احتجاجات سبتمبر تحرك العملية السياسية بالسودان
احتجاجات سبتمبر تحرك العملية السياسية بالسوداناحتجاجات سبتمبر تحرك العملية السياسية بالسودان

احتجاجات سبتمبر تحرك العملية السياسية بالسودان

الخرطوم -اليوم وبعد مرور عام على الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت بالسودان في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، إلا أنها ظلت المحرك الأساسي للعملية السياسية والتي تدور منذ يناير/كانون الثاني الماضي في فلك دعوة الحوار التي وجهها الرئيس عمر البشير لمعارضيه ولا يشكك أحد في أن الاحتجاجات كانت دافعة إليها.

ورغم أن البشير واجه سلسلة من الاحتجاجات الشعبية منذ وصوله للسلطة عبر انقلاب عسكري مدعوما من الإسلاميين في 1989 ، إلا أن احتجاجات سبتمبر/ أيلول الماضي، كانت الأقوى التي يواجهها وتسببت في انشقاق حزبه الحاكم.

وتعود الاحتجاجات التي اندلعت شرارتها في مدينة (ود مدني) بوسط البلاد، صبيحة 23 سبتمبر/ أيلول 2013، وتمددت منها إلى بقية المدن والأرياف وكانت أشرسها في العاصمة الخرطوم إلى خطة تشقف حكومية شملت رفع الدعم عن الوقود ما ترتبت عليه زيادة في الأسعار تتراوح ما بين 65 – 95 % وخفض قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار بنسبة 30 %.

وخلفت الاحتجاجات التي استمرت نحو أسبوعين 86 قتيلا، بحسب الإحصاءات الرسمية و200 قتيل، بحسب إحصائية منظمة العفو الدولية، وهو رقم قريب من الذي أورده تحالف المعارضة الذي اتهم الأجهزة الأمنية بإطلاق الرصاص الحي على المحتجين.

ورغم نفي الحكومة المطلق لأن تكون أجهزتها الأمنية تورطت في قتل المتظاهرين وتحويل الاتهام لعناصر تابعة للحركات المسلحة قالت إنها "اندست" وسط المحتجين إلا أنها لم تتوان في اتخاذ إجراءات وقائية من تجددها، خصوصا مع تفاقم الأزمة الاقتصادية.

فالحكومة أصلا اضطرت لتبني خطة التقشف لتغطية العجز، الذي خلفه انفصال جنوب السودان في يوليو/تموز2011 واستحواذه على 75 % من حقول النفط، كانت تمثل أكثر من 50 % من الإيرادات العامة و80 %من مصادر العملة الصعبة لهذا البلد الذي يستورد غالبية حاجياته من الخارج.

وسرعان ما بدأ قادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم الحديث عن "خطة إصلاحية شاملة" لكل الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والدبلوماسية.

ولم تكن خطة الحزب الحاكم الإصلاحية لتفادي السخط الشعبي فحسب بل كانت تهدف أيضا لتماسك الحزب بعيد انشقاق التيار الإصلاحي بداخله والذي يقوده مستشار الرئيس السابق غازي صلاح الدين وتكوين حزب جديد احتجاجا على "قمع الأجهزة الأمنية للمحتجين".

ووسط تشكيك من المعارضة في جدية الحزب الحاكم، أقدم الرئيس البشير على إجراء تعديل وزاري غير مسبوق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أطاح فيه بكبار معاونيه من الإسلاميين، والذين ظلوا يتنقلون في المناصب الوزارية على مدار 25 عاما من حكمه.

وأبرز الذين أطاح بهم البشير هم نائبه الأول علي عثمان محمد طه ومساعده نافع علي نافع واللذين ينظر إليهما كأقوى رجلين في النظام ومن القيادات التاريخية للحركة الإسلامية التي تمثل مرجعية فكرية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم والذي يرأسه البشير.

وقالت قيادات بالمعارضة وقتها إن البشير الذي يتمتع برتبة مشير في الجيش يريد أن يحمل حلفاءه الإسلاميين مسؤولية الفشل الذي لازم مسيرة حكمه.

وفي 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، دعا البشير أحزاب المعارضة والحركات المسلحة وعددها 4 تحارب الحكومة في 8 ولايات من أصل 18 ولاية سودانية إلى حوار وطني شامل بناء على 4 محاور هي "وقف الحرب وتحقيق السلام، المجتمع السياسي الحر، محاربة الفقر، وإنعاش الهوية الوطنية".

وتسببت الدعوة في انقسام الفصائل المعارضة حيث أعلن كل من حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي والمؤتمر الشعبي بزعامة الإسلامي حسن الترابي وحزب الإصلاح الآن المنشق عن الحزب الحاكم بزعامة غازي صلاح الدين قبول الدعوة بينما رفضتها بقية الأحزاب والحركات المسلحة.

ورهنت الفصائل الرافضة لدعوة الحوار قبولها بتنفيذ أربعة شروط منها "وقف الحرب وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وقيام فترة انتقالية تديرها حكومة قومية تتولى الإشراف على صياغة دستور دائم للبلاد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة".

وأبرز الأحزاب التي رفضت الدعوة هي الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب المؤتمر السوداني وثلاثتها تتمتع بثقل نوعي في أوساط المهنيين والمثقفين والشباب والطلاب وتتمتع بعلاقات جيدة مع الحركات المسلحة التي تعمل ضمن تحالف عسكري منذ نوفمبر/ تشرين ثاني 2011 بإسم الجبهة الثورية.

وفي محاولة لحشد الدعم لعملية الحوار، أصدر البشير في أبريل/ نيسان الماضي حزمة قرارات قال إنها لرغبته "الصادقة" في إنجاح الحوار شملت السماح لكل القوى السياسية ممارسة نشاطها بحرية وضمان حرية الإعلام وتوفير الضمانات "الكافية والمناسبة" لقادة الحركات المسلحة للمشاركة في عملية الحوار بالداخل.

وبالفعل شرعت أحزاب المعارضة بما فيها الرافضة لدعوة الحوار في عقد مؤتمرات جماهيرية بالميادين العامة دون أن تعترضها الأجهزة الأمنية وحظيت أنشطتها بتغطية غير مسبوقة في وسائل الإعلام الرسمية، وخففت كثير من القيود المفروضة على الصحف المستقلة.

ووسط انتعاش الحراك السياسي، أقدمت السلطات في خطوة مفاجئة على اعتقال الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي أكبر أحزاب المعارضة بالبلاد في مايو/ أيار الماضي، على خلفية انتقادات قاسية وجهها لقوات الدعم السريع التابعة لجهاز المخابرات وتساند الجيش في حربه ضد المتمردين بإقليم دارفور غربي البلاد.

واحتجاجا على اعتقال المهدي الذي أفرج عنه بعد نحو شهر، أعلن حزب الأمة القومي انسحابه من عملية الحوار الوطني وهو ما منح مصداقية أكبر للقوى الرافضة للحوار .

وفيما أرجع خبراء وقتها اعتقال المهدي لوجود "تيار داخل الحزب الحاكم رافض للحوار" اعتقلت السلطات أيضا في يونيو/ حزيران الماضي إبراهيم الشيخ زعيم حزب المؤتمر المعارض، أحد أبرز الأحزاب الرافضة للحوار لذات الأسباب التي اعتقل بها المهدي وأفرج عنه في سبتمبر/ أيلول الحالي بعد 100 يوم من الاحتجاز.

وتبع ذلك إجراءات استثنائية أخرى مثل اعتقال عشرات الناشطين وإطلاق سراحهم في فترات متفاوتة ومصادرة نسخ من صحف وتعليق صدور صحيفة الصيحة المستقلة لأجل غير مسمى بقرار "شفاهي" من جهاز الأمن كما قال رئيس تحريرها ياسر محجوب.

وفي 8 أغسطس/ آب الماضي وبعد يومين من المداولات في العاصمة الفرنسية باريس، وقع الصادق المهدي مع زعماء الحركات المسلحة المتكتلة في تحالف الجبهة الثورية اتفاقا أطلق عليه "إعلان باريس" وشمل شروطا مشتركة لقبول دعوة الحوار.

وحذر الطرفان حزب المؤتمر الوطني الحاكم من لجؤهما بالتنسيق مع كل القوى السياسية بالبلاد إلى خيار "الانتفاضة شعبية" ما لم يستجب لشروطهما للحل السلمي وأبرزها وقف الحرب وكفالة الحريات العامة وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين السياسين.

وفي 13 أغسطس/ آب الماضي إعتقلت السلطات مريم إبنة ونائبة رئيس حزب الأمة الصادق المهدي فور عودتها من باريس حيث إجتمعت بجانب والدها مع زعماء الحركات المسلحة.

ومع تعثر عملية الحوار باعتقال مريم ومد أمد اعتقال زعيم حزب المؤتمر المعارض إبراهيم الشيخ دون تقديمه لمحاكمة، وسع الاتحاد الأفريقي الشهر الماضي تفويض الوسيط ثابو أمبيكي رئيس جنوب أفريقيا السابق ليشمل المساعدة في إنجاح عملية الحوار الوطني بجانب وساطته بين الخرطوم وجوبا والخرطوم ومتمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال إحدى فصائل الجبهة الثورية.

وشرع أمبيكي في إجراء مشاورات منفصلة خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري بالعاصمة الأثيوبية أديس ابابا مع مجموعة إعلان باريس وآلية (7+7) والتي تضم ممثلين للحزب الحاكم وأحزاب المعارضة التي قبلت دعوة الحوار وأبرزها حزب الترابي وحزب الإصلاح الآن المنشق من الحزب الحاكم بجانب عدد من أحزاب المعارضة الصغيرة.

وانتهت المشاورات إلى أن يوقع أي طرف على حدة مع أمبيكي إعلان مبادئ للحوار استجابة لجزء من مطالب المعارضة مثل كفالة الحريات وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين السياسين.

وفي العاشر من الشهر الحالي، زار أمبيكي الخرطوم وحصل على تعهد من البشير بالإفراج عن المعتقلين السياسين وفي صدارتهم إبراهيم الشيخ "لتهئية المناخ للحوار" وهو ما تم فعليا بعد أيام حيث أفرج عن الشيخ بجانب عدد من كوادر حزبه.

وكانت السلطات قد استبقت زيارة أمبيكي بالإفراج عن مريم المهدي قبل أيام من وصوله الخرطوم.

والأسبوع الماضي، أعلن مجلس السلم الأفريقي مجددا تأييده لجهود الوسيط أمبيكي لإنجاح الحوار الوطني وأجاز مقترحه بعقد اجتماع يضم كل الأطراف في أديس أبابا بهدف "بناء الثقة"، دون أن يتطرق صراحة للمكان الذي ستعقد فيه جلسات الحوار.

وبينما يشترط الحزب الحاكم عقد الحوار بالداخل، تتمسك الحركات المسلحة بعقده بالخارج بحجة عدم ثقتها في نوايا الأول.

ووسط تفاؤل حذر من كافة الأطراف يحذر خبراء من أن فشل عملية الحوار الوطني ستدخل البلاد في موجة احتجاجات على غرار احتجاجات سبتمبر/ أيلول الماضية كما يشير إلى ذلك الطيب زين العابدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم.

وأضاف زين العابدين "إحتجاجات سبتمبر هي التي دفعت الحزب الحاكم للحوار وفشله يعزز من فرص تجدد الإحتجاجات لأن أسباب اندلاعها ما تزال متوفرة من ضائقة معيشية وكبت للحريات وفساد وتفشي الحروب الأهلية".

وحول الدعوات التي أطلقتها عدد من المجموعات الشبابية المناهضة لحكومة البشير للخروج في تظاهرات بالتزامن مع الذكرى السنوية لاحتجاجات سبتمبر/ أيلول، قال "لا أظن أنها ستحظى باستجابة لأن هناك شروطا لازمة غير متوفرة الآن لهذه المجموعات ومن بينها تبني أحزاب المعارضة لها للمساهمة في تنظيمها وقيادتها".

ويرى مراقبون أن من أسباب فشل احتجاجات سبتمبر/ أيلول الماضي بجانب قمع الأجهزة الأمنية لها هو افتقارها للتنظيم والقيادة، حيث لم تشارك فيها أحزاب المعارضة الرئيسية بفعالية، والتي حدت من حركتها حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت كوادرها.

ورأى أستاذ العلوم السياسية أنه "حتى أحزاب المعارضة التي تشارك في الحوار، يشكك قادتها في جدية الحزب الحاكم ومع ذلك فإن خيار الانتفاضة الشعبية يحتاج لوقت ومجهود وتعاون أوسع بين المجموعات الشبابية وأحزاب المعارضة لبناء الثقة المنعدمة بينهما".

ويتفق زين العابدين مع قيادات معارضة تتهم "تيار داخل الحزب الحاكم بعرقلة الحوار خصوصا قادة الأجهزة الأمنية الذين سيفقدون كثيرا من صلاحياتهم ومخصصاتهم في حال التوصل لتسوية سياسية".

وحذر الحزب الحاكم من مغبة تعثر عملية الحوار قائلا "الحكومة ليست لديها بدائل لعالجة أزمات البلاد غير الحوار وإذا لم تدفع مستحقاته عليها إنتظار إحتجاجات أقوى تضطرها لدفع تنازلات أكبر".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com