بوريس جونسون ينحني أمام ترامب بشأن قضايا الشرق الأوسط
بوريس جونسون ينحني أمام ترامب بشأن قضايا الشرق الأوسطبوريس جونسون ينحني أمام ترامب بشأن قضايا الشرق الأوسط

بوريس جونسون ينحني أمام ترامب بشأن قضايا الشرق الأوسط

في 4 فبراير أثار "جوزيب بوريل"، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، ضجة كبيرة بإدانة خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي كشف النقاب عنها مؤخرًا لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقال إن ضم إسرائيل للمستوطنات في الضفة الغربية في المستقبل "لا يمكن أن يمر بلا منازع"، وكرر التزام الاتحاد الأوروبي بحل قائم على وجود دولتين.

وكان بيانه في تناقض صارخ مع الطريقة التي استجابت بها الحكومة البريطانية لأخبار صفقة ترامب، ففي حديثه في مجلس العموم يوم 29 يناير، قال رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" إنه "رغم عدم وجود خطة سلام كاملة، فإن خطة إدارة ترامب لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني "لها مزاياها".

في حين وصف وزير الخارجية البريطاني "دومينيك راب" الخطة بأنها "اقتراح جاد يعكس بذل وقت وجهد مكثفين".

ووفقا لمجلة "فورين بوليسي" من السهل أن تظهر نظرة مكثفة أن خطة ترامب لن تساعد بالتأكيد قضية السلام، وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إيهود أولمرت" من أنها يمكن أن تحول إسرائيل إلى دولة عنصرية، وحتى رئيس الوزراء الحالي "بنيامين نتنياهو" أثار مخاوف في الماضي من أن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية، وهو مصير يمكن أن يتحقق إذا أعطيت إسرائيل الضوء الأخضر لضم وادي الأردن وجميع مستوطناته في الضفة الغربية.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد إسرائيل للديمقراطية أن حوالي نصف الإسرائيليين اليهود ينظرون إلى الصفقة على أنها تدخل أمريكي في الانتخابات الإسرائيلية الشهر المقبل، في الوقت نفسه، وبالطبع لم يضيع أنصار نتنياهو في حزب الليكود أي وقت في الاستفادة من تأييد جونسون.

ولا يعتبر موقف جونسون الداعم للخطة مفاجئا بشكل خاص، فبعد إتمام البريكست في أواخر الشهر الماضي، يبدو أنه يحاول التقرب من الرئيس الأمريكي في وقت تعتمد فيه البلاد بشكل متزايد على الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق تجاري.

فقبل أن يدخل ترامب البيت الأبيض وأن يكتمل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التزمت المملكة المتحدة بموقف شركائها الأوروبيين تجاه إسرائيل، ودعمت باستمرار حل الدولتين، معارضة بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وداعمة الصفقة النووية مع إيران والقوى الكبرى الأخرى في عام 2015.

وعندما بدأ ترامب في توجيه تهديدات بالانسحاب من الاتفاقية النووية في ربيع عام 2018، على سبيل المثال، انضم جونسون وزير الخارجية البريطاني آنذاك، إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في محاولة اللحظة الأخيرة لإقناع الرئيس بعدم الانسحاب من الصفقة على الرغم من استياء إسرائيل من الصفقة.

إلا أن جونسون غير مساره في كانون الثاني يناير من هذا العام عندما دعا إلى استبدال الاتفاق النووي الإيراني بـ "صفقة ترامب"، وفي مثل هذه التصريحات، يحاول جونسون وفريقه تحقيق التوازن بين عدة ضرورات، فلطالما تأثرت سياسة المملكة المتحدة تجاه النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بقوة بحساسية الحلفاء العرب المعتدلين في البلاد. فمنذ مدة قصيرة كانت بريطانيا حذرة من وجود علاقة وثيقة أكثر من اللازم مع إسرائيل خوفًا من إغضاب الرأي العربي المعتدل.

وفي الواقع، كانت حقيقة تراجع قوة بريطانيا هي التي أدت إلى عضويتها المجتمع الاقتصادي الأوروبي في عام 1973، وفي نفس العام، رفض رئيس وزراء المملكة المتحدة "إدوارد هيث" توفير قطع غيار لدبابات سنتوريون الإسرائيلية أو توفير حقوق الهبوط لطائرات الإمداد العسكرية الأمريكية في طريقها إلى إسرائيل خلال حرب أكتوبر.

إذ كانت المملكة المتحدة حذرت من الظهور علانية كداعم لإسرائيل بسبب المخاوف من الأضرار التي قد تلحق بمصالحها الإستراتيجية والتجارية في العالم العربي، وخاصة وسط وصول توترات الحرب الباردة ذروتها واعتماد المملكة المتحدة على النفط العربي.

وبعد رفض البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي "رونالد ريغان" إدانة غزو إسرائيل للبنان في حزيران يونيو 1982، ردت رئيسة الوزراء البريطانية "مارغريت تاتشر" على خطاب دبلوماسي تلقته من واشنطن قائلة: "الولايات المتحدة لا تدرك الاستياء الذي تسببت فيه في الشرق الأوسط"، إذ كانت تاتشر تخشى أن يكتسب الاتحاد السوفيتي والقوى الراديكالية الأخرى نفوذاً في العالم العربي من استعداد واشنطن لدعم الأعمال الإسرائيلية.

ومع ذلك تغيرت الكثير من الأمور منذ ذلك الحين، وهو ما يبرزه حضور مبعوثين من الإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان لاجتماع كشف النقاب عن خطة ترامب للسلام.

أعربت السلطة الفلسطينية عن خيبة أملها إزاء رفض السعودية والكويت وقطر عن انتقاد خطة ترامب في البداية، قبل أن تصدر جامعة الدول العربية إدانة علنية لها مؤخرا، وببساطة، لم تعد المملكة المتحدة تخشى اليوم إثارة رد فعل عنيف من أصدقائها العرب بشأن دعم إسرائيل وسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، لأن هؤلاء الحلفاء يقتربون أكثر إلى موقف الولايات المتحدة.

إن تأييد المملكة المتحدة لترامب يعكس قرارها بالموافقة على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي وقعتها إدارة كارتر في 26 مارس 1979، إذ كان العالم العربي يعارض بشدة هذه الصفقة، واعتبرها بمثابة خيانة للفلسطينيين، وحتى بعض كبار المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية كانوا قلقين من أن معاهدة السلام ستضر بالمصالح البريطانية في الشرق الأوسط، ومع ذلك، لعب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك "جيمس كالاهان" دور الوسيط الهادئ وراء الكواليس واقنع رئيس الوزراء الإسرائيلي "مناحيم بيغن" بالتسوية مع أنور السادات المصري، وهذا الأمر لفت انتباه الرئيس "جيمي كارتر"، الذي شكر كالاهان على جهوده.

وبالمثل قدمت حكومة تاتشر دعمها للغارة الأمريكية على ليبيا في نيسان أبريل 1986 بعد تورط ليبيا في الهجمات الإرهابية على القوات الأمريكية، وسعت تاتشر إلى استخدام دعمها لإدارة ريجان لتعزيز مكانتها السياسية والدفاع عن مشاركة أمريكية أقوى في عملية السلام في الشرق الأوسط.

وفي حين أن الولايات المتحدة كانت أقل ميلًا إلى إتباع نصائح تاتشر بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أن مكافأة بريطانيا ظهرت في شكل عمل أمريكي ضد إرهاب الجيش الجمهوري الأيرلندي، وعلى وجه التحديد موافقتها على معاهدة تسليم المجرمين بين الولايات المتحدة وبريطانيا.

وكما أشار ريغان في خطاب ألقاه في مايو، "رفض هذه المعاهدة سيكون إهانة لرئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر، وهي الزعيمة الأوروبية التي وقفت جنبا إلى جنب معنا خلال عملياتنا إرهاب معمر القذافي على الرغم من الخطر على مستقبلها السياسي".

وفي عام 2003، دعم رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير" حرب إدارة "جورج دبليو بوش" في العراق، على الرغم من أن التاريخ أدان دعم بلير للغزو، إلا أن هناك أدلة جوهرية تشير إلى أن دعمه للولايات المتحدة بشأن العراق قد أدى إلى إعلان بوش في مارس 2003 عن خريطة الطريق للسلام على أساس رؤية حل الدولتين.

وفي هذه الأيام، عادت المملكة المتحدة إلى الحاجة إلى دعم الولايات المتحدة مرة أخرى، وجادل داعمو البريكست المتحمسين بأن انسحاب بريطانيا من أوروبا سيمنحها الحرية والاستقلال للفوز بصفقة تجارة حرة مع واشنطن، وبالتالي تعزيز العلاقة الثنائية الخاصة.

ومع ذلك، فإن هذه الحجة تتجاهل التنازلات الرئيسية التي من المحتمل أن تقدمها المملكة المتحدة من أجل تأمين مثل هذه الصفقة، والتي قد تشمل القضية الفلسطينية الإسرائيلية.

في حالات كالاهان وتاتشر وبلير، يمكن للمملكة المتحدة على الأقل أن تدعي أن نفوذها أتى ببعض الثمار، وأن علاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة قد أُخذت على محمل الجد في الشرق الأوسط، وأن موقعها في أوروبا أعطاها نفوذا، ولكن اليوم، في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تضاءلت مكانة بريطانيا الدولية، وتستمر البلاد في التعبير عن دعمها العلني لحل الدولتين، ولكن دعمها لخطة الشرق الأوسط لإدارة ترامب يقوض هذا الموقف.

ويبدو أنه في عام 2020، يعكس تحالف المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة تراجع قوتها المتناقصة أكثر من قدرتها على لعب دور بناء على المسرح العالمي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com