اتفاق الصخيرات بين الترحيب والرفض وترقب المجهول
اتفاق الصخيرات بين الترحيب والرفض وترقب المجهولاتفاق الصخيرات بين الترحيب والرفض وترقب المجهول

اتفاق الصخيرات بين الترحيب والرفض وترقب المجهول

الحالة الليبية لا تبدو من الخارج كما هي من الداخل، فبعد اتفاق الصخيرات، وما اعتراه من تشكيكات قانونية وتشريعية، ظلت صورته من الخارج تبدو وكأنها اتفاق ليبي سيُعيد الأمن والاستقرار.

وتوقع الجميع أن يتم ذلك بمجرد جلوس فائز السراج وفريقه على دكة الحكومة في مقرها سواء في العاصمة طرابلس، التي تبدو هذه الأيام أكثر ضجيجاً بالسلاح والقتال، أو في أي مدينة أخرى أفضل حالاً من العاصمة.

وتمثلت أغلب ردود أفعال المجتمع الدولي، خصوصاً في الدول الكُبرى، بالترحيب، فوزارة الخارجية الأميركية رحبت بهذا الاتفاق وأكد المتحدث باسمها أن الاتفاق هو إطار عمل لإقامة حكومة وفاق وطني تساعد على مواجهة التحديات، التي تعترض ليبيا.

وعبّر عن استعداد الولايات المتحدة لتقديم أية مساعدة للحكومة الليبية، بما في ذلك المساعدات في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، داعياً كل الأطراف لتأييد الاتفاق.

وعلى المستوى الإقليمي، رحبت الجامعة العربية على لسان أمينها نبيل العربي، بإنجاز التوقيع على الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات، وأعرب العربي، في بيان له، عن أمله بأن يؤدي التوقيع على هذا الاتفاق إلى بدء عملية سياسية شاملة تتسع لتضم جميع الأطراف الليبية وتسفر عن حل القضايا العالقة بين مختلف مكونات الشعب الليبي.

وأكد العربي استعداد الجامعة العربية للتعاون مع حكومة الوفاق الوطني الليبية الجديدة، والتي دعا للإسراع في تشكيلها، وشدد على ضرورة توفير الدعم اللازم لها من أجل متابعة تنفيذ بنود الاتفاق، وتحقيق المصالحة الوطنية، واستعادة الاستقرار الأمني والسياسي، وبما يحفظ وحدة ليبيا وشعبها في مواجهة ما يهددها من مخاطر وتحديات، خاصة في مكافحة أنشطة التنظيمات الإرهابية.

من جهة أخرى، يرى مراقبون للشأن المحلي الليبي أن ما تم في الصخيرات ليس اتفاقاً ليبياً، بقدر ما هو إجبار للّيبيين على التوقيع بالصخيرات.

ويؤكد هؤلاء المراقبون أن هذه الحكومة لا تمت للديمقراطية بشيء، فالغرب والأمم المتحدة ضربوا بأعراف الديمقراطية عرض الحائط حين ساوى الخارجين عن الشرعية في طرابلس بمن اختارهم الشعب عبر الصناديق في طبرق.

الصورة من الداخل تتباين كلياً، حتى وإن أعلن الغرب والأمم المتحدة أنهم سيقفون مع الحكومة ويحمونها ويحاربون معها الإرهاب ويدعمونها بكل السبل، فالليبيون يتوجسون خيفة من صورة الدعم الأممي والتدخل الغربي وحربه ضد الإرهاب في العراق وسوريا ، والتي لم تسفر إلا عن مزيد من المشاكل.

ويرى نشطاء ومحللون ليبيون بأن الاتفاق بهذا الشكل لا يمثل سوى وصاية دولية على ليبيا، وأن الغرب يبحث عن حكومة يتعامل معها بهامشية، لكي يمرر ما يستطيع لخدمة مصالحة، وستحدد منطقة خضراء لحماية الحكومة، ولن يأبه الغرب أو الأمم المتحدة لباقي المناطق في ليبيا.

المتابع للشأن الليبي يلاحظ بدون شك الانقسام في صفوف التيارين المتفاوضين وهما البرلمان الشرعي والمؤتمر المنتهية ولايته، فالمؤتمر الوطني رفض الاتفاق عن طريق رئيسه نوري أبو سهمين وعدد كبير من اعضائه فيما قبل به آخرون.

وجاء رفض البرلمان الشرعي المنعقد في مدينة طبرق شرق ليبيا، من قبل رئيسه عقيلة صالح، الذي رفض بنود الاتفاق السياسي، ووصف عقيلة حكومة الوفاق بأنها تتعارض مع الكرامة الوطنية. وأضاف في تصريح له حول الحكومة الجديدة: " لم تكن نتاج حوار ليبي ليبي، وهو ما يرفضه الليبيون".

وأكد عقيلة عدم قبول فرض ما وصفه بالحلول المعدة سلفاً على الليبيين، واعتبر عقيلة صالح أن ما يُتخذ من قرارات أو ما في حكمها باسم مجلس النواب خارج قبة البرلمان غير دستوري وغير قانوني.

ويظل المقربون من النظام السابق في ليبيا عاملاً مهماً في الأزمة الليبية، فهم على علاقة ببعض التيارات والأطراف داخل ليبيا، ويتهمهم كثير من الليبيين في الداخل بدعمهم لبعض التيارات الإرهابية.

وتتمثل تلك الفكرة ربما من دافع انتقامهم نتيجة وضعهم الذي فقدوه ومحاولة لزعزعة أي استقرار يحدث في ليبيا، حتى يتم التفاوض والتحاور معهم، وربما إصدار قانون عفو شامل عنهم.

ويقول أحمد قذاف الدم، في هذا الصدد، والذي يمت للرئيس الليبي معمر القذافي بصلة القُربى وكان منسقاً للعلاقات الليبية المصرية ويرأس حالياً منظمة تسمي نفسها "جبهة النضال الوطني"، إن هناك خللاً في فهم الواقع الليبي على الأرض لأن الأسماء التي رشحها ليون لا تستطيع القيام بهذه المهمة الاستثنائية، مؤكداً أن المرحلة الحالية تحتاج توافق جميع الليبيين الذين لم يكن لهم حضور في مدينة الصخيرات المغربية.

ويتابع قذاف الدم، في بيان له: "نحن مستعدون من أجل ليبيا للعمل مع كافة الفرقاء لمصالحة تاريخية لا تقصى أحداً، وتخلق مناخاً ليس فيه إكراه لأحد، ويمّكن أي حكومة محايدة من عودة الدولة ولملمة جراح الوطن، وسوف يرفض الليبيون جميعاً نظام الوصاية وفرض الأمر الواقع بالقوة، وهذه خطوة جديدة في الاتجاه الخاطئ".

ومع هذا هناك عدد ليس بالقليل من الليبيين الذين يرون فيه طوق نجاة من الأوضاع الاجتماعية المزرية وعمليات القتل المستمرة، وانتشار التنظيم الإرهابي "داعش" ومن يدعم وجوده في ليبيا، مما يدفع للقبول بالاتفاق الجديد قبل أن وصول ليبيا لمرحلة يصعب معها أي حل.

ويتمثل الجزء الحذر من الليبيين، بشأن هذا الاتفاق، وكذلك المتوجس من حكومة السراج القادمة، في سكان إقليم برقة شرق ليبيا، والذي تشكلت قوات الجيش فيه، وفيه أيضاً بدأت حرب الليبيين ضد الإرهاب، ويعرف تاريخياً بقوة مقاومته للغزو الإيطالي والذي استمر عشرين عاماً بقيادة المجاهد عمر المختار.

يضاف إلى سكان إقليم برقة فريق من البرلمان بزعامة رئيسه عقيلة صالح، وهؤلاء يرون بأن هذا الاتفاق سيمثل عودة للمركزية ربما بصورة أكثر ظلماً لهم من زمن القذافي، كما أنهم يرون بأن وضع الجيش وقيادته سيتأثر تأثراً كبيراً في ظل عدم ظهور ضمانات تحافظ على الجيش وما حققه من مكاسب في حربه ضد الإرهاب.

ويرى رئيس البرلمان والفريق المعارض من النواب، إضافة لما سبق، أن هذا الأمر تم بمنأى عن المسوَّدة الرابعة التي أتفق عليها بالأحرف الأولى، وتجاهل السبل القانونية والديمقراطية التي يجب أن يتم بها.

ويبدو أن المبعوث الأممي كوبلر قد تنبه لهذه الجزئية، فقام بعقد لقاء في مدينة البيضاء الليبية مع أعضاء من مجلس النواب الرافضين للاتفاق، وإن لم توضح تفاصيل هذا اللقاء ولا ما نضح عنه.

كما قام كوبلر بزيارة إلى قائد الجيش خليفة حفتر الذي يمثل مستقبله أحد نقاط الخلاف بين مجلس النواب المعترف به والمؤتمر الوطني المنتهية ولايته، وذلك في محاولة ربما تكون الأخيرة لتفادي نسف الاتفاق الذي ترعاه الأمم المتحدة ويراه المجتمع الدولة المخرج الوحيد لليبيا من أزمتها.

من جانبه أكد القائد العام للجيش الليبي الجنرال حفتر أنه لا يتفق تماماً مع مسودة الاتفاق، لكنه قال بأنه قدم 12 نقطة ليتم تضمينها في تلك المسودة، مشيراً إلى أن المهم هو الإسراع في الوصول إلى اتفاق وعدم إضاعة المزيد من الوقت".

وتقول بعض المصادر المقربة من قيادة الجيش الليبي إن كوبلر طلب تزكية اسم شخصية ضمن المجلس الرئاسي تكون ضماناً لعدم المساس بالجيش وقادته ضمن الحكومة المقبلة.

لذلك ورغم كل التطمينات الأممية والدولية والإقليمية، لا يمكن تجاهل عدة تساؤلات مهمة، أبرزها هل سيصمد هذا الاتفاق؟ وهل سيحقق لليبيين الأمن والاستقرار وتطال التنمية كل مناطق ليبيا؟ وهل سيضمن مواصلة بناء الجيش تحت القيادة العامة للجنرال خليفة حفتر؟

وتبرز تساؤلات إضافية من شاكلة، ماذا عن المجموعات المسلحة والمليشيات والفصائل الإرهابية المنتشرة في عدة أماكن من ليبيا؟ وهل سيمثل الاتفاق الجديد لها فرصة تمنح هذه الجماعات حاضنة اجتماعية في ظل الوجود العسكري المتوقع في ليبيا بقيادة الجنرال الإيطالي باولو سيرا؟ وماذا عن المهجرين في الخارج وكيف ستتم معالجة وضع الليبيين المتهمين بموالاة نظام القذافي؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com