هل تصبح تونس الدولة العربية التي تقودها امرأة؟
هل تصبح تونس الدولة العربية التي تقودها امرأة؟هل تصبح تونس الدولة العربية التي تقودها امرأة؟

هل تصبح تونس الدولة العربية التي تقودها امرأة؟

تونس - لئن كانت مُؤسِسة قرطاج (شمال شرق تونس) في القرن التاسع قبل الميلاد، هي الملكة عليسة، القادمة من لبنان، وكانت الملكة ديهيا بنت تابنة المشهورة بلقب "الكاهنة" قادت حربا ضد الفاتحين المسلمين في القرن الثامن الميلادي، وبرزت عزيزة عثمانة، كمصلحة اجتماعية أواخر القرن السابع عشر، فإن فترة بناء الدولة الحديثة بعد خروج الاستعمار الفرنسي عن تونس عام 1956 لم تبرز فيها أي امرأة في موقع قيادي كبير في الدولة، خاصة في منصبي رئيس الدولة ورئيس الحكومة.



ورغم إقرار عدد من قوانين الأحوال الشخصية من قبل الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة بهدف "تحرير المرأة"، والدعاية التي عمد إليها نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي لنفسه في هذا الاتجاه، فإن المرأة لم تصل إلى درجة الفعل السياسي المؤثر في الحياة العامة، بل لم تقدم أية امرأة على الترشح للانتخابات الرئاسية في الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 التي أطاحت ببن علي، وهي الثورة التي أفسحت المجال للجميع للمشاركة في الحياة العامة وزاد من طموح المرأة التونسية أكثر وجعلها تُفكّر في مناصب أكثر مسؤولية.

ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الذي يحدد ساكن قصر قرطاج الرئاسي في تونس، برزت إلى الآن قائمة أولية بأربع نساء رشحن أنفسهن لهذه الانتخابات، وهن: الخبيرة الاقتصادية وأستاذة الاقتصاد الدولي، ليلى الهمامي، ورئيسة حزب الحركة الدّيمقراطية للإصلاح والبناء (يعرف نفسه بأنه وسطي معتدل)، آمنة القروي، والقاضية والرّئيسة السابقة لجمعية القضاة (تجمع نقابي للقضاة غير حكومي)، كلثوم كنو، إضافة إلى رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية (مركز بحثي يعرف نفسه بأنه منظمة غير حكومية)، بدرة قعلول.

وتقول الخبيرة الاقتصادية والأستاذة في الاقتصاد الدولي، ليلى الهمامي،: "ترشح المرأة للرئاسيات حق يكفله الدستور"، مبينة أنها "لاحظت الكثير من النزاعات والخطابات الحزبية التي قسمت التونسيين بدل توحيدهم حسب أيدلوجيات وثقافات وأفكار معينة وهو ما يثير القلق والريبة بعد أن كان شعبا متنوعا ومتجانسا على مدى التاريخ".

وترى الهمامي أيضاً أن "المرحلة تتطلب شخصا مستقلا سواء كان رجلا أو امرأة تجتمع فيه كل الصفات التي توحد التونسيين الذين كان لهم دور ريادي زمن الثورة".

وعن الأسباب التي جعلتها تفكر في الترشح للرئاسة تقول الهمامي إنه "في 2014 كان ثلثا الناجحين في المناظرات الوطنية (اختبارات التشغيل الحكومية) من الإناث إضافة إلى خريجي الجامعات الذين مثلت الإناث أكثر من 70 بالمائة منهم، وبالخصوص المعاهد العليا، فوضع المرأة التونسية متميز ومن الطبيعي أن يترجم هذا في الشأن العام وفي الحياة السياسية وهو أمر طبيعي وليس بغريب ينبع من تاريخ تونس التي تجاوزت مرحلة مناقشة مدى تمتع المرأة بحقوق تجعلها في الصف نفسه مع الرجل، ذلك المجتمع اليوم ينظر الى مساهمتها في المجال السياسي بكل تقدير واحترام وإن ترشحها هو انسجام تام مع هذه الثقافة الرائجة في تونس".

أما عن برنامجها الانتخابي تتحدث ليلى الهمامي قائلة إنه "ليس برنامجا حزبيا بل هو يمثل رؤية لتونس من الفترة الممتدة من 2020 و2025 وسيركز على مجالات اقتصادية واجتماعية وسياسية".

كما تقول الهمامي إنها فخورة كونها تترشح "إلى جانب ثلة من النساء التونسيات إلى المنصب نفسه"، وهي لا تعتبرها منافسة بل ترغب لو يترشح أكبر عدد من النساء "ليبرزن مكانة المرأة في المجتمع".

أما آمنة منصور القروي وهي رئيسة حزب الحركة الديمقراطية للإصلاح والبناء تعمل منذ ثلاث سنوات في المجال السياسي رغم أنها من عائلة سياسية تروي أسباب إقدامها على الترشح في الانتخابات الرئاسية فتقول إن قاعدة حزبها والمنخرطين ضمنه وأنصاره "يدعمون المرأة باعتبارها تحظى بمكانة مرموقة في تونس وموقع سياسي هام فهي تعتلي أسمى الدرجات والمستويات من التعليم والثقافة والعلم والفلاحة والطب وغيره، ولكن دورها السياسي بقي مختصرا على حقيبة وزارة المرأة وهو ما دفع بها إلى التجرؤ أكثر والمشاركة في السباق الانتخابي".

وتضيف القروي أنها "تؤمن بالخبرات النسائية ومن الممكن أن تخدم مصلحة البلاد وتوحد صفوفه وتحقق الاستقرار الأمني وتنظر في مسائل اجتماعية متعلقة بغلاء المعيشة والمقدرة الشرائية التي اضرت بالفقير وفي قضايا اقتصادية لاسيما دعم المستثمر التونسي قبل الأجنبي ومده برؤية اقتصادية واضحة فضلا عن ضرورة تقوية الإدارة التونسية التي لم تعد فيها قرارات واضحة وقوية قادرة على أن تتقدم بالمسار الانتقالي بالإضافة إلى تطوير علاقات تونس الخارجية والدبلوماسية".

وتعتبر كذلك أن "المرأة التونسية هي أم وأخت وزوجة وهذا ما سيجعلها قادرة على التوفيق بين حياتها العائلية وشعبها من أجل خدمة مصلحة الوطن لا خدمة مصالح المرأة فقط كثيرا ما تحاول المرأة تحاول أن توفق بين كل شيء وأن تكون عادلة في هذا الوفاق وتشريك ذوي الاختصاص في كل المجَالات ولا تقصي أي جهة أو أي طرف سياسي".

وتوضح القروي: "نحن نبني ديمقراطية وتعددية وهي احترام الفكر الآخر والتحاور معه واكتساب القدرة على إقناعه، وصحيح أنه هناك جهات ترى أن المرأة لا يمكن أن تكون في مواقع قرار ومناصب مرموقة وحساسة في حين أن تاريخ تونس حافل بالنساء اللاتي برزن سياسيا منذ عهد عليسة إلى الكاهنة، وهي ردود أفعال متوقعة فهناك من هم مع أو ضد، وهذه هي الديمقراطية ويجب قبولها كما هي".

وتؤكد القروي في السياق ذاته أن "حظوظ النساء المرشحات لمنصب الرئاسة ستكون وافرة وطيبة فالتونسي يرى أن المرأة التونسية ناجحة وأنها ستحقق أهدافا عديدة لمصلحة الشعب التونسي من أبرزها توحيده والعمل على بناء البلد وإصلاحه".

وتعقيبا على ترشح نساء تونسيات لمنصب الرئاسة تقول رئيسة الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين (غير حكومية) المحامية سعيدة العكرمي: "صحيح أن المرأة في تونس لم تأخذ حقها كاملا ولكنها قادرة على أن تتميز في مراكز القرار وأن تشرف على بلاد بأكملها وهي اليوم تسير أكبر المؤسسات من اتحادات ومنظمات وأحزاب سياسية وبالتالي ما من عائق يمنعها من أن تتبوأ منصب رئاسة الجمهورية وهي لن تقدم خدمات فقط للمرأة بل للبِلاد ككل لأنه منصب عالي دون أي تمييز بين الجنسين ولا بين الأفكار والأيديولوجيات".

وتضيف العكرمي أن "المرأة قادرة أن تعبر عن توجهات كل التونسيين دون استثناء وأن تجمع كل الأطراف السياسية ومختلف الأحزاب باعتبارها ستكون فوق كل شيء وأمام مسؤولية كبيرة فهو منصب ليس بالهين."

وتشير إلى أن "التونسيين يؤمنون بنجاح تجربة المرأة في عديد المجالات والقطاعات ولديه ثقة في أن المرأة تعطي من وقتها وكل جهدها في سبيل أن تتقدم ببلادها وتأخذها إلى الأفضل."

وتتابع: "نجاح السيدات اليوم في هذه المعركة الانتخابية مشروط بتشغيل ماكيناتهم الانتخابية فيجب أن تقمن بعملية حشد كبيرة وأن تتصلن بأعماق تونس حتى تكن قريبات منهم وتبين برامجهن على أكمل وجه وتربح أصوات الناس هناك كما يجب القيام بحملة انتخابية كبرى ومدروسة بالشكل الجيد وفق عمل جبار ودؤوب وإعداد برنامج يتماشى وأهداف الثورة ويقطع مع كل ما هو استبداد واضطهاد للمرأة والرجل على حدّ السواء".

أما جمعية النساء الديمقراطيات (غير حكومية) فترى أن ترشح نساء تونسيات لهذا المنصب وعلى الرغم من أنها بادرة غير معهودة أمر معقول جدا لأنهن جديرات ولديهن من الكفاءات ما يجعلهن قادرات على خوض مثل هذه التجارب واعتلاء أبرز المناصب على عكس ما يتصوره البعض.

وتقول رئيسة الجمعية سعيدة راشد إنها "فرصة جيدة حتى تبرز المرأة التونسية وتشارك الرجل في أخذ القرار فكثيرا ما برزت النساء في نضالات عدة في الجامعة والنقابات والجمعيات والأحزاب وغيرها وهذا شرف لكل امرأة."

وتضيف سعيدة راشد "صحيح أن المجتمع التونسي مجتمع ذكوري بالأساس ولكن استطلاعات عديدة للرأي أظهرت أن نسبة كبرى من المجتمع مستعدة أن تعطي صوتها للمرأة ويحملها هذه المسؤولية الصعبة".

وتواصل أن "المرأة ستدخل هذه التجربة عن جدارة وهي قادرة على الفوز رغم أن النتائج غير مضمونة مائة بالمائة خاصة مع وجود أسباب وعوامل عديدة اجتماعية بالأساس ولاسيما أن العقلية تقر بأن الرجل مؤهل طبيعيا لمثل هذه التجارب".

وعن ردود الأفعال التي عقبت مسألة إعلان عدد من النساء عن ترشحهن للرئاسيات صرحت راشد أنه "من أكثر انتقادات التي حدثت وأثارت جدلا كبيرا ما قاله وزير الشؤون الاجتماعية السابق والقيادي بحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات إن تونس ليس فيها نساء قادرات على توحيد المجتمع التونسي، وفي ذلك ضرب لكرامة النساء ومكانتها فهي أبرزت في كثير من المناسبات أنها اكثر كفاءة من بعض الرجال الي حكموا تونس لذلك وما من داع اليوم أو سبب لإقصاء النساء".

وصادق المجلس التأسيسي التونسي، مؤخراً، على قانون يُحدّد يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل لتنظيم الانتخابات التشريعيّة ويوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني لتنظيم الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com