الصيادون المصريون بين خياري الموت جوعاً أو غرقاً
الصيادون المصريون بين خياري الموت جوعاً أو غرقاًالصيادون المصريون بين خياري الموت جوعاً أو غرقاً

الصيادون المصريون بين خياري الموت جوعاً أو غرقاً

بينما يُسجِّل الصيادون المصريون أرقاماً قياسية في الأزمات التي تلاحقهم بالمياه الإقليمية، بات أغلبهم ينتظر أحد مصيرين، إما الموت جوعاً أو الموت في البحار، فيما لا تزال الدبلوماسية المصريّة تلملم الآثار السلبية لأزمات إقليمية للصيادين المصريين.

في خضم ذلك، يعاني الصيادون المصريون من سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، التي تدفعهم للبحث عن مصادر للصيد، بدول أخرى، لينتظرهم الموت، مثلما حدث منذ أيام قليلة، بعد غرق مركب «زينة البحرين» وعلى متنها عشرات الصيادين.

الموت ليس الشيء الوحيد الذي يلاقيه الصيادون، فقد يتعرضون للقبض عليهم، وإلقائهم بالسجون مثلما حدث في نوفمبر الماضي، بعدما قام القطاع الغربي لخفر السواحل، التابع لرئاسة أركان القوات البحرية بضبط جرافة مصرية، تقوم بأعمال الصيد غير القانوني داخل المياه الإقليمية، دون إذن مسبق، من السلطات الليبية، وعليها 16 بحارًا مصريًا، وتم فرض غرامة مالية على الصيادين، قدرها 105 آلاف و119 ليرة تركية، أي ما يعادل نحو 37 ألف دولار، فضلًا عن مصادرة 234 صندوقًا مليئًا بالأسماك ومستلزمات صيد، ومن المقرر ترحيل الصيادين إلى مصر بعد استكمال الإجراءات القانونية.

لم تكن تلك هي الواقعة الأولى، التي يتعرض خلالها الصيادون للسجن والاعتقال وفرض الغرامات، ففي أبريل الماضي، قامت السلطات السودانية بالتحفظ على 101 صياد مصري، أثناء توجههم لدولة إريتريا للصيد بها.

واتهمت السلطات السودانية، الصيادين، بالتجسس واختراق المياه الإقليمية، وفرضت غرامة قدرها 5 آلاف جنيه والحبس 6 سنوات على كل صياد منهم، حتى قرر الرئيس السوداني الإعفاء عنهم، تزامنًا مع احتفالات المصريين، بافتتاح قناة السويس الجديدة.

وفي يوليو الماضي، تم احتجاز 49 صيادًا في مدينة مصراتة الليبية، وميناء صفاقس التونسي، أثناء صيدهم في مياه البحر المتوسط، وكانوا في 3 مراكب صيد، كان على متن المركب الأول 18 صيادًا، والثاني 17 صيادًا، والثالث 14 صيادًا، أقلعوا جميعًا من قرية برج مغيزل، في رحلة صيد لجزيرة مالطة.

وفي يونيو الماضي، احتجزت جماعة «فجر ليبيا»، مركب صيد «الأميرة منى»، وعلى متنها 15 صيادًا، فضلًا عن قتيل يُدعى جمال أحمد البهلوان (٣١ سنة)، من أبناء قرية برج مغيزل، التابعة لمركز مطوبس، حسب ما قال أحمد عبده نصار، نقيب صيادي كفر الشيخ، في تصريحات صحفية حينئذ، مشيرًا إلى أن المركب التي تم احتجازها، كانت في طريقها إلى رحلة صيد في جزيرة مالطة، وفوجئوا بهجوم من مجموعة مسلحة تبين انتماؤها لجماعة «فجر ليبيا»، قرب ميناء مصراتة، أطلقت النيران على المركب؛ ما أسفر عن مصرع أحد الصيادين، فيما احتجز 15 آخرين.

وفي ديسمبر من العام الماضي، ألقت قوات حرس الحدود الليبية، القبض على 14 صيادًا مصريًا، أثناء دخولهم المياه الإقليمية الليبية بمدينة سرت، وحققت مع الصيادين، وتم نقلهم إلى ميناء مصراتة البحري، وبعد مرور أكثر من 3 أشهر على احتجازهم، أطلقت سراحهم في أبريل الماضي، وأخذ تعهد عليهم بعدم الدخول للمياه الإقليمية، دون الحصول على موافقة رسمية.

السيد مصطفى جودة، البالغ من العمر30 عامًا، ومحمد جودة، البالغ من العمر 29 عامًا، سافرا إلى ليبيا، للعمل كصيادين بمنطقة «سيدي بلال»، وظلا يعملان حتى شهر سبتمبر الماضي، وعندما أرادا العودة إلى مصر، بحسب تصريحات والدهما، وحجزا تذاكر السفر هربًا من الحرب الليبية آنذاك، ولكن بعد ضرب مطار بني غازي، اتجها إلى البحر، وفرا للسواحل الإيطالية، وسلما أنفسهما للسواحل الإيطالية، بصفتهما مصريين فارين من جحيم ليبيا، ولكن إيطاليا احتجزتهما.

أحمد إبراهيم محمد السايح، البالغ من العمر 28 عامًا، يقبع في سجن «ارجلا» بإيطاليا، طبقًا لحديث والدته، التي أكدت أنه ظل في منطقة الخمس بليبيا 4 أشهر، وهرب من الحرب لإيطاليا حيث احتجز هناك.

تتكرر الأزمة أيضًا، مع صياد محتجز يدعى «فوزي محمد مصطفى السيد» والذي هاجر إلى ليبيا منذ 3 سنوات ونصف السنة، ليعمل صيادًا هناك، مع مجموعة من رفقاء المهنة من مدينة المطرية.

وقال هاني، شقيق فوزي، إن «أخاه هرب من منطقته التي عمل بها مع مجموعة من الصيادين بعد هجوم "داعش" عليها إلى إيطاليا، حيث ألقي القبض عليهم»، مؤكدًا أن إيطاليا وجهت لهم تهمة الإرهاب وتهريب السوريين، وليست تهم هجرة غير شرعية بحسب ما قالته الخارجية المصرية لهم.

من جانبه، قال حسن الشوا (شيخ الصيادين) بمحافظة الدقهلية (دلتا النيل - شمال) إن البحيرات وعلى رأسها بحيرة المنزلة، تحولت إلى مصرف كبير بسبب انسداد البواغير، لانخفاض منسوب المياه؛ ما يؤثر على الثروة السمكية، مشيرًا إلى أن إنتاج البحيرة انخفض محذرًا من اختفاء عدة أنواع من السمك المميزة.

وأوضح الشوا، أن الصيادين لا دخل لهم سوى من عملية الصيد، ولا يمتهنون أي مهنة أخرى، فهناك عشرات الآلاف من الأسر مهددة بالجوع؛ ما دفع إلى هروب عدد كبير من صغار الصيادين والسفر للخارج للعمل لمواجهة أعباء الحياة.

يقول عبدالكريم الرفاعي، رئيس جمعية الصيادين وعضو الاتحاد التعاوني بالجمهورية، إن الصيادين ممنوعون من النزول للبحيرات والصيد بها، لتقسيمها على عدد من الخارجين على القانون، ولا أحد يمكنه الاقتراب وإلا دفع حياته ثمنًا، وذلك على مرأى ومسمع من قوات الشرطة، دون أي تدخل لحماية الصيادين.

وتعد بحيرة المنزلة، مصدر الرزق الوحيد لأهالي مدينتي المنزلة والمطرية بمحافظة الدقهلية ( دلتا النيل - شمال) والتي يمتهن معظمهم مهنة الصيد، إلا إنهم يضطرون للبحث عن أماكن أخرى للصيد بعد استحالة العمل في البحيرة بعد سيطرة الخارجين على القانون عليها، وردم أجزاء كبيرة منها، بحسب قول العديد من الصيادين؛ ما يدفعهم للسفر لدول مثل: إيطاليا والسودان، للصيد بالمياه الإقليمية، فتواجههم سلطات تلك الدول باتهامات، أبرزها التجسس واختراق المياه الإقليمية، كما حدث مع 101 صياد، كانوا على متن 3 مراكب في طريقهم إلى إريتريا، وألقت السلطات السودانية القبض عليهم في أبريل الماضي، ويحاكمون الآن أمام السلطات السودانية بتلك التهم.

وتعد بحيرة المنزلة، من أكبر البحيرات المصرية، وأكثرها إنتاجًا للثروة السمكية، فيبلغ إنتاجها السنوي 58400 طن، وكانت مساحتها 750 ألف فدان، إلا أن مساحتها الآن تناقصت إلى أن وصلت لأقل من 100 ألف فدان، نتيجة لأعمال الردم والتجفيف والتجريف التي نالت مناطق كبيرة منها، فضلًا عن تلوث مياه البحيرة بمخلفات الصرف الصحي والصناعي والزراعي، وعدم تجديد مياه البحيرة، فالمصدر الرئيس لتجديد المياه بالبحيرة، هو "البواغير"، والتي تتمثل في الفتحات التي تصل البحيرة بالبحر الأبيض المتوسط ونهر النيل، ولكنها أُهملت ولا يتم تطهيرها، فضلًا عن تجفيف مساحات كبيرة من البحيرة، وتحويلها إلى أراض زراعية، على حد قوله.

وأضاف صبري الغريب، أحد كبار الصيادين ببحيرة البرلس، بمحافظة كفر الشيخ، إن قوانين الصيد التي يتم العمل بها حاليًا، معظمها قديمة وبالية، ولم يتم تعديلها منذ عشرات السنين، ويؤكد هو الأخر أن مشكلات البحيرة تكمن في عدم وجود مساحات للصيد، لصغار الصيادين، بسبب تحكم كبار الصيادين في مقدرات البحيرة، وهو ما تسبب في هروبهم للعمل على المراكب التي تخرج للصيد في البحرين الأحمر والمتوسط، مقابل أجر زهيد، للحصول على قوت أسرهم، بحسب قوله.

وأوضح عبدربه الجزائرلي، شيخ الصيادين بقرية برج البرلس، ورئيس الاتحاد التعاوني لصائدي الأسماك سابقًا، إنه في حال تعرض أي مركب للاحتجاز، تقع خسائر فادحة لصاحب المركب والصيادين الذين ليس لديهم مصدر رزق آخر، بالإضافة إلى أنهم يعولون أسرًا كبيرة تتعرض للمخاطر في غياب عائلها، وتنتظر عودتهم بفارغ الصبر، مشيرًا إلى أن ثمن المركب يقترب من ثلاثة ملايين جنيه، فإذا ما تحطمت أو فقدت أو وقعت كارثة لصاحبها أو المشاركين فيها تصبح مأساة، لأنهم وضعوا كل إمكاناتهم في شرائها.

أما العائدون من السجون، فيروون أهوال رحلتهم التي وصفوها «برحلة العودة من الموت» ويطالبون بتحسين أوضاعهم خوفًا من وقوعهم بنفس المصير مرة أخرى.

وقال عبده محمد شتا، إنه بفترة الاحتجاز تعرض لارتفاع في السكر وتم نقله إلى المستشفى، في حالة خطرة، بعد نفاد علاجه الذي كان يحمله معه، وأجروا له تحاليل والتي أكدت خطورة حالته، ولكن كان العلاج عبارة عن شريط بروفين مسكن وآخر للصداع.

من جانبها، أهابت وزارة الخارجية في بيان لها، بالصيادين المصريين احترام سيادة الدول المجاورة وعدم اختراق مياهها الإقليمية، وحذرت من القيام بأية أنشطة داخل المياه الإقليمية لدول أخرى، دون الحصول على التصاريح اللازمة، حيث يعد ذلك خرقاً لقوانين تلك الدول.

وأكد البيان، ضرورة أخذ تلك التحذيرات بكامل الجدية، من قبل الصيادين المصريين، تلافياً لأية مشكلات قد تنجم عن خرق المياة الإقليمية للدول الأجنبية.

كما شدد بيان الخارجية على ضرورة عدم ممارسة الصيد غير المرخص به في المياه الإقليمية للدول المجاورة، خاصة تلك التي تشهد صراعات داخلية كاليمن وليبيا، أو الدول التي تواجه تهديدات إرهابية، إذ ترفع سلطات خفر السواحل في تلك الدول درجة الاستعداد إلى الدرجة القصوى للتعامل مع كافة الاخترقات لمياهها الإقليمية، والتي تصل إلى حد إطلاق النار فوراً.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com