ريشة وآذان صاغية.. هكذا تتم إعادة تأهيل ضحايا أشبال "خلافة داعش"
ريشة وآذان صاغية.. هكذا تتم إعادة تأهيل ضحايا أشبال "خلافة داعش"ريشة وآذان صاغية.. هكذا تتم إعادة تأهيل ضحايا أشبال "خلافة داعش"

ريشة وآذان صاغية.. هكذا تتم إعادة تأهيل ضحايا أشبال "خلافة داعش"

رغم أن العادة جرت أن يرسم الأطفال الذين مروا بأهوال الحرب صور ما عايشوه من دمار وعنف، لكن من يصورون أنفسهم في أدوار الجناة منهم قلة قليلة؛ فإن قلة لا تذكر منهم، يصورون أنفسهم في دور الفاعلين.

من هؤلاء صبي عمره 14 عامًا وصل حديثًا إلى مخيم في شمال العراق، فقد كان ما رسم المرة تلو المرة من أحزمة ناسفة وسيارات ملغومة وعبوات ناسفة هو ما صنعه بنفسه واستخدمه تنظيم داعش في مهاجمة المدنيين والقوات في العراق وسوريا.

ويظهر في إحدى رسوماته وهو يقتل رجلًا بوابل من الرصاص ويقول إنه فعل ذلك في الواقع خلال السنوات الثلاث التي قضاها كطفل مقاتل جنده التنظيم قسرًا.

ويقول الصبي إنه تعرض للخطف من مدينته اليزيدية في شمال العراق واعتاد سماع دوي القنابل المتساقطة على الرقة معقل التنظيم الرئيس في سوريا مع اقتراب القوات منها في العام الماضي.

وقال وهو يشير إلى جرح رصاصة في مقدمة الساق "هنا أصبت بالرصاص وأنا أحارب قوات سوريا الديمقراطية" مشيرًا إلى المجموعة المدعومة من الولايات المتحدة.

وأخفت رويترز اسم الصبي حتى لا يتعرض للعقاب.

إعادة تأهيل

ويمثل إتاحة الوقت له للرسم والحديث عن تجربته جزءًا من برنامج العلاج لمساعدته على مواصلة حياته وحمايته والآخرين من أذى دائم.

وتشير تقديرات إلى أن تنظيم داعش استخدم مئات الأطفال كمقاتلين منهم صبية انضموا إليه مع أسرهم أو سلمتهم أسرهم ومنهم أبناء المقاتلين الأجانب الذين أعدهم التنظيم منذ ولادتهم للحفاظ على استمرارية أفكاره العقائدية.

وقد حذر خبراء من أن الأطفال الذين تم تلقينهم هذه الأفكار وبدأوا يهربون من قبضة التنظيم مع تراخي قبضته على الأراضي التي كانت تحت سيطرته العام الماضي قد يشكلون خطرًا مستمرًا على الأمن على المستوى الإقليمي وفي الغرب إذا لم تتم إعادة تأهيلهم.

ضحايا أم مجرمون؟

المتاح لهؤلاء من رعاية متخصصة قليل في العراق حيث يبلغ الحد الأدنى لسن المسؤولية الجنائية تسع سنوات.

وقد أوضح تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها أن الحكومة احتجزت عشرات الأطفال وحاكمتهم بسبب الشبهات التي ربطتهم بالتنظيم.

ويؤكد الطبيب النفسي نايف جوردو قاسم الذي يعالج الأطفال في مخيم روانكة للاجئين بالقرب من دهوك أنهم "ضحايا لا مجرمون" ويجب التعامل معهم على هذا الأساس.

ويسلط المدرس اليزيدي هوشيار خديدة سليمان الضوء على حجم هذه المهمة بروايته حكاية صبي من تلاميذه التأم شمله بأسرته خلال الخريف.

يقول سليمان "كان يصرخ أنهم كفار وأنه يفضل الموت بدلًا من أن يكون واحدًا منهم".

وعندما اجتاح المتشددون المدن والقرى اليزيدية في عام 2014 بلغ عدد من قتلهم التنظيم واستعبدهم أكثر من 9000 من البالغين والأطفال فيما وصفته الأمم المتحدة بحملة إبادة جماعية استهدفت تلك الأقلية التي يصفها التنظيم بالكفر.

باع التنظيم فتيات ونساء وزوج بعضهن لمقاتليه ودرب الصبية لضمهم إلى صفوف من وصفهم بأشبال الخلافة ونشر مقاطع فيديو لهم وهم يرتكبون فظائع باسم الإسلام.

وعاد معظم الأطفال لا إلى بيوتهم بل إلى مخيمات النازحين في شمال العراق حيث يعيشون مع أسرهم بعد أن أصبح آباؤهم في عداد المفقودين أو قتلوا على أيدي المتشددين.

مرارة وطفولة مسروقة

قال قاسم "كل شيء تغير أثناء وقتهم بيد داعش... إذا (كانوا) يتذكرون أي شيء من حياتهم قبل".

ومما يزيد الطين بلة وطأة ما مروا به.

وأضاف قاسم "هؤلاء الأطفال شافو (شاهدوا) داعش يقتل عائلاتهم أو خطفهم داعش وضربهم وغسل دماغهم.

"وفي منهم شهدوا ذبح. أجبروهم داعش على القتل أو اغتصبهم عدة مرات لسنوات".

ويعمل قاسم لحساب منظمة ياهاد إن أونوم وهي ضمن قلة من المنظمات الأهلية الدولية التي أنشأت مركز الأطفال في المخيم حيث يتلقى الأطفال علاجًا نفسيًا يتراوح من جلسات التحدث إلى العلاج بالفن.

وقال قاسم إنهم يأتون أيضًا للعب "ليتذكروا كيف يكونون أطفالاً".

ذكريات

يعمل مركز قاسم الذي بدأ عمله منذ ستة أشهر على معالجة 123 طفلًا في الوقت الحالي بين بنات وصبية كلهم دون سن الثمانية عشرة وعادوا جميعا في الآونة الأخيرة من أراض كانت تحت سيطرة تنظيم داعش.

قال قاسم "أول ما يعودون من يد داعش، الأطفال يمكن أن يكونوا غاضبين وعنيفين ومشوشين" مضيفًا أن كثيرين منهم أجبروا على نسيان لغتهم الكردية الأصلية.

وأضاف "سرعان ما يصبح هذا القلق والاكتئاب العميق، حيث تبدأ الصدمة".

ويتولى المركز إعداد برنامج علاجي لكل طفل يشتمل على جلسات علاج فردية وجماعية.

وقال قاسم "نعمل على التراجع (ب)الأطفال من غسيل الدماغ الذي مروا به على سنوات".

وأضاف "نريد أن ينسوا السنوات الماضية و يبدأوا من جديد".

وقال إن كل الأطفال الذين عالجهم نجحوا في التخلص من الأفكار التي تم تلقينها لهم مضيفًا "ماكو (ما من) طفل لا نقدر نساعده".

وتعتبر الحداثة النسبية لبرامج تغيير الأفكار المتطرفة سببًا لاختلاف الآراء حول مدى فاعليتها.

وتقول ليلى علي المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في العراق التي تدعم مثل هذه الخدمات إن إعادة التأهيل "أمر ممكن بكل تأكيد".

ومن الصعب الوصول إلى بعض الأطفال دون غيرهم لا سيما من نسوا الحياة قبل التنظيم.

طفل هارب

أحد هؤلاء طفل عمره عشر سنوات تم تهريبه من سوريا قبل ثلاثة أسابيع ونصف الأسبوع ويعيش منذ ذلك الحين مع عمه في المخيم.

كان خجولًا في البداية ثم تحول إلى شعلة من النشاط عند وصف ما حققه من "إنجازات" خلال فترة التدريب التي قضاها كمقاتل في دير الزور في سوريا وقال إنه ليس واثقًا مما إذا كانت حياته الحالية أفضل حالًا.

يقول قاسم إنه يبدي حيرة فيما إذا كان يجب عليه أن يشجب ما تعلمه من تنظيم داعش. ويتسلل هو وأطفال آخرون للصلاة في دورات المياه إذ أنهم غير مقتنعين بأنهم لن يواجهوا مشاكل مع التنظيم لعدم أداء واجباتهم الدينية.

ويقول إنه يأمل أن يعود هذا الطفل إلى حالته الطبيعية قريبًا.

ويواجه البعض إذلالًا لدى عودته. فقد قال مقاتل سابق أصبح الآن في الخامسة عشرة من عمره "مجبور عيش مع أقاربي لأن والدي قالوا إنهم لن يقبلوني أبدًا بسبب ما عملت مع داعش".

وقاسم هو الطبيب النفسي الوحيد في مركزه والمهمة الملقاة على عاتقه ثقيلة. إذ يقول "صعب جدًا  أن أسمع الأطفال يحكون بهذه قصصهم... الاغتصاب، القتال، الذبح... في حياتي لم أسمع أبدًا شيئا مثل هذه الأهوال".

وفي ضوء عدم كفاية المتاح من الأموال أو حتى خارطة طريق تدخل بعض أفراد المجتمع للمساعدة بطرقهم الخاصة.

ويهدف سليمان لإعادة تأهيل الأطفال اليزيديين في مخيم شاريا بالقرب من دهوك بإعادة الصلة بينهم وبين ديانتهم اليزيدية.

وفي عصر يوم مطير في أواخر فبراير شباط جاء الأطفال إلى فصلهم الدراسي بملابسهم التقليدية التي سلمها لهم فللبنات فستان وشال أبيض وعقال بخطوط سوداء وذهبية وللصبية سراويل وصدرية بذات اللون مع كوفية من اللونين الأحمر والأبيض.

وقال سليمان "شيء بسيط ولكن الملابس هي تذكيرهم أصولهم".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com