حرستا السورية.. نفض غبار الحرب تمهيدًا للعودة وإعادة الإعمار‎
حرستا السورية.. نفض غبار الحرب تمهيدًا للعودة وإعادة الإعمار‎حرستا السورية.. نفض غبار الحرب تمهيدًا للعودة وإعادة الإعمار‎

حرستا السورية.. نفض غبار الحرب تمهيدًا للعودة وإعادة الإعمار‎

عند مدخل مدينة حرستا، ينتظر "خالد" عشرات العائلات التي تتوافد يومياً لتفقد منازلها للمرة الأولى، بعدما أجبرتها سنوات الحرب وجولة الاقتتال الأخيرة في الغوطة الشرقية على النزوح، ليعرض خدماته في رفع الركام وهدم الجدران المتصدعة والتنظيف.

في شوارع المدينة القريبة من دمشق، والتي تحوّل بعضها إلى جبال من الركام وبدا خاليًا من أي حركة للمدنيين، تعمل آليات ضخمة منذ أسابيع على فتح الطرق الرئيسة ورفع الأنقاض وهدم أبنية منهارة في إطار مخطط رسمي لإخراج كميات ضخمة من الأنقاض من المدينة.

ويقول خالد نعمان (35 عاماً)، الذي نزح في العام 2012 من المدينة إلى منطقة التل القريبة، "قبل خروجي كنت أعمل حلاقاً، واليوم أصبحت عاملاً، أنتظر دخول العائلات الوافدة وأعرض عليها خدماتي في التنظيف والترميم".

ويوضح الشاب الأسمر البشرة ذو الذقن الخفيفة، وهو أب لثلاثة أطفال، "أعمل مع ثلاثة أشخاص، عدتنا المطرقة والمقشات وصهريج المياه.. العمل متقطع، ونترك للزبون أن يدفع لنا ما يقدر عليه".

وشهدت حرستا الواقعة شرق دمشق غارات عنيفة خلال سنوات من الحصار، وقصفًا ومعارك إثر هجوم للقوات الحكومية بدأ في الـ 18 من شباط/فبراير وانتهى بسيطرتها على المنطقة في آذار/مارس، بعد إخراج آلاف المقاتلين والعائلات على مراحل إلى الشمال السوري بموجب اتفاقات منفصلة أبرمتها روسيا مع الفصائل المقاتلة.

على غرار خالد، يقول حسن (45 عاماً)، ومعالم التعب بادية على وجهه، "أعمل في نقل الحجارة والتنظيف ونقل مواد البناء".

ويتابع وقد ارتدى قميصاً صوفياً أسود متسخاً بالغبار، أثناء وقوفه قرب واجهة محل يتم ترميمها، "هذا العمل الوحيد المتاح الآن في حرستا لنسترزق منه".

ويعمل حسن الذي لم يغادر حرستا منذ اندلاع النزاع، سائق شاحنة متوسطة الحجم ويساعد خالد في أعمال التنظيف والترميم.

بيتي موجود

في المدينة التي يسد الركام العديد من شوارعها، تبدو أحياء بكاملها مدمرة، بينما تصدعت طوابق وواجهات أبنية وتهدمت أخرى بشكل شبه كامل. وتسير نساء مع أطفال على عجل أو شبان على دراجات هوائية بين الركام، فيما تنعدم أي حركة لسيارات المدنيين الخاصة أو سيارات الأجرة. وتخترق الشاحنات والجرافات الشوارع الهادئة.

وبموجب اتفاق التسوية الذي أنهى المعارك، تم إخراج 4386 شخصاً من سكان المدينة بينهم 1413 مقاتلاً من حركة أحرار الشام الإسلامية إلى الشمال السوري.

وبقي في المدينة، وفق تقديرات مجلس المدينة الذي تولى إدارة شؤونها بعد سيطرة القوات الحكومية عليها، قرابة 15 ألف شخص. ولا يسمح لهؤلاء بالتحرك خارج المدينة بانتظار انتهاء مرحلة "تسوية الأوضاع" التي نص عليها الاتفاق.

ومنذ وقف المعارك، يدخل الآلاف من النازحين لتفقد ممتلكاتهم، بعد التدقيق بأسمائهم عند حاجز أمني على مدخل المدينة.

وكان عدد سكان حرستا يقدر بـ250 ألفاً قبل اندلاع النزاع.

ولا يخفي محمد نعمان (50 عاماً) بعد يوم عمل طويل، فرحته بأن منزله لا يزال قائمًا رغم الأضرار التي لحقت به.

ويقول نعمان، الذي يملك معملًا لصناعة حجارة البناء والمقيم في منطقة التل مع عائلته منذ نزوحه من حرستا في العام 2012، "تفاجأت بأن أكثرية الأبنية مهدمة. صحيح أن منزلي منكوب مقارنة مع ما كان عليه، لكنني سعيد بأنه ما زال موجوداً".

ويضيف "مهما كان، يبقى بيتي غاليًا عليّ".

وتصدَّعت واجهة غرفة الجلوس بشكل شبه كامل، فيما كسا الغبار آنية الزهور التي لا تزال فيها ورود بلاستيكية، وطاولة عليها غطاء ذهبي اللون، بينما سقطت لوحة على الأرض. وخسرت الغرف الأخرى نوافذها وأبوابها.

الحقوق محفوظة

وبدأ محمد المرحلة الأولى من إعادة تأهيل منزله عبر نقل الركام والتراب إلى الشارع الرئيس المجاور.

وطلبت البلدية من السكان نقل الركام إلى الشوارع الرئيسة حيث تعمل آليات وشاحنات تابعة للشركة العامة للطرق والجسور ومرتبطة بوزارة الأشغال العامة والإسكان، على نقلها إلى مكان آخر في المدينة، حيث يتم فرز الحديد منها ثم طحنها تمهيداً لإعادة استخدامها في عمليات البناء المرتقبة، وفق ما يشرح أحد المشرفين على المشروع.

ويوضح رئيس مجلس المدينة "عدنان الوزة"، أثناء عمل آلية ضخمة على إزالة أنقاض الطابقين العلويين المدمرين من مبنى مؤلف من خمس طبقات في حي البستان، "أنه تم ترحيل 110 آلاف متر مكعب من الأنقاض الموجودة في الشوارع، ويبقى ما لا يقل عن 600 ألف متر مكعب" يجب إخراجها.

ويقدر نسبة الدمار الوسطية التي لحقت بالمدينة بنحو40%.

وتشكل إعادة إعمار المناطق المدمرة أحد أبرز التحديات المقبلة أمام الحكومة السورية. ووصفها الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي بأنها "أولى الأولويات".

في حرستا، تشمل عمليات رفع الأنقاض -أيضاً- هدم الأبنية "الآيلة للسقوط والتي تشكل خطراً على السلامة العامة"، وفق ما يشرح الوزة.

وأثار قانون صدر في نيسان/أبريل ويتيح للحكومة السورية إقامة مشاريع عمرانية جديدة ومصادرة أملاك المواطنين، في حال لم يتقدموا بأوراق تثبت ملكياتهم خلال مهلة محددة، جدلاً وانتقادات.

ويؤكد الوزة، أن "أعمال الهدم تحصل بعد أخذ موافقة المالكين". وفي حال عدم وجودهم في المدينة، "حقوق الناس محفوظة وطلبنا تقديم إثباتات الملكية إلى حين إحداث منطقة تنظيمية جديدة".

ويشدد قائلًا "لن يضيع حقّ أحد من أهالي حرستا سواء أكانوا موجودين في الداخل أم في الخارج".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com