هجوم "بنقردان" يغذي مخاوف من تمدد داعش من ليبيا لتونس
هجوم "بنقردان" يغذي مخاوف من تمدد داعش من ليبيا لتونسهجوم "بنقردان" يغذي مخاوف من تمدد داعش من ليبيا لتونس

هجوم "بنقردان" يغذي مخاوف من تمدد داعش من ليبيا لتونس

انطلقت الإشارة من مسجد محلي عبر أذان الفجر، فخرج عشرات المقاتلين المتطرفين وانتشروا في مواقعهم يشنون هجوما على ثكنة عسكرية ومراكز أمنية في مدينة "بنقردان" الواقعة على الحدود مع ليبيا في مواجهة غير مسبوقة بين القوات التونسية والمقاتلين الإسلاميين المتطرفين.

وبسرعة انتشرت مجموعات المقاتلين في وسط المدينة مستعملين مكبرات صوت وهم يهتفون "الله أكبر الله أكبر" ويرددون شعارات تنظيم "داعش"، وكانوا يطمئنون بعض من اعترضهم من السكان بأنهم جاءوا لتحريرهم من "الطاغوت" في إشارة للشرطة والجيش.

ولكن بعد ساعات قليلة من الهجوم الذي وقع يوم الاثنين الماضي، نجحت القوات التونسية في القضاء على 36 من المهاجمين في معارك طاحنة قتل فيها أيضا 12 من الأمن وسبعة مدنيين.

وقالت السلطات، إن الهجوم كان يهدف لإعلان بن قردان إمارة تابعة للتنظيم المتطرف وإيجاد موطأ قدم في تونس.

ولم يعلن التنظيم بشكل رسمي، مسؤوليته عن الهجوم الذي قد يكون فعلا هدفه السيطرة على أرض جديدة في شمال أفريقيا مع توسع نفوذ التنظيم في ليبيا أو ربما كان هجوما خاطفا يستهدف ضرب الجيش المنهك منذ سنوات وزعزعة استقرار البلاد.

ومهما يكن الهدف، فإن رد القوات التونسية كان ناجعا وصادما للمقاتلين الذين فروا بسرعة وتحولوا من مهاجمين إلى مدافعين مختبئين في منازل ومبان في مدينة بنقردان.

وتظهر معركة الاثنين الماضي، مدى الخطر المحدق بتونس من طرف الجهاديين القادمين من سوريا والعراق خصوصا من ليبيا والذين هددوا عدة مرات بنقل الحرب إلى بلدهم تونس.

وعلى الرغم من استعداد الجيش لمثل هذا الهجوم وتكبد المتطرفين هزيمة كاسحة في بنقردان، فإن الهجوم يزيد الخشية من أن يكون البلد عرضة لمزيد الهجمات المباغتة مع انتشار الفوضى في ليبيا حيث وسع تنظيم الدولة الإسلامية نفوذه.

ولا تزال السلطات التونسية تحقق بهجوم الاثنين الدامي، لكن التفاصيل تشير إلى أن أغلب المهاجمين تونسيون ومن أبناء المنطقة مع آخرين تسللوا من ليبيا، وبدا واضحا أنه جرى تخزين أسلحة في عدة مخابئ بالمدينة قبل الهجوم بفترة.

وقال صبري بن صالح وهو أحد سكان المدينة، "الإرهابيون من بنقردان ونحن نعرف ملامحهم، وكانوا يعرفون بيت رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الذين قتلوه أمام بيته، وكانوا يقودون سيارة ممتلئة بالأسلحة لتوزيعها على عناصرهم".

وعقب مواجهات بنقردان، وهي الأعنف بين الجيش والمتطرفين الإسلاميين- شنت القوات التونسية حملة تعقب واسعة قتلت خلالها أيضا 14 مسلحا آخر واعتقلت آخرين، واكتشفت أيضا خمسة مخابئ كبرى للأسلحة في المنطقة.

وتسعى السلطات التونسية لتحديد إن كان المقاتلون قد سافروا لسوريا أو العراق أو ليبيا سابقا رغم أن وجود عدد كبير من المقاتلين المتطرفين والأسلحة بالأراضي التونسية ليس أمرا مفاجئا.

وبعد انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي ظلت تونس تعاني انتشار التطرف الإسلامي والجماعات التكفيرية التي استغلت مناخ الحرية الجديد لتنشر خطابا متطرفا في المساجد.

وتعتقد الجهات الرسمية في تونس، أن حوالي ثلاثة آلاف مقاتل تونسي سافروا لسوريا للمشاركة في الحرب الدائرة هناك وأن جزءا كبيرا منهم عادوا إلى ليبيا بينما عبرت أعداد كبيرة من الجهاديين التونسيين الحدود للانضمام لتنظيم "داعش" في ليبيا.

وتدرب جهاديون هاجموا متحف باردو وفندقا بمنتجع سوسة العام الماضي في معسكرات ليبية قبل أن ينفذوا الهجومين الكبيرين اللذين استهدفا قطاع السياحة في تونس وقتل خلالهما عشرات السياح الغربيين.

ويلعب كثير من المقاتلين التونسيين أدورا قيادية في صفوف تنظيم "داعش" في ليبيا ويشرفون على معسكرات تدريب وقيادة قريبة من الحدود التونسية.

ولكن حجم هجوم يوم الاثنين لم يسبق له مثيل في تونس، فالمقاتلون كانوا منظمين تنظيما جيدا ضمن مجموعات تحاصر المقرات الأمنية والعسكرية وكانوا يوزعون الأسلحة لعناصرهم من سيارة متنقلة في المدينة التي يعرفون أرجائها بشكل جيد.

وقال شاهد اسمه حسن طابي، "عندما خرجنا الفجر اعترضنا إرهابيون يحملون أسلحة كلاشينكوف في مفترق الطريق وقالوا لنا: لا تخافوا لن نستهدفكم نحن تنظيم داعش".

وقال شاهد آخر "مسلحو داعش كان يقومون بدورية تفتيش متنقلة في الفجر، وأوقفونا وطلبوا منا وثائقنا الشخصية ثم أمرونا بترديد شعارات تمجد داعش قبل أن يخلوا سبيلنا".

ومع وجود عدد كبير من القيادات التونسية في الصفوف الأمامية لتنظيم "داعش" في مدن ليبية مثل صبراطة وسرت وبني وليد فإن إيجاد موطئ قدم في تونس يبدو نصب أعين هؤلاء القيادات.

وبدستورها الحداثي وانتخاباتها الحرة وتاريخها العلماني باتت تونس هدفا معلنا لجماعات متطرفة من بينها تنظيم "داعش" الذي يسعى لضرب ديمقراطيتها الناشئة بعد خمس سنوات من انتفاضة 2011.

ويقول المحلل جوف بورتر المختص في الأزمات في شمال أفريقيا "معركة بنقردان على بعد 20 كيلومترا من الحدود مع ليبيا.، وهذا دليل على أن التنظيم له خلايا في كل مكان، ولكن ماذا يمكن لهذه الخلايا أن تقوم به وكيفية توجيهها من قيادة داعش في سرت أمر غير معروف".

والهجوم الأخير كان فعلا امتحانا عسيرا للقوات التونسية أمام مقاتلين منظمين بعد هجمات سابقة هزت صناعة السياحة التي توفر حوالي نصف مليون فرصة عمل وتسهم بنسبة سبعة بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الخام للبلاد.

وبينما وسع تنظيم "داعش"  نفوذه في سرت الليبية تتزايد المخاوف في تونس التي بنت جدارا ترابيا وخندقا على طول حدودها مع ليبيا لمنع تسلل مقاتلين إليها مع تزايد فرضيات شن ضربات جوية غربية ضد التنظيم في الجارة ليبيا.

وبعد أربع سنوات من الكر والفر وحرب بلا هوداة ضد مسلحين إسلاميين في مناطق جبلية محاذية للحدود الجزائرية استخلصت القوات التونسية عدة دروس وأصبحت على ما يبدو أكثر نضجا وجاهزية في التعامل مع أي هجمات متوقعة.

وقال المحلل الأمني علي الزرمديني "ما حصل في بنقردان هو فشل ذريع لداعش التي حاولت اعتماد المباغتة مثلما تعتمد في العراق لكن الجيش كان جاهزا وأصبح يمتاز بفاعلية كبرى نتيجة التنسيق مع الأمن وأيضا نتيجة التدريبات التي خضغت لها قواتنا على يد قوات بلدان لها خبرات كبرى".

ويشرف فريق من العسكريين البريطانيين على تدريب القوات التونسية لمساعدته على ضبط الحدود.

كما ينتظر أن يبدأ مدربون من الولايات المتحدة وألمانيا دورات للجيش التونسي لوضع نظام مراقبة إلكتروني للحدود.

وقال الزرمديني، إنه رغم بعض الخلل الاستخباراتي في رصد المقاتلين الذين هاجموا بنقردان فإن جهاز الاستخبارات يتعافي بشكل تدريجي مستفيد من التنسيق الكبير مع دول الجوار ومنها الجزائر ومع الدول الغربية.

وأضاف "قواتنا اليوم أصبحت مهيأة حتى نفسيا لخوض أي حرب بعد سنوات من الكر والفر مع مجموعات إرهابية في الجبال، وعملية بنقردان تثبت أن القوات التونسية أصبحت في منعطف جديد وعلى مستوى من الجاهزية غير مسبوق".

ولكن رغم صد الهجوم الكبير وكسب انتصار معنوي مهم للجيش التونسي على حساب المقاتلين الإسلاميين المتطرفين، ستبقى القوات التونسية محل امتحان متكرر على الأرجح في ظل إمكانية شن هجمات جديدة تحضر في ليبيا وقد تنفذ في تونس.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com