الإعلام والشاهد.. معركة "كسر العظام" لقلب النظام في تونس ‎
الإعلام والشاهد.. معركة "كسر العظام" لقلب النظام في تونس ‎الإعلام والشاهد.. معركة "كسر العظام" لقلب النظام في تونس ‎

الإعلام والشاهد.. معركة "كسر العظام" لقلب النظام في تونس ‎

تعيش الساحة التونسية منذ حادثة غرق مركب مهاجرين غير شرعيين على ساحل قرقنة، وما أعقبها من إقالة مفاجئة لوزير الداخلية لطفي براهم، على وقع احتقان سياسي حادٍ ضاعفته وسائل إعلام محلية، جرى اتهامها بـ"التحريض لغرض التموقع، والتأثير في مفاصل الدولة، ومؤسساتها".

وندّدت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري "هايكا" في تونس بتعاطي وسائل إعلام تونسية مع المستجدات المتسارعة، معتبرةً ذلك "تخندقًا مفضوحًا للاستمرار في مخطط التخريب الممنهج للمشهد الإعلامي، بهدف التأثير على مجريات الأحداث، ومفاصل الدولة".

وواجه بيان الهيئة ذاتها انتقادات لغياب الفاعلية في تعاطيها مع "فضائيات متمردة"، واكتفائها بشجب وإدانة انحراف "قناة نسمة" المملوكة لرجل الأعمال البارز نبيل قروي، في توظيف مضامينها الإعلامية في خدمة الأجندات السياسية، لغرض الإطاحة برئيس الحكومة يوسف الشاهد .

"انحراف" الفضائيات

ووجهت الهيئة المكلفة بضبط الفضاء السمعي البصري في تونس، تهمًا خطيرةً إلى مالك "نسمة" نبيل القروي، ومن ذلك "المتاجرة بحادثة غرق مركب المهاجرين السريين قبالة السواحل التونسية، لخدمة طموحاته الشخصية، وتصفية حساباته السياسية مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، نظرًا لمشاكل التهرب الضريبي التي يواجهها".

ووصف الباحث في علوم الإعلام والاتصال، جمال الزرن، موقف الهيئة أنه "بيان على هيئة مقال رأي، في الوقت الذي كان يستوجب منها الأمر تدخلًا صارمًا لفرض إجراءات حازمة تعيد التوازن للمشهد الإعلامي".

وتعجب المدير الأسبق للتلفزيون التونسي الحكومي، محمد الفهري شلبي، من تعاطي الهيئة مع "انحراف الفضائيات"، وأبرز أن ما وصفته الهيئة بــ"التخريب الممنهج للمشهد الإعلامي" يدعو منطقيًّا إلى اتخاذ إجراءات رادعة، إلاّ إذا كانت تخشى ما سمّته "الغطاء السياسي الذي وفّرته لقناة "نسمة" بعض الجهات المتموقعة في الحكم، والتي تراهن على الاستفادة منه في المحطات الانتخابية المقبلة".

مرحلة الضعف

بدوره، أوضح الأستاذ في معهد الصحافة وعلوم الأخبار والصحفي، أمين بن مسعود، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "الهايكا قد دخلت مرحلة الضعف في مستوى البيان والقرار، واستحالت إلى هيئة تسييرية مؤقتة، دون صلاحيات إلى حين انتخاب المجلس الجديد، الذي سيجد ذات الصعوبات القديمة".

وتابع بن مسعود:"البيان الأخير في تقديري الشخصي يمثل دور كاتب الرأي، أو صاحب العمود في مؤسسة إعلامية، وليس دور مؤسسة تعديلية مثل الهايكا".

واعتبر أنه "على الرغم ممّا تمثله الهيئة من جهة رقابية للمشهد الإعلامي، فإن لديها سلطات التدخّل والإشراف على المشهد السمعي والبصري في البلاد، وتجسّد مقولة التعديل والإشراف من غير ارتباط بالفاعل الرسمي - أي الحكومة- ما يمنحها كافة الحقوق في التدخّل التعديلي بمقتضى ما يسمح به القانون المنظّم".

وأضاف بن مسعود:"الهيئة أضحت رهينة تدخل السلطتين التنفيذية والقضائية في صلاحيات التعيين، وصلاحيات التدخل في المضامين الإعلامية، وبمقتضى اعتبار الحروب الإعلامية الحاصلة ضدّها، وطبيعة المرحلة الانتقالية للهايكا، حيث أن مجلس إدارتها الحالي برئاسة الدكتور النوري اللجمي يستعد للرحيل بعد نهاية ولايته، وتسليم المقاليد لمجلس جديد سيتم انتخابه من البرلمان".

وتأسف المتحدث ذاته لكون "السلطات تآكلت بشكل كبير للغاية ليس لأنّ القانون غير موجود، بل لأنّ التطبيق ضعيف، فالهايكا ضعفت بعد الاستقالات العديدة في صفوفها، وبارونات المال والإعلام لا تهتم كثيرًا بالمبادئ الديمقراطية التي تأمر الهيئة بتنفيذها، ولاحظنا أن كثيرًا من الأوامر الصادرة عنها لا تنفذ".

تعطيل "الهايكا"

وأبرز أمين بن مسعود، أنّ السلطة التنفيذية ممثلة في رئاسة الوزراء لم تسمح لـ"الهايكا" بأن "تمارس نفوذها وسلطتها في التعيين، وفي اقتراح رؤساء مجالس الإدارات للمؤسسات الإعلامية العمومية، وبالإمكان رؤية نزيف التعيينات في الإذاعة والتلفزيون الحكوميين، حتّى نفهم أنه لا دور للهيئة فيها، وقد بقيت رهينة بيانات الشجب والإدانة بعد كل تعيين"، وفق تعبيره.

وشدّد أستاذ معهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، على أن جهاز القضاء يقف عائقًا أمام تنفيذ الهيئة لصلاحياتها، وقد تم حظر برنامج "شالوم" الذي يتناول مقالب على علاقة بإسرائيل، دون الرجوع للهيئة، أو الاستناد إلى توجيهاتها.

ودعا إلى أن "يكون للهيئة دور محوري لأنها من ضوابط الانتقال الديمقراطي، مع ضرورة أن يتعاون الصحفيون معها من حيث تغيير ذهنيات ملتصقة بعهد تدخل البوليس، ورجال المال، في مضامين موادهم الإعلامية"، وفق تقديره.

في انتظار المجلس

يذكر أن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري تعيش آخر أيامها، لتفتح المجال أمام مجلس الصحافة الذي "سيتولّى صلاحيات الإشراف والتعديل على الصحافة المطبوعة، والإلكترونية، والراديو، والتلفزيون".

ويتخوف مراقبون، من أن هذا المجلس سيكون ساحة تنافس ونزاع بين الأحزاب السياسية، من جهة وبين لوبيات المال وجماعات الضغط للهيمنة على مفاصل الدولة، ودوائر صنع القرار، في البلاد التي تحضّر نفسها لإجراء ثاني انتخابات رئاسية بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي في 2011.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com