بعد الحرب الوحشية في سوريا...ما مدى استعداد المنطقة للتعامل مع نظام الأسد؟
بعد الحرب الوحشية في سوريا...ما مدى استعداد المنطقة للتعامل مع نظام الأسد؟بعد الحرب الوحشية في سوريا...ما مدى استعداد المنطقة للتعامل مع نظام الأسد؟

بعد الحرب الوحشية في سوريا...ما مدى استعداد المنطقة للتعامل مع نظام الأسد؟

رأت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية أنه بعد 6 سنوات من الدمار وإراقة الدماء باتت مسألة قبضة رئيس النظام السوري بشار الأسد على السلطة أمرا مضمونا، وهو ما يثير العديد من التساؤلات ويجعل الدول المجاورة لسوريا تبدأ التفكير في طريقة للتعامل مع دمشق في ظل وجوده؟

واعتبرت الصحيفة أن المسألة بالنسبة لجيران سوريا هي أكثر من كونها تكتيكية، لأن هذه الحرب أحدثت اضطرابا في كل المنطقة وقتلت حوالي نصف مليون سوري، واختفى حوالي 117 ألفا آخرين، وتشرد في داخل البلاد 6 ملايين مدني سوري، وهاجر إلى الدول المجاورة وإلى أوروبا حوالي 4.8 مليون شخص.

 وتساءلت الصحيفة: هل يمكن لقادة المنطقة تجاهل الإرث الوحشي لبشار الأسد بعد استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وإنفاق الدول الاقليمية المعارضة له  لمئات الملايين من الدولارات على قوات المعارضة التي عملت على الإطاحة به من السلطة، هل يمكن لهذه الدول استئناف العلاقات بعد انتهاء الحرب؟

وأوضحت أن الحرب في سوريا لم تنته بعد، ولكن بشار الأسد يسيطر الآن على 60% فقط من أراضي سوريا، ويرجع الفضل في ذلك إلى الدعم العسكري الكبير الذي يقدمه حلفاؤه، ومن بينهم روسيا وإيران وميلشيا حزب الله اللبنانية وقوات شيعية شبه عسكرية من العراق وخارجها، في حين تحافظ المعارضة المسلحة على قبضتها على محافظة إدلب في شمال سوريا، وتسيطر القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة علي جزء كبير من شمال شرق البلاد.

ونقلت الصحيفة عن مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني الاسبق، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قوله: "من المرجح أننا مقبلون على مرحلة يحكم فيها بشار الأسد نظاما ضعيفا لا يتحكم إلا بجزء من سوريا وبمساعدة كبيرة من ايران وحزب الله وروسيا."

لكن الدبلوماسي والسياسي الأردني السابق يقول أن هذه "صيغة غير مستدامة.. لكنها خرجت من باب الضرورة، في حين أن الروس، على وجه الخصوص، يبحثون عن استراتيجية للخروج. وقد يستغرق ذلك سنوات، لكن من الصعب أن نرى بشار الأسد يرجع عقارب الساعة إلى الوراء وإلى ما قبل العام 2011."

ويثير بدء تراجع الحرب في سوريا النقاش حول كيف يمكن التوفيق بين سوريا وبلدان الشرق الأوسط الأخرى مثل تركيا والمملكة العربية السعودية والأردن اتي أعلنت عدائها للنظام السوري منذ بداية الصراع. فهل سيكون هناك أية محادثات تتعلق بمستقبل سوريا عبر موسكو وطهران؟ أم ستسود السياسات الاستراتيجية  الباردة التي تسمح مع مرور الوقت باستعادة سوريا لعلاقاتها مع جيرانها.

ولفتت الصحيفة إلي أن لبنان له تاريخ معقد مع سوريا ترك انقساما حادا بين مؤيدي ومعارضي نظام بشار الأسد، وفي أواخر العام 2012 وصف سعد الحريري، الناقد الرئيسي لبشار الأسد، بأنه زعيم سوري وحشي فقد الأخلاق الإنسانية والسياسية، وسيتم تقديمه للمحاكمة بسبب إراقته للدماء في لبنان وفلسطين والعراق ولقتله الأطفال وارتكابه المذابح ضد شعبه السوري.

وعلى الرغم من ذلك، فإن  الحريري هو اليوم رئيس وزراء حكومة تضم أعضاء من حزب الله، الميليشيا الحليفة للأسد في ساحة المعركة. وما زال الحريري معارضا لبشار الأسد، ولكن حدة لهجته خفت كثيرا مع تزايد قوة الأسد في السلطة.

وفي حزيران/ يونيو 2012، أعلنت الحكومة اللبنانية سياسة الحياد في الصراع السوري، لتجنب أي تداعيات محتملة خطرة، ومع ذلك، في العام التالي بدأ حزب الله بالتدخل عسكريا في الحرب السورية، مما ساعد على دعم النظام في دمشق، لكنه أثار غضب واستياء معارضي بشار الأسد في لبنان، ومع تقدم الأسد هذا العام وسيطرته على المزيد من الأراضي، يضغط حلفاؤه في لبنان لتطبيع العلاقات بشكل كامل مع نظامه.

وذكرت الصحيفة أنه  تم تعيين سفير لبناني في دمشق في يوليو/تموز الماضي، وفي الشهر التالي حضر ثلاثة وزراء حكوميين معرض دمشق الدولي وتجاهلوا احتجاجات الحريري، وكان الهدف من المعرض إلقاء الضوء على استعداد سوريا لاستئناف النشاط التجاري مع دول العالم.

ويعتقد المحللون بأنه علي الرغم من مقاومة الحريري لاستئناف العلاقات بشكل كامل مع دمشق، فإن ذلك اصبح أمرا واقعا، وسيتم استئناف العلاقات، حيث يتطلع رجال الأعمال المقربين من بشار الأسد إلى إبرام عقود لإعادة إعمار سوريا. وفي شمال لبنان توسع ميناء طرابلس وهناك خطط لبناء سكة حديد للاتصال بسوريا لتصبح مركزا لوجستيا لإعادة إعمار سوريا.

ونوهت الصحيفة إلي أن عمّان على استعداد للتعامل مع دمشق على الرغم من استضافة الاردن لمعسكر لتدريب المعارضين السوريين الذي يديره القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية، وأعلن المتحدث باسم الحكومة الأردنية في الشهر الماضي أن العلاقات مع سوريا من المحتمل أن تأخذ منعطفاً إيجابياً.

وتجري المفاوضات لإعادة فتح المعبر الحدودي الرئيسي بين سوريا والأردن، من أجل تحقيق الاستقرار في جنوب سوريا ما يسمح بنقل السلع اللبنانية والسورية جنوبا، كما أن الاستقرار في جنوب سوريا سيخلق بيئة أكثر أمنا لمعظم اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم حوالي 650 ألف لاجئ.

وقال المعشر، وزير الخارجية الأردني السابق: "إن الأولويات الرئيسية للأردن هي الحفاظ على أمن الحدود، والمساعدة على تهيئة الظروف التي تمكن اللاجئين من العودة إلى ديارهم"".

من جانبهم، أوضح اللاجئون السوريون أنهم لن يعودوا إلي ديارهم إذا لم تتوافر ضمانات لسلامتهم، وأنهم ليس لديهم ثقة في نظام الأسد، في حين أعلنت الأردن أنه لن تكون هناك أي عودة غير طوعية.

وأضافت الصحيفة أن المملكة العربية السعودية كانت الخصم الأكثر شراسة للأسد، حيث مرت العلاقات السعودية السورية في السنوات التي سبقت الحرب السورية بنزاعات مريرة، وفي عهد الملك عبد الله الذي توفي في العام 2015 سعت المملكة العربية السعودية دون جدوى إلى إنهاء تحالف الأسد الوثيق مع إيران، وعندما تحولت الانتفاضة ضد الأسد إلى صراع مسلح، كانت الرياض واحدة من أقوى داعمي الجماعات السورية المعارضة.

ومع ذلك، منذ صعود الملك سلمان إلى العرش بعد وفاة أخيه، اضطرت المملكة العربية السعودية إلى مواجهة حرب في اليمن، والاضطرابات الشيعية في المقاطعة الشرقية، وتوسع  النفوذ الإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والتراجع في أسعار النفط الذي كان لها تأثير على اقتصاد المملكة، ما أدى إلى تراجع هدف الإطاحة بالأسد.

علاوة على ذلك، فإن المملكة العربية السعودية أقامت علاقات مع روسيا وهي الحليف القوي للنظام السوري، واعترفت الرياض بأن روسيا هي القوة الجديدة التي لا غني عنها في المنطقة، كما زار الملك سلمان موسكو مؤخرا واتفق علي شراء نظام مضاد للطائرات من طراز "أس-400".

ويعتقد توماس دبليو ليبمان، وهو خبير في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن السعوديين لن يتعاملوا مع القضية السورية لفترة من الوقت لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون الآن، ويرجع ذلك إلى أنهم مقيدون في اليمن، ويحاولون تحقيق التوازن بين مشاعرهم تجاه إيران وشعورهم بحلفائهم الجدد في موسكو.

وترى الصحيفة أن تركيا أعادت تشكيل حساباتها الإستراتيجية حيال سوريا، فكانت أنقرة مؤيدا قويا لفصائل المعارضة السورية، وأعادت بناء علاقاتها مع روسيا التي تصاعد نفوذها في المنطقة. وتركز أنقرة أكثر على التطلعات القومية الكردية التي تلوح في الأفق في العراق وسوريا المجاورة لتركيا بدلا من مواصلة السعي للإطاحة ببشار الأسد.

وقالت أسلي أيدينتاسباس، وهي زميلة للمجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية، إن الأولوية التركية في سوريا هي الأكراد، والحرض على عدم وجود كيان كردي مجاور على حدودها الجنوبية.

وأضافت أيدينتاسباس أن أنقرة  لا تحتاج إلى مصافحة دمشق رسميا، وستكتفي بالتحدث مع روسيا التي ستنسق بشكل غير مباشر مع دمشق.

وبحسب الصحيفة، من المتوقع أن تحتفظ أنقرة بصلاتها ببعض الجماعات المعارضة في شمالى سوريا، وقد كان توغل الجيش التركي مؤخرا في إقليم إدلب بشمال سوريا تحركاً متعمداً لاستقرار الحدود والتأكد من أن المعارضة المعتدلة لم تدمر تماما من قبل روسيا ودمشق.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com