دمشق.. حياة تنتفض من تحت الرماد
دمشق.. حياة تنتفض من تحت الرماددمشق.. حياة تنتفض من تحت الرماد

دمشق.. حياة تنتفض من تحت الرماد

 في العاصمة السورية دمشق، حياة تنتفض من تحت الرماد، ترفض الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات، فيما يحاول السكان التأقلم مع الأوضاع وضمان الاستمرار في أعمالهم دون أن يأبهوا للموت من حولهم، مستغلين الهدنة.

ففي دار الأوبرا السورية، والتي تُسمى بدار الأسد أيضاً، وسط دمشق، هتف وأثنى الجمهور على أداء اثنين من فناني أغاني الحب العربية، حيث يريد الناس نسيان حرب دمرت بلادهم على مدار خمسة أعوام، على الأقل ليلة واحدة.

تقول سوسن النابلسي، 52 عاماً، والمالكة لصالون تجميل في دمشق: "جئنا هنا للاسترخاء وتهدئة أعصابنا وترك العالم وراءنا". وكانت سوسن بصحبة زوجها واثنين من الأصدقاء.

وعلى خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع قيمة العملة وارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 50%، يوفر ذلك نظرة ثاقبة حول كيفية إدارة بشار الأسد للأمور حفاظاً على ما يمكن تسميته بالقشرة الخارجية للحياة الطبيعية لفترة طويلة بعد أن أطاحت ثورات الربيع العربي بزعماء آخرين.

وبالنسبة للحكومة، فالحفاظ على دار الأوبرا يساعد في إظهار سيطرتها وديمومة عملها وإن بفضل المساعدات المالية والعسكرية من إيران وروسيا، فهي تدعم تذاكر العروض في دار الأسد للثقافة والفنون.

ويقول وزير المصالحة الوطنية علي حيدر في مقابلة مع بلومبيرغ الأمريكية: "الدولة تقوم بكافة واجباتها والقوى الغربية تريد إثبات أن سوريا أصبحت فاشلة لكننا مصممون على عدم السماح لذلك بالحدوث".

تضاعف عدد سكان دمشق قبل الحرب حوالي 3 ملايين نسمة مع تدفق اللاجئين ذوي الأغلبية السنية من مناطق أخرى.

وفي عطلة نهاية الأسبوع الأخير بعد هدنة 27 فبراير / شباط لوقف إطلاق النار، كان الأطفال على الأرجح في الحديقة العامة والمراهقون يتزلجون في الطرقات والشبان يرقصون على صوت الطبول الايقاعية والأسواق القديمة مكتظة بالناس، وقامت رشاشات المياه في دوائر المرور بسقاية أزهار الربيع في حين عرضت السينما عروض هوليود الأخيرة.

وأعرب رجال كانوا يحتسون القهوة ويدخنون الأرجيلة عن ارتياحهم من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسحب الدعم العسكري المفاجئ من سوريا، آملين أن تقترب الحرب تقرب من نهايتها بعد أن اسفرت عن مقتل 270 ألف شخص على الأقل.

 لكن الطريق طويل للعودة من الدمار الجسدي والمالي على حد سواء في بلد يبلغ فيه الحد الأدنى للأجور حوالي 20 ألف ليرة سورية (حوالي 60 دولاراً أمريكياً) أو ما يزيد عن ذلك بنحو 40 ليرة، إضافة الى انخفاض العملة بشكل ملحوظ.

الدكتاتور والدولة

يبيع بعض السوريين الأدوات المنزلية للبقاء على قيد الحياة.

كان سعيد زمبركجي صاحب محلات الشوكولاتة والحلوى يبيع بحوالي 1 مليون ليرة سورية في أي موسم عيد قبل الحرب، أما الآن فقد تخلى العديد من العرسان عن عادة تقديم اللوز المغلف بالسكر للضيوف.

وصف الأسد البالغ من العمر 50 عاماً الصراع على أنه صراع بين الدولة والإرهابين، ورفض الاعتراف بشرعية المطالب التي تقدم بها نشطاء يسعون الى الديمقراطية.

وقال باول سالم، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن، عن طريق الهاتف: عزز ظهور الدولة الإسلامية والفصائل المتطرفة الأخرى بقاء الأسد.

وأضاف: "في تونس ومصر سقط الطغاة وعاشت الدولة، في سوريا عاش الدكتاتور ودمرت سوريا".

يسيطر الأسد على نحو ثلث البلاد، معظم السكان والمدن الرئيسية في البلاد، وتنقسم باقي الأراضي بين الجماعات المسلحة بما في ذلك جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية.

الأضرار التي لحقت بالاقتصاد جسيمة، لذلك سوف يحتاج إلى 180 مليار للاستثمار لمدة تتجاوز العشرة أعوام للعودة إلى حجمه قبل الحرب المقدر ب 60 مليار.

وقال عبدالله الدردري، نائب الأمين التنفيذي في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية و الاجتماعية لغربي آسيا: "تم تدمير 2 مليون وحدة سكنية من أصل 4.7 مليون".

وأضاف: "فقدت سوريا خمس سنوات من تاريخها الحديث بين 30 و40 سنة من التنمية البشرية".

تغير العادات

نزح ما يقارب نصف سكان سوريا المقدر قبل الحرب ب 23 مليون نسمة، مع التسبب بأكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية.

أما بالنسبة لأولئك الذين بقوا في الهدوء النسبي الدمشقي فيشعرون بالاختلاف.

وقال مجد معصراني، 20 عاماً: "اخترت أنا وأصدقائي الرقص الشرقي للترويح عن أنفسنا في تشرين باراك، أكبر مساحة مفتوحة في المدينة، وأصبحت حياتنا محصورة في هذا الفضاء المتمثل بـ 5 كيلومترات، فنجن نرقص وننشر صورنا على فيسبوك ونسمي ذلك حياة يومية".

ولمساعدة الأطفال المصابين بصدمات نفسية بسبب تساقط القذائف، بدأ النحات مصطفى علي بإقامة دروس أسبوعية مجانية لتعليم الفن في ساحة معرضه في المدينة القديمة.

 وقالت نهى علي، 43 عاماً، رسامة وزوجة النحات: "نحن لا نتوقع منهم أن يصبحوا فنانين ولكن الهدف هو إخراجهم من أجواء الحرب".

وقال هاني حمزة الذي يبيع النرجيلة في سوق الحميدية إنه صنع واحدة على شكل بندقية ملونة بألوان العلم السوري "لإظهار صمودهم في وجه الأعداء الذين دمروا البلاد".

وفي أسواق أخرى في المدينة القديمة، هناك تصميم للحفاظ على التقاليد حية على الرغم من انخفاض المبيعات لأكثر من 50% واحد منهم هو بكداش للبوظة الذي افتتح في عام 1890، في صباح يوم السبت دعا السوريين للاستمتاع بالبوظة المصنوعة من العلكة والسحلب والمغطاة بالفستق، وقال المالك هشام بكداش: "هذا المحل جزء من التراث الشعبي لدينا وقد تضاعفت سعر القطعة الى 200 ليرة (أقل من دولار)".

وحافظ مقهى النوفرة القديم الكائن خلف الجامع الأموي منذ قرون على فن القص، ففي إحدى الليالي قام أحمد اللحام 57 عام بقراءة قصة الملك الذي توجه لتحرير العبيد، وخبط عصا معدنية طويلة للحفاظ على انتباه زبائنه من الشرود.

وفي الحفلة الموسيقية، كان الجمهور سعيداً والتقط صورة مع الفنانين.

وختم هنية الخوجه لبلومبيرغ: "الموسيقى تنقلني إلى عالم مختلف، هناك حب وإنسانية في الموسيقى التي تعطيني الأمل".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com