"إخوان تونس" يحاولون تجديد لعبة الإسلام السياسي: الشيخة سعاد عبد الرحيم نموذجًا
"إخوان تونس" يحاولون تجديد لعبة الإسلام السياسي: الشيخة سعاد عبد الرحيم نموذجًا"إخوان تونس" يحاولون تجديد لعبة الإسلام السياسي: الشيخة سعاد عبد الرحيم نموذجًا

"إخوان تونس" يحاولون تجديد لعبة الإسلام السياسي: الشيخة سعاد عبد الرحيم نموذجًا

اعتبر رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، فوز مرشحة الحركة للانتخابات البلدية، السيدة سعاد عبد الرحيم بمنصب "شيخ تونس العاصمة" (رئيسة بلديتها) بأنه يضعها شخصيًا على طريق الصعود إلى كل المواقع الكبرى في الدولة، منها رئاستا الحكومة والجمهورية، فمنصب رئيس بلدية العاصمة "أكبر من منصب وزير وأقل من رئيس دولة" كما قال.

حديث الغنوشي الإذاعي، عن معنى وتداعيات فوز "النهضة" التي تشكّل الجناح التونسي لحركة الإخوان المسلمين، برئاسة بلدية العاصمة، جاء أثناء مشاركته يوم الخميس الماضي في احتفال عيد ميلاد ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية بمقر إقامة السفيرة لويز دي سوزا.

وكانت القيادية في حركة النهضة، سعاد عبد الرحيم، قد فازت بمنصب "شيخة مدينة تونس" يوم الثلاثاء الماضي، في "حركة" أثارت جدلًا وتحليلات سياسية تجاوزت شكليات "تأنيث منصب شيخ تونس" كونها المرة الأولى في تاريخ بلدية تونس الذي يصل حوالي 150سنة، التي تصل فيها المرأة إلى منصب "المشيخة".

اختبار توجهات المؤتمر العاشر للحركة

أول تعليق من حركة "النهضة"، على فوز "الشيخة" سعاد، صدر عن القيادي في الحركة لطفي زيتون، وهو يصف فوز حركة النهضة على منافسها حزب "نداء تونس" بأنه "تتويج لانفتاح النهضة وبحثها عن التوافق والنهج الديمقراطي".

وكان زيتون في ذلك يشير إلى الانعطافة الكبيرة التي حصلت في نهج "النهضة" في ختام المؤتمر العاشر الذي عقدته الحركة العام الماضي 2017، وأقرّت فيه برنامج عمل خلافيًا جديدًا يتماثل بدرجة كبيرة مع ما كانت الفروع المحلية للإخوان المسلمين في فلسطين والأردن اعتمدته خلال العامين الماضيين للخروج بتشكيلات الإخوان المسلمين من المأزق الذي كان قد أصاب إخوان مصر في مقتل بسقوط حكم الرئيس محمد مرسي.

ولذلك وُصف نجاح حركة النهضة في تحقيق الفوز بالانتخابات البلدية عمومًا، وتتويجه بمشيخة تونس العاصمة، بأنه اختبار ذو مؤشرات ملموسة على أن الغنوشي يحب أن يعمم الانطباع بأنه قد نجح، ليس فقط في الذي فشل به التنظيم الدولي للإخوان عندما كان مقرّه في مصر، وإنما نجح أيضًا في تجنيب "إخوان تونس" موتًا طبيعيًا كان يترصّد حركة النهضة بعد أن تأكد للتوانسة أن شراكة الإخوان في الحكم طوال السنوات الثلاث الماضية أورثتهم كل هذه الشبكة من الفوضى والبطالة والعجز الاقتصادي والفقر المضطرد.

أسباب غير دينية

لكن  ترشيح وفوز سعاد عبد الرحمن بمشيخة تونس كان مثارًا لجدل كبير في " ميكيافيلية تضارب الأهداف مع الوسائل" التي اتبعها الإخوان المسلمون في الانتخابات البلدية.

أول دواعي الجدل والالتباس المتعمد في إعلان المرشحة سعاد أنها تمثّل "النهضة" لكنها ليست عضوًا فيها، وفي ذلك مخاتلة وصفتها الأحزاب الأخرى بأنه "تقيّة" وذرائعية تبيح المحظورات من أجل الوصول إلى الأهداف السياسية للإسلام السياسي.

سمية ابنة الغنوشي

فسعاد (54 سنة) التي انخرطت عام 1985 في الاتحاد التونسي للطلبة (الذراع الطلابي للإخوان المسلمين)، هي التي ضمّتها حركة النهضة إلى فريقها في المجلس التأسيسي الذي أعدّ دستور ما بعد 2011، ثم كممثلة للنهضة داخل البرلمان، وصولًا إلى ترشيحها عن النهضة لرئاسة بلدية تونس، ومع ذلك فإن "الشيخة" غير محجبة، ومثلها في ذلك عدة مرشحات آخريات على قوائم "النهضة"، وهو ما دافعت عنه سمية الغنوشي، ابنة رئيس إخوان تونس معتبرة (على فيسبوك) أن انفتاح الحركة على مختلف الأطياف التونسية خاصة النساء غير المحجبات كان سبب تفوقها في نتائج الانتخابات.

تسويق لصورة حداثية جديدة

ولم يكن سفور الشيخة سعاد التهمة الوحيدة التي سمعها إخوان تونس في معركتهم للانتخابات البلدية التي وصفها الغنوشي بأنها كانت "حربًا سياسية باردة"، فقد ركبت سعاد موجة الجندرة والمساواة والنطق باسم المرأة والشباب في برنامجها الانتخابي الذي وُصف بأنه تسويق لصورة حداثية جديدة، كجزء من الصورة المؤسسية الجديدة التي يريدها إخوان تونس لحزبهم بعد مؤتمرهم العاشر.

صورة الحداثة والدفاع عن المرأة والحقوق المدنية، كما اعتمدها إخوان تونس، وكانت الانتخابات البلدية أولى اختباراتها التنفيذية، تضمّنت شططًا دينيًا، حسب وصف أحزاب المعارضة، اخترق كل الحدود، فقد سُئلت الشيخة سعاد عن موضوع إغلاق المقاهي في رمضان (درءًا للجهر بالإفطار)، وماذا ستفعل في هذا الأمر بعد أن تولّت مشيخة تونس فقالت: "لدينا حرية لمن يصوم وحرية لمن يجاهر بالإفطار، بشرط عدم المساس بمعتقدات أحد والتعايش" وهو تفسير صدم الكثيرين حتى ممن صوتوا لها في الانتخابات

أما لماذا جازف الغنوشي بكل هذه الاعتبارات الدينية من أجل أن يفوز الإخوان المسلمون برئاسة بلدية تونس العاصمة، فذلك مردّه، حسب ما اتفقت عليه التحليلات السياسية، إلى نقطتين:

الأولى وهي التي أعلنها الغنوشي من أن الانتخابات البلدية "بروفة" مشجعة للانتخابات الرئاسية العام القادم 2019.

والثانية هي أن مناصب الأمانة التي فازت بها "النهضة" ومنها مشيخة العاصمة، فيها من الفرص والإمكانيات المالية والتنظيمية والوظيفية، ما يراهن عليه "إخوان تونس"، من أجل أن يتجاوزوا مأزق الحركة العالمية للإخوان، ويعيدوا سيرتهم القديمة في التغلغل بالمؤسسات الاجتماعية والمنظمات المدنية ويحفظوا لإخوان تونس وظيفتهم "السرية" المعروفة في حرية الحركة بالشرق الأوسط، مروجين للإسلام السياسي بمفردات تكاد تتطابق مع ما هو حاصل في تركيا وماليزيا.

محاولة تجديد أدوات الإسلام السياسي

فرئاسة بلدية تونس تدوم خمس سنوات وتناط بها ثلاث مهام رئيسية هي إدارة المصالح البلدية التي تتصل بحياة كل الناس، ثم الاعتناء بشؤون المدينة، مع المساهمة في التقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمدينة.

التدقيق في هذه الصلاحيات والإمكانيات الواسعة التي ستوضع بيد الإخوان المسلمين، يُفسر لماذا حظيت هذه الانتخابات بكل هذا الجدل السياسي الذي تجاوز الحدود التونسية وفُهم على أنه فصل جديد في إدامة  وتنويع جبهات الحرب  الأممية على الإرهاب وعلى دعاوى الإسلام السياسي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com