عبد الحليم خدام.. سيرة "مثيرة للجدل" من أبرز المقربين للنظام السوري إلى معارض له
عبد الحليم خدام.. سيرة "مثيرة للجدل" من أبرز المقربين للنظام السوري إلى معارض لهعبد الحليم خدام.. سيرة "مثيرة للجدل" من أبرز المقربين للنظام السوري إلى معارض له

عبد الحليم خدام.. سيرة "مثيرة للجدل" من أبرز المقربين للنظام السوري إلى معارض له

طغى اسم عبد الحليم خدام، لسنوات طويلة على المشهد السياسي السوري، إبان حقبة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، لكن نجمه بدأ بالأفول مع وصول بشار الأسد، إلى السلطة عام 2000 والذي بدأ يتخلص بالتدريج من الحرس القديم، إذْ كان خدام أحد أبرز رموزه.

واللافت في سيرة خدام هي تلك الانعطافة السياسية الحادة التي نقلته من مواقع ومناصب مرموقة في السلطة السورية، إلى موقع المعارض الشرس الذي ظل منتقدًا للنظام السوري قبل أن يغيب عن الشاشات في الفترة الأخيرة، ليرحل اليوم الثلاثاء، تاركًا بصمته النافرة على المشهد السياسي السوري، من موقع الموالي والمعارض في آن معًا.

ورغم أن السياسة السورية لم تتغير كثيرًا برحيل الاسد الأب ومجيء الأسد الابن، إلا أن خدام سعى في مقابلاته السياسية الأخيرة إلى التمييز بين الحقبتين، معتبرًا أن الخطيئة الأساسية للأسد الأب هو توريث الحكم لابنه بشار، وهو ما حال دون تسلم خدام للرئاسة السورية التي شغلها لنحو شهر ونصف، وفقًا للدستور السوري، فقد كان نائبًا للأسد الأب وأحيلت إليه الرئاسة بمجرد رحيله، إلى أن انتهت الترتيبات لاستلام الأسد الابن الرئاسة.

واللافت كذلك، في مسيرة خدام، الذي رحل عن 88 عامًا في باريس، أنه كان ينتمي للطائفة السنية، ورغم ذلك، حظي لعقود بثقة حافظ الاسد الأب، الذي كان يمنح ثقته للدائرة المقربة في طائفته العلوية، وخصوصًا الضباط القياديين في الجيش والأمن، والذين هم في معظمهم ينتمون للطائفة العلوية.

ولد عبد الحليم خدام في 15 أيلول/ سبتمبر 1932 في مدينة بانياس الساحلية، وتخرج من كلية الحقوق بدمشق، وانخرط في العمل السياسي في وقت مبكر، فالتحق في سن السابعة عشر بحزب البعث السوري، الذي تسلم السلطة في البلاد العام 1963 وحتى الآن.

تسلم خدام مناصب قيادية هامة، فقد تولى أول مناصبه محافظًا للقنيطرة في الجولان، وذلك في العام 1966، وحتى نهاية عام1967، عندما احتلت إسرائيل الجولان فيما وصفت بنكسة حزيران، بعدئذ عُيّن خدام محافظًا لحماه، ثم عُيّن بعدئذ محافظًا لدمشق.

وبعد أن شغل لفترة حقيبة الاقتصاد والتجارة الخارجية، عُيّن خدام وزيرًا للخارجية السورية في العام 1975، وينظر إليه بوصفه أحد أبرز المهندسين للسياسة السورية في لبنان، وكان له دور كبير في إخماد الحرب الأهلية اللبنانية، كما لعب دورًا مهمًا في التحضير لاتفاق الطائف نهاية تسعينيات القرن الماضي الذي أنهى تلك الحرب.

وعُيّن خدام نائبًا لرئيس الجمهورية في العام 1984، بعدما خلفه فاروق الشرع في وزارة الخارجية، وبقي في البلاد حتى العام 2005، ليتوجه إلى فرنسا وأعلن نفسه معارضًا، واتهم بشار الأسد بإصدار تعلميات مباشرة لمقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريريري، وحظي بدعم من الابن سعد الحريري.

ومن مقر إقامته الجديدة في باريس، دعا خدام إلى العمل على التغيير السلمي في سوريا بإسقاط النظام الديكتاتوري، وبناء دولة ديموقراطية حديثة في سوريا، تقوم على أساس المواطنة.

وأسس خدام في "منفاه الباريسي المرفه" عام 2006، جبهة الخلاص الوطني التي ضمت معارضين سوريين، أبرزهم جماعة الإخوان المسلمين التي أعلنت انسحابها منها غداة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، نهاية الشهر الأخير من عام 2008 .

معايشة خدام للنظام منذ نشأته، وخبرته بشؤون الحكم والدولة، فضلًا عن تهميشه المستمر منذ الأيام الأخيرة للأسد الأب، كانت عوامل أهّلته ليقرأ الواقع بشكل مختلف.

وقد وضع كتابًا نقديًا لواقع الحزب والدولة في سوريا، قبل مغادرته دمشق دون أن يشكل له ذلك عائقًا، لكنه كان مؤشرًا دفع بعض رجال الحكم في سوريا لنصح بشار الأسد بعدم السماح له بمغادرة البلاد، لكن الأخير قدّر أن المنع قد يزيد من تفاقم الحالة، فوافق على المغادرة.

في فرنسا تمكن خدام من توثيق العلاقات السياسية والمالية مع آل الحريري، فقد اقترنت ابنته بأحد ابناء رفيق الحريري، كما أن علاقة قوية ربطت بين زوجته نجاة مرقبي ونازك الحريري، وتعمقت استثماراته المالية مع الحريري.

وتقول تقارير، إن المخابرات السورية اكتشفت أن خدام أفضى بمعلومات حول جريمة اغتيال الحريري دون علم أو ترتيب مع القيادة السورية، الأمر الذي جرّ عليه وعلى عائلته ضغوطًا وصلت إلى حد التضييق على الحركة التجارية والمالية لابنه جمال عبد الحليم خدام، الذي كان موجودًا في سوريا، وبهدف تخفيف الضغوط عليه وعلى أسرته، كان خدام يوحي للنظام الحاكم في سوريا بأنه سيعود قريبًا إلى البلاد.

لكن خدام ظهر لاحقًا في عدة حوارات سياسية ليكشف فساد الطبقة الحاكمة في سوريا، وهو العارف بخباياها، إذْ أشار في أحاديثه إلى عمليات فساد واسعة النطاق جمعت خلالها الأسرة الحاكمة ثروات طائلة، مثل جميل الأسد، ومحمد مخلوف خال الرئيس السوري بشار الأسد، وابنه رامي الذي بات قطبًا ماليًا كاسحًا في سوريا.

وسرعان ما بدأت الآلة الإعلامية والاستخباراتية السورية بالعمل لتشويه سمعة خدام، الذي اتهم باستغلال منصبه خلال سنوات حكم الأسد الأب، وجمع ثروة تقدر بملايين الدولارات، كما يتهم خدام وأولاده بدفن مواد كيماوية مشعّة انتهت صلاحية استخدامها في البادية السورية، بعد أن وصلت عبر مرفأ طرطوس في 1987، لكنهم نفوا أكثر من مرة مسؤوليتهم عن ذلك، في ظل عدم وجود تحقيق محايد يبين الحقيقة.

وأكمل النظام السوري هذه الحملة المضادة ضد خدام بإصدار قرار بالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لخدام، وأموال زوجته وأولاده وأحفاده ذكورًا وإناثًا وأزواجهم.

يشار إلى أن لخدام ثلاثة أولاد ذكور، هم: جمال، وجهاد، وباسم عبد الحليم خدام، إضافة إلى ابنة واحدة هي ريم عبد الحليم خدام، وهم يحملون الجنسية السعودية، إلى جانب السورية.

خدام بدوره لم يستسلم إزاء هذه الضغوطات، بل مضى في انتقاد النظام، وخصوصًا في أعقاب الاحتجاجات التي عمت البلاد عام 2011، إذْ علق قائلًا، إن "بشار الاسد الديكتاتور لا يتعلم من تجارب سابقيه من الرؤساء ممن أقتلعتهم الثورات الشعبية من كراسي الحكم".

وشدد على أنه "لا بديل عن إسقاط النظام الحالي، وأن الجيش السوري تحول إلى جيش احتلال، وأن آلاف المواطنين قتلوا وجرحوا خلال المظاهرات والاحتجاجات التي بدأت في مارس 2011".

وقدرت مصادر اقتصادية ثروة عبد الحليم خدام وزوجته وأولاده وزوجاتهم بنحو مليار ومئة مليون دولار، معظمها خارج البلاد وعلى شكل أموال سائلة.

وقالت المصادر، إن خدام تلقى خلال السنوات العشرين الماضية من رفيق الحريري قرابة 500 مليون دولار، بعضها منازل وقصور فخمة ويخوت، وبعضها الآخر أموال في المصارف الفرنسية والسويسرية واللبنانية.

وأضافت، أن "أبرز القصور التي تلقاها من الحريري الأب هي في فرنسا أحدها في شارع فوش، وهو القصر الذي كانت تمتلكه ابنة الملياردير الشهير أوناسيس، والقصر الثاني باسم زوجته السيدة نجاة مرقبي خدام في مدينة نيس الفرنسية".

ومن ممتلكاته أيضًا قصر في مدينة بانياس، مع مرفأ خاص، وقصر في بلودان، وشقة فخمة في منطقة عين المريسة في بيروت، ويختان فخمان مايا 1، مايا 2.

وتمتلك عائلة خدام حصة في شركة الاتصالات اللبنانية، وعقود توريد بعشرات الملايين من الدولارات لشركة الكهرباء اللبنانية، وشركة خدمات اتصالات  في كل من سورية ولبنان والباكستان والسعودية، فضلًا عن مطاعم ومراكز ومحال تجارية وشركات إنتاج تلفزيوني ومنابر إعلامية ووكالات سيارات، وغيرها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com