاء حكومات شيعية على رأس هرم السلطة في البلاد.

وعادت العلاقة للظهور للعلن بعد أن اقتحمت قوات عراقية خاصة في الثلاثين من الشهر الماضي المشارف الجنوبية لمدينة الفلوجة تحت غطاء جوي أمريكي، وشنت هجوما جديدا لاستعادة واحدة من آخر المدن الكبرى الخاضعة لسيطرة مقاتلي تنظيم الدولة المتشدد.

وتلقت القوات التي تقود المعارك في الفلوجة تدريباتها العسكرية على أيدي مستشارين أمريكيين، لكن كثيرين غيرهم في ساحة المعركة دربتهم إيران أو زودتهم بالسلاح، وهذا أحدث مثال على العلاقة بين البلدين، وموقفهما من الوضع في العراق، الذي استثمرته إيران وعملت على تعميق دورها العسكري بالبلاد في العامين الأخيرين.

حضور إيراني على أرض المعركة

وتجمع في الأسابيع الأخيرة آلاف الجنود العراقيين وأفراد الفصائل الشيعية المدعومين من إيران على مشارف الفلوجة، استعدادا للهجوم المنتظر على المدينة السنية، وكان الحضور الإيراني قويا، حيث زار الجنرال قاسم سليمان قائد فيلق القدس؛ فرع العمليات الخاصة في الحرس الثوري الإيراني أرض المعركة ، والتقى بقادة التحالف العراقي من الفصائل الشيعية المعروف باسم قوات الحشد الشعبي.

وندد الساسة من السنة في العراق بدور سليماني وغيره من المستشارين الإيرانيين في التحضيرات على أرض المعركة وقالوا إن ذلك قد يذكي التوتر الطائفي ويفتح الباب أمام جولة جديدة من إراقة الدماء بين السنة والشيعة.

كما يشكك هؤلاء الساسة في تأكيدات الحكومة العراقية أن الهجوم جهد خالص بقيادة عراقية لإنزال الهزيمة بتنظيم داعش، وقال عضو في البرلمان العراقي من الفلوجة إن "وجود سليماني سبب للقلق، فهو ليس موضع ترحيب على الإطلاق في المنطقة".

وكان قادة الفصائل الشيعية تعهدوا بألا يشاركوا في الهجوم الرئيس على المدينة والمساعدة بدلا من ذلك في تأمين المدن القريبة منها، وفرض حصار على مقاتلي تنظيم الدولة، لكن معركة الفلوجة تسلط الضوء على النفوذ العسكري والسياسي المتنامي لإيران في العراق الذي دمرته حرب أهلية معقدة جعلته عرضة للتدخلات الخارجية.

والثابت أنه إن كان ثمة طرف إقليمي واحد استفاد أكثر من غيره من مقامرة أمريكا في العراق فهو إيران؛ فقد أطاحت الولايات المتحدة بالغزو الذي نفذته العام 2003 بصدام حسين ألد أعداء طهران من السلطة، ثم ساعدت واشنطن في تنصيب حكومة شيعية للمرة الأولى في تاريخ العراق الحديث، ومع تورط القوات الأمريكية في الحرب على تمرد وفي احتواء حرب أهلية نشرت طهران نفوذها ليشمل كل الفصائل الشيعية الكبرى في العراق.

من يكبح جماح إيران؟

ويشعر النظام الإيراني اليوم بالارتياح وهو يقوم بدور رئيس في تشكيل العمليات العسكرية لحلفائه أو أتباعه العراقيين، فما من أحد يكبح طهران، كما أن صعود تنظيم الدولة التي تعتبر الشيعة من المرتدين يهدد مصالح إيران وجميع الفصائل الشيعية العراقية.

وللنظام الإيراني عدة مصالح في الدولة المجاورة، فإيران تريد ضمان ألا يمثل العراق مرة أخرى خطرا وجوديا على المصالح الإيرانية مثلما فعل الرئيس الراحل صدام عندما غزا إيران العام 1980 لتبدأ الحرب الإيرانية العراقية التي ألحقت دمارا واسعا بالبلدين على مدى 8 سنوات.

وستفعل إيران كل ما هو ضروري لإبقاء حكومة صديقة يقودها الشيعة في السلطة في بغداد، وهي في سبيل ذلك على استعداد لتوزيع المال على وكلاء متعددين وفصائل مختلفة، لكسب القدرة على الحركة في المناورة في الحياة السياسية العراقية.

وقدرت برقية أرسلها كريستوفر هيل السفير الأمريكي لدى العراق للمسؤولين في وزارة الخارجية في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2009 أن المساعدات المالية من طهران للوكلاء العراقيين تتراوح بين 100 و200 مليون دولار سنويا.

وأبدت إيران استعدادا للاستثمار عبر الخطوط الطائفية، فقد كتب هيل في برقيته أن إيران "تعترف بأن النفوذ في العراق يستلزم مرونة في العمليات، وفي بعض الأوقات مرونة عقائدية، وأضافت البرقية "ونتيجة لذلك فليس من الغريب أن تمول الحكومة الإيرانية كيانات شيعية وكردية بل وإلى حد ما سنية وتدعمها بهدف تطوير اعتماد الدولة العراقية على سخاء طهران".

وقد قام الحرس الثوري الإيراني بتمويل وتسليح وتدريب فصائل شيعية عديدة، استهدفت القوات الأمريكية والطائفة السنية في العراق، وقدم الإيرانيون متفجرات ومدافع رشاشة وقذائف صاروخية وغيرها من الأسلحة الصغيرة، كما استقدموا رجال فصائل عراقية إلى إيران لتدريبهم على استخدام المتفجرات والقنص.

وبعد أن اجتاح مقاتلو داعش شمال العراق في يونيو حزيران العام 2014 قامت طهران من جديد بتعبئة لحماية الحكومة التي يقودها الشيعة، وسافر سليماني إلى بغداد في بداية الأزمة لتنسيق الدفاع عن العاصمة مع المسؤولين العسكريين العراقيين، كما وجه فصائل شيعية دربتها إيران في القتال ضد التنظيم ومنها كتائب بدر وعصائب أهل الحق، وهما فصيلان شهيران مسؤولان عن ارتكاب فظائع واسعة النطاق بحق السنة.

ومنذ منتصف العام 2014 قدمت إيران أطنانا من العتاد العسكري لقوات الأمن العراقية، كما عملت على توجيه طائرات المراقبة بلا طيار سرا من قاعدة جوية في بغداد، وأرسلت أيضا مئات من مقاتليها من فيلق القدس لتدريب القوات العراقية وتنسيق تحركاتها.

وقد دفعت إيران ثمن تعميق دورها العسكري، ففي ديسمبر كانون الأول العام 2014 قتل البريجادير جنرال حامد تقوي أحد قادة الحرس الثوري بنيران قناص في مدينة سامراء العراقية، بينما كان يتولى تدريب قوات العراقية ومقاتلي فصائل شيعية.

وكان تقوي أرفع مسؤول إيراني يقتل في العراق منذ الحرب الإيرانية العراقية، وتجمع آلاف من أفراد الحرس الثوري للمشاركة في جنازته في طهران حيث قال علي شمخاني رئيس المجلس الأعلى للأمن الوطني للمشيعين "لو لم تسل دماء أناس مثل تقوي في سامراء لسالت دماؤنا" في إيران.

التعويل على إيران

ومن جانبهم جادل قادة العراق بأنه ما دامت الولايات المتحدة لا تقدم المساعدة العسكرية فليس أمامهم خيار سوى أن يطلبوا من إيران المزيد من المساعدة، وقال حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي في مقابلة تلفزيونية في أواخر 2014 إنه عندما تتعرض بغداد للخطر فإن الإيرانيين لن يترددوا في تقديم المساعدة.

ورغم أن العبادي أشار إلى أنه يريد أن يكون أكثر قربا من الغرب، فهو يحتاج دعم إيران وحلفائها العراقيين لإبقاء حكومته في السلطة، ولولا قيام الفصائل المدعومة من إيران بدور القيادة في القتال خلال العامين الماضيين، لما استعادت الحكومة العراقية ما استعادته من الأراضي من الجهاديين.

 ومن خلال مزيج من التمويل والتدريب للفصائل والدعم السياسي ستواصل إيران توسيع نفوذها على الجماعات الشيعية الرئيسة في العراق.

ودون تخصيص المزيد من القوات والموارد الأمريكية ليس بوسع واشنطن أن تفعل شيئا يذكر للتصدي للنفوذ الإيراني في العراق، ولن تتردد طهران في استخدام أدوات نفوذها الكثيرة في نطاق النفوذ السابق لصدام حسين.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com