"الجريمة التركية".. تقرير يرصد دلائل التغيير الديموغرافي في شمال سوريا
"الجريمة التركية".. تقرير يرصد دلائل التغيير الديموغرافي في شمال سوريا"الجريمة التركية".. تقرير يرصد دلائل التغيير الديموغرافي في شمال سوريا

"الجريمة التركية".. تقرير يرصد دلائل التغيير الديموغرافي في شمال سوريا

رصد تقرير دلائل قاطعة تفيد بإجراء تركيا عملية تغيير ديموغرافي واضح في شمال سوريا، يستهدف التركيبة الديموغرافية للسكان في البلاد، وذلك بعد شهرين من أحدث توغل تركي في سوريا، أُطلق عليه عملية "نبع السلام"، إذ بدأت بالفعل عودة المدنيين إلى المناطق التي تحتلها الآن القوات التركية.

وتتبعت مجلة "فورين بوليسي" الخطوات التي أقدمت عليها تركيا خلال الشهرين الأخيرين، منذ أطلقت عمليتها بزعم أنها تمهد الطريق للسوريين الذين لجأوا إلى تركيا للعودة إلى وطنهم، وبالتالي إعادة السكان إلى وضع ما قبل الحرب السورية.

لكن الشواهد المتاحة ومن بينها مستوى الأمان الذي يتمتع به أولئك الذين يعودون يعتمد على أصلهم العرقي، وهو ما يشير إلى أن العائدين ليسوا أهل المنطقة الأصليين ولكنهم عرب من مناطق أخرى فروا إلى تركيا قبل سنوات.

وأطلقت تركيا عمليتها في شهر تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، والتي استهدفت وحدات حماية الشعب الكردي في المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا، وإنشاء "منطقة آمنة" لتوطين ملايين اللاجئين السوريين، الذين فروا إلى تركيا خلال الحرب السورية.

تعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب "منظمة إرهابية" وامتدادًا لحزب العمال الكردستاني، والذي شن حملة استمرت عقودًا من أجل الاستقلال الذاتي الكردي داخل تركيا.

عشرات الآلاف من المشردين

ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، لا يزال أكثر من 75 ألف شخص مشردين من مناطق في شمال شرق سوريا، ويلجأون الآن إلى منازل أقاربهم ومخيمات للنازحين بعد فرارهم من العملية التركية.

وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن أكثر من 17 ألف شخص عبروا الحدود إلى كردستان العراق بحثًا عن الأمان.

وتعتبر عودة السوريين إلى ديارهم في الشمال الشرقي "مسألة مُسيسة" للغاية، حيث تحدثت مجموعات إقليمية مختلفة مثل "كومونة روج آفا الدولية" و"مركز روج آفا للمعلومات" منذ فترة طويلة عن أن تركيا تقوم بعملية تطهير عرقي للأكراد، وترى أن أحدث عملياتها كجزء من هذا التغيير الديموغرافي على طول الحدود التركية.

استبدال العرب بالأكراد

وأبلغت أنقرة وسائل إعلام مختلفة مؤخرًا بعودة عرب سوريين إلى المناطق التي جرى تطهيرها مؤخرًا من "الإرهابيين" المزعومين، خاصة المناطق التي تسيطر عليها تركيا الآن في تل أبيض ورأس العين، وهي البلدات التي لطالما كان بها عدد كبير من الأكراد.

وعلى سبيل المثال، ذكرت وكالة الأناضول التركية الحكومية أن حوالي 70 سوريًا، بعضهم عاش في مدينة سانليورفا الحدودية لمدة 7 سنوات، عبروا الحدود إلى سوريا وعادوا إلى رأس العين. كما ذكرت وزارة الدفاع التركية أيضًا أن 295 شخصًا قد انتقلوا مؤخرًا من جرابولس، وهي بلدة حدودية سورية غرب نهر الفرات، إلى تل أبيض الآن بعد أن تمت استعادة "السلام والأمن".

وزعمت أوساط تركية أن هؤلاء السوريين فروا من وحدات حماية الشعب لسنوات ويعودون إلى وطنهم بفضل تركيا.

من جانبه، وصف "المرصد السوري لحقوق الإنسان" هذه العملية بأنها شكل من أشكال التغيير الديموغرافي المُهندس، مشيرًا إلى أن المدنيين لا يحتاجون سوى لتسجيل أسمائهم لدى القوات التركية لكي يتم نقلهم إلى هناك مع الحراسة في رحلة تتم مرتين يوميًا.

العرب فقط هم من يعودون

وكشف "محمود كوميتيا"، زعيم الجالية الكردية من تل أبيض، الذي فر من المدينة بعد أن بدأت تركيا عملياتها ويقيم الآن في القامشلي في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، أن أحد جيرانه العرب، الذي يعتني بمنزله في تل أبيض، أبلغه أن العرب فقط هم من يعودون إلى المدينة.

وقال، في مقابلة هاتفية: إن "بعض الناس يحضرون من خارج المدينة، لتعديل الديموغرافية، فهم يضعون الآخرين هناك لإزالة ثقافتنا".

وتُظهر بيانات الأمم المتحدة أن حوالي 123 ألف شخص عادوا إلى شمال سوريا منذ بدء العملية، وعاد حوالي نصف هؤلاء الأشخاص إلى أماكن تسيطر عليها تركيا الآن، التي استولت منذ بداية شهر كانون الأول/ديسمبر على حوالي 1900 ميل مربع، تمتد من غرب تل أبيض إلى شرق رأس العين.

توطين غامض

وتقدر المتحدثة باسم الأمم المتحدة "دانييل مويلان" عدد الأشخاص الذين عادوا بالفعل في شهر تشرين الثاني/أكتوبر الماضي بحوالي 102 ألف، وهذا يعني أن حوالي 83% من النازحين الذين عادوا قاموا بذلك في الشهر الأول من نزوحهم.

وبالنظر إلى تدهور الوضع الأمني، فمن غير المرجح أن يعود الأشخاص الذين ما زالوا مشردين في أي وقت قريب.

وتحدث مويلان عن عودة حوالي 300 عائلة نزحت سابقًا من تل أبيض ورأس العين، بالإضافة إلى 200 عائلة سورية عائدة من تركيا.

ومع ذلك، لا يوجد دليل على أن هذه الأسر السورية التي لجأت إلى تركيا كانت تعيش في شمال شرق سوريا.

ويرى الأمين العام للجمعية النمساوية للدراسات الكردية "توماس شميدينجر" أن نقل الأشخاص من مناطق أخرى، بما في ذلك جرابولوس وتركيا، يعتبر عملية استيلاء على الأراضي.

وقال: "لم يهرب أي شخص من رأس العين إلى جرابولوس أو تركيا خلال العملية الأخيرة، وبالتالي فإن الأشخاص الذين يذهبون إلى هناك يأتون الآن من مناطق مختلفة تمامًا في سوريا، ولكنهم يسيطرون على منازل الفارين في شهر تشرين الثاني/أكتوبر".

وكان هناك تدفق مستمر وموجات مختلفة من النازحين داخليًا واللاجئين في شمال شرق سوريا منذ بدء الحرب السورية، وفي عام 2012 أصبحت رأس العين خط المواجهة بين الإدارة الكردية وقوات المعارضة المدعومة من تركيا والميليشيات.

وقال "شميدينجر": "لذلك فر الأكراد من المنطقة الواقعة إلى غرب رأس العين إلى المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد في الجزيرة"، في إشارة إلى المنطقة السورية الشرقية التي تضم القامشلي.

التركيبة السكانية

ولطالما كانت التركيبة السكانية لرأس العين ثابتة إلى حد كبير، وعلى الرغم من أن التعداد الأخير، الذي أُجري في عام 2004، لم يميز بين الناس عرقيًا، يقدر شميدينجر أن رأس العين كانت تتكون من 70% أكراد، و15% عرب، و15% السريان المسيحيين وغيرهم من الأقليات، مثل الشيشان والتركمان.

وكانت تل أبيض ذات أغلبية عربية قبل الحرب، وفي عام 2011 كان 70% من السكان من العرب و25% من الأكراد، وفقًا لتقديرات معهد واشنطن.

وفي عام 2015، عندما استولى الأكراد على المدينة من "داعش" فر الآلاف من المدينة، وتوجه العديد منهم إلى تركيا.

ويزعم شميدينجر أن معظم هؤلاء الأشخاص كانوا يعملون مع تنظيم "داعش" أو ينتمون إليه، وربما يخشون الانتقام بسبب إجبار الأكراد والأقليات الأخرى على الفرار عندما سيطرت "داعش" على المدينة في عام 2014.

وقال: "كانت هناك قرية واحدة على الأقل تسمى البلو، طُرد الأكراد العرب منها؛ لأن القرية كانت معروفة بأنها موالية لتنظيم داعش، ولم تكن معايير طرد الناس عرقية، بل ترتبط بالدعم السياسي لداعش".

والآن، يبدو أن تركيا تجلب العرب الذين فروا من تل أبيض في عام 2015، بالإضافة إلى أشخاص من أجزاء أخرى من سوريا واللاجئين العرب الذين كانوا يعيشون في تركيا منذ عدة سنوات.

وقال كوميتيا، زعيم الجالية الكردية في تل أبيض، إن الأشخاص الذين يتم نقلهم إلى المدينة الآن هم أصلًا من الغوطة وإدلب وحلب، ولا يعتقد أنهم عاشوا في تل أبيض من قبل.

وفي الواقع، ليس من الآمن لأي شخص أن يعود إلى المناطق التي تسيطر عليها الآن القوات المدعومة من تركيا، إذ تقول "إليزابيث تسوركوف" من معهد أبحاث مجلة "فورين بوليسي": "الفصائل التي تحكم المنطقة مسيئة إلى حد كبير، كما تنفجر السيارات المفخخة بشكل يومي في المناطق التي تم الاستيلاء عليها حديثًا".

تخوفات مشروعة

وزعمت أن الأكراد واليزيديين معرضون بشكل خاص للانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات ذات القيادة العربية والتي تسيطر الآن على المنطقة، وتم الاستيلاء على العديد من منازلهم من قِبل فصائل مختلفة من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.

وقال تسوركوف: "ستستمر عودة العرب والشيشان، ولكن معظم الأكراد سيُمنعون من العودة إلى ديارهم بسبب العنف وسوء المعاملة اللذين سيعانون منهما إذا عادوا".

وأكد كوميتيا أنه من المرجح أن ينتقل من قامشلي إلى الرقة، وهي عاصمة خلافة داعش السابقة والتي تخضع الآن للسيطرة الكردية، بدلًا من العودة إلى منزله في تل أبيض، وقال كوميتيا: "لا يمكنني العودة لأن هناك لصوصًا وعصابات".

دليل مصور

وقدم التقرير دليلًا آخر على التغيير السكاني، من خلال لقطات فيديو وصور جرى تصويرها في أماكن مثل رأس العين، حيث تتم كتابة الأسماء بالطلاء على جدران المنزل. وتُظهر الأسماء أيضًا من أين جاء بعض هؤلاء الأشخاص، مثل "أبو الوليد الحمصي"، مما يشير إلى أن هذا الشخص هو في الأصل من مدينة حمص السورية.

وتعتبر عملية نقل الأشخاص الذين ليسوا أصلًا من مناطق مثل رأس العين وتل أبيض واضحة للغاية، خاصة من خلال الشكل الإداري الذي تعتمده القوات التركية المدعومة، حيث يمكن للمقاتلين من أي منطقة في سوريا أن يتقدموا بطلب نقل أسرهم إلى مناطق تسيطر عليها تركيا الآن.

وأوضح تسوركوف أن المنازل التي استولت عليها مختلف الفصائل في الجيش الوطني السوري تنتمي عمومًا إلى أفراد متهمين بصلاتهم بوحدات حماية الشعب.

وقال تسوركوف: "في كثير من الأحيان لا يكون لهؤلاء الأشخاص علاقات، إنهم عرب فقراء، وهذا أمر كان بإمكاننا التحقق منه، سواء مع المقاتلين في الفصائل المدعومة من تركيا، أو سكان المنطقة الذين فروا".

وأصدرت هيومن رايتس ووتش بيانًا في نهاية نوفمبر تكشف فيه تفاصيل الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل في الجيش الوطني السوري، بما في ذلك النهب ومصادرة الممتلكات، فضلًا عن منع عودة المدنيين الأكراد.

فبينما كان الهدف المعلن لعملية نبع السلام هو إنشاء منطقة آمنة ليعود اللاجئون إليها، يبدو أن مستوى الأمان الذي يتمتع به أولئك الذين يعودون يعتمد على أصلهم العرقي، ويأتي حسب تقدير مختلف الفصائل التي تسيطر على الأرض.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com