ينقل رسالة من خامنئي.. رئيس البرلمان الإيراني يصل بيروت
على مدى 18 عامًا، انطلاقًا من حرب يوليو/ تموز عام 2006، وحتى سبتمبر/ أيلول عام 2024، طرأ على المواجهة بين "حزب الله" اللبناني وإسرائيل، تغيرات عديدة على جبهة القتال.
ولم تقتصر تلك التغيرات على المواجهة على الأرض فقط، بل شملت السماء، فبعد أن كانت حرب يوليو/ تموز عام 2006 "صفعة" على وجه إسرائيل، نظرًا للانتصار السياسي الذي حققه التنظيم، أكثر من كونه انتصارًا عسكريًا آنذاك، إلا أن تل أبيب هذه المرة، استطاعت الوقوف على كافة العناصر والتحولات عسكريًا واستخباراتيًا وسيبرانيًا، حتى لا يتكرر مشهد عام 2006 ، الأمر الذي حمل تحولًا في وجود "حزب الله" إلى حد كبير.
وأحدثت تلك التغيرات فارقًا في الصراع العسكري بين إسرائيل و"حزب الله"، منذ عام 2006 وحتى عام 2024، من حيث امتلاك زمام المبادرة وعنصر المباغتة، ومدى أهمية الأهداف التي تعرضت للقصف الإسرائيلي وحجم الخسائر.
وبرز بشكل جلي التفوق الاستخباراتي والتقني الإسرائيلي على "حزب الله"هذه المرة، مقارنة بعام 2006 ، بالإشارة إلى حجم الضرر الذي لحق بقيادات الحزب وقدراته العسكرية، وآخرها اغتيال أمينه العام حسن نصر الله.
وفي هذا الصدد، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية في بيروت، د.خالد العزي، أنه لا يوجد وجه مقارنة بين حرب يوليو/تموز عام 2006 وحرب العام الجاري.
وأضاف العزي، لـ"إرم نيوز"، أنه "عندما كان لإسرائيل في عام 2006 مجموعة من الأسرى، تريد الوصول إليهم وإبرام صفقة بذلك الشأن، قامت بطلعات جوية وضربات نارية دمرت مناطق في لبنان، لكن ليس بهذه الطريقة، وصاحب ذلك عملية برية إسرائيلية كانت بمثابة مستنقع للجيش الإسرائيلي، حيث كان حزب الله وأعوانه آنذاك أكثر استعدادًا في التعامل مع الهجوم الإسرائيلي".
وبحسب العزي، فإن "الوضع يختلف هذه المرة كليًا لجهة من يحمل المبادرة، وهو الجانب الإسرائيلي المتفوق تكنولوجيًا وتقنيًا على المستويات العسكرية والاستخباراتية، باعتراف الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله، في آخر خطاب له قبل اغتياله، إذ قال إن الوضع التكنولوجي يأتي لصالح إسرائيل، والحرب ستكون طويلة تتجاوز الأشهر وربما سنوات، وهنا يستحوذ على المشهد عبارة "عض الأصابع، والذي يتوجع قبل هو الخاسر".
ووصف حجم القصف الإسرائيلي بأنه "جنوني تدميري مستمر في عام 2024، وأبعد مما كان عليه مع نهاية حرب عام 2006"، لافتًا إلى أن الوضع الاقتصادي اللبناني كان آنذاك أفضل من اليوم، مع وجود حكومة لديها القدرة على التحرك، وإشغال منصب رئيس الجمهورية، الذي وفر حاضنة دبلوماسية عالية المستوى، حيث كان لبنان قريبًا من الدول العربية التي سعت على الفور للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، فضلًا عن كم الدعم المالي والمساعدات التي أرسلت سريعًا إلى لبنان، وانتهت بإعادة الإعمار".
"أما اليوم، يعيش لبنان وضعًا اقتصاديًا هو الأسوأ، وسط عدم وجود أي إمكانية لدولة ضعيفة أرخت يدها، وصارت وراء "حزب الله"، الذي وضع قرار الحرب والسلم في يد طهران، ليصبح لبنان ساحة مواجهة إيرانية إسرائيلية من أجل الحصول على شروط وحوافز لمشروع إيران النووي، مع حجم خسائر بشرية كبير جدًا، إن كانت لجهة مقاتلي حزب الله أو المدنيين"، وفق العزي.
وعرض العزي لما وصل إليه الحال خلال الحرب الراهنة، التي استطاعت إسرائيل فيها أن تنجز 10 أضعاف ما يمكن تحقيقه في غير هذه الحالة، عبر الاستعداد والوقوف على الإمكانيات، على عكس ما حصل عام 2006، وذلك بضرب القيادات العسكرية والأمنية بشكل واسع، وكشف الجهاز الاتصالي للحزب، وضرب عملية التواصل والقوى الخاصة، وصولًا إلى ما لم يحدث من قبل بالنيل من نصر الله".
وقال إن "تل أبيب باتت تعتبر أن القضاء على حزب الله هو الأساس في أي تفاوض، بعد أن كانت تطالب بإبعاده مسافة 10 كم في الداخل اللبناني".
وتابع: "مشهدية غزة هي التي تسيطر، وسط التدمير والقتل والإبادة، ليجني لبنان ما قام به حزب الله من ممارسات مع إيران تمثلت بعداء الدول العربية، حتى أصبحت بيروت بلا صديق، وسط انقسامات عمودية في الداخل اللبناني".
من جانبه، يرى المحلل السياسي، أنطوان العاصي، أن "الفوارق متغيرة شكلًا ومضمونًا واستعدادًا بين "حزب الله" وإسرائيل مقارنة بين عامي 2006 و2024 ، عندما راهن الحزب على جر إسرائيل إلى حرب برية كانت بمثابة "جهنم" بالنسبه لتل أبيب، أما هذه المرة فكان كل شيء "مكشوف" تحت عين دقيقة من الإسرائيليين، وحدث ما لم يتصوره أحد، وهو اغتيال حسن نصر الله".
ووقف العاصي على بعض الفوارق بين يوليو/تموز عام 2006 وسبتمبر/أيلول عام 2024، موضحًا أن "المباغتة في عام 2006 كانت من جانب الحزب كعنصر قائم وفعال، نظرًا لما كانت تمتلكه العناصر القتالية آنذاك من مقومات، والتي ربما استنزفت في معارك للمحور أو كبر بهم العمر، ولم يكن لهم أجيال جديدة، فكان آنذاك اختراق الحدود الإسرائيلية وتوجيه ضربات والحصول على أسرى إسرائيليين حتى يتم التفاوض عليهم لإعادة أسرى لبنانيين من السجون الإسرائيلية".
ويشير العاصي، لـ"إرم نيوز"، إلى أنه في عام 2006 ، كان هناك نوع من الأخذ والرد والتعامل من جانب حزب الله أمام قدرات إسرائيل، حيث لم تكن الميليشيا تنتظر إذنًا للقيام بأي عملية أو ضربة عسكرية، كما هو حالها اليوم، إذ يبدو أن إيران تتحكم في كل "نفس" لـ"حزب الله".
ولفت إلى أن "حزب الله" في عام 2006 كان مستعدًا ومجهزًا للعملية، وحاصل على كافة أنواع الدعم غير "المقيد" من إيران، في الوقت الذي لم يكن فيه لدى تل أبيب تقييم جيد معلوماتيًا أو استخباراتيًا لقدرات "حزب الله"، وكان هناك استهانة كبيرة بالمواجهة، مشيرًا إلى أن زمام المبادرة كانت في يد "حزب الله" الذي تعامل على أساس قدراته، وكان له حينئذ قيادات على معرفة كبيرة بأوضاع عسكرية واستراتيجية ومتمرسة على التعامل مع حرب "الغابات" داخل الأحراش ضد الإسرائيليين عند اختراق الحدود.
وحدّد العاصي نقاط رهان الجانب الإسرائيلي في مواجهة عام 2024 ، باعتماده من الناحية العسكرية والاستخباراتية على تعظيم تكنولوجيا التتبع والرصد في الإحداثيات، وعسكريًا من حيث الحصول على أحدث الإصدارات للمواقع، عبر إمدادات حديثة من واشنطن، فضلًا عن ما أحرز من اختراق لكيان الحزب السياسي والعسكري، والقيام باستهداف ممنهج ومتتالي لمواقع الحزب ومستودعاته ومنصاته، وأيضًا قياداته التي تم اغتيالها واستهدافها، وهو الاختراق الذي لم يكن قائمًا في عام 2006 ، إذ كان "حزب الله" كتابًا غير مفتوح أمام الجانب الإسرائيلي، فضلًا عن أن ما حدث لشبكة الاتصالات من تدميرها جعلت البنية العسكرية والميدانية لقوات "حزب الله" وقيادته في جزر منعزلة.
وتابع العاصي: "عام 2006 كان التعامل مع الأهداف للدولة اللبنانية من جانب إسرائيل أكثر من استهداف مواقع "حزب الله"، الذي لم يكن لديه هذا القدر من حيث البنية التحتية، فكان التعامل بالقصف لمطار بيروت ومحطات كهرباء ومياه ومناطق سكنية، ليس بالتحديد بها حاضنات لحزب الله أو محسوبة عليه، أما هذه المرة فقد وصل إلى تعدد توجيه ضربات جميعها جاءت بقادة من الصف الأول للحزب، وقادة إيرانيين متواجدين في اجتماعات ولقاءات تسربت كافة أخبارها للجانب الإسرائيلي، الذي قام بضربات محددة ونافذة".
وقال إن أقوى ضربات وجهت من جانب إسرائيل، تلك المتمثلة بالتخلص من القيادات في خطة ممنهجة على كافة المستويات، حتى باتت العناصر تقف مضطربة، مستغربًا غياب عناصر الحزب الجاهزة لاستلام مهام القيادة في نفس وقت الاغتيالات".
وختم قائلاً: "إسرائيل لديها مواقع محددة لحزب الله، وتحديثات لمنصات صواريخه وأماكن قيادات وغرف عمليات في الجنوب اللبناني، باتت صيدًا ثمينًا تم التخلص منها على مدار بضعة أيام، بعد أن أفرغت المدنيين وهجرتهم وجعلت هذه المواقع وقياداتها "عارية" مكشوفة تمامًا أمام الاستهدافات".