بعد عام على تحريرها من "داعش".. هكذا تعيش قرية سنية شمالي العراق
بعد عام على تحريرها من "داعش".. هكذا تعيش قرية سنية شمالي العراقبعد عام على تحريرها من "داعش".. هكذا تعيش قرية سنية شمالي العراق

بعد عام على تحريرها من "داعش".. هكذا تعيش قرية سنية شمالي العراق

كشفت صحيفة أمريكية عما وصفته بـ"معاناة أمنية" تعيشها قرية "المنيرة"، ذات الأغلبية السنية، والواقعة على نهر دجلة شمالي العراق، رغم مرور نحو عام على "تحريرها"، على يد القوات الحكومية من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي.

وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن تهمة الولاء لتنظيم "داعش" دفعت القوات العراقية إلى شن حملات اعتقال تعسفية وتعذيب ميداني بحق سكان القرية، الذين تقدر أعدادهم بنحو 440 عائلة، تعيش في القرية الواقعة على تلال صحراوية شمالي البلاد.

ونقلت الصحيفة عن سكان من القرية قولهم إنهم وبعد مرور أكثر من 11 شهراً على تحرير "المنيرة"، انتظروا بتفاؤل "احتضان" السلطات العراقية لهم، وتقبل ماضيهم كمدنيين عاشوا تحت سطوة "داعش".

وأضافوا: "كان التعبير عن التفاؤل مؤقتاً أو عابراً، وعلى ما يبدو أن الأمل يتبخر يوما بعد يوم".

وأشارت الصحيفة إلى أن "إرث الصراع الطويل محفور في ملامح القرية، حيث المنازل التي دمرها تنظيم "داعش" أو القوات العراقية التي جاءت لدحره، وأخرى اشتعلت فيها النيران على أيدي المنتقمين وسط انفلات أمني".

ولا تزال جثث سكان القرية تطفو على ضفاف النهر في بعض الأيام، رغم محاولات إعادة الحياة، التي دمرتها "الحرب الخفية القذرة" بين قوات الأمن ومن تصفهم بـ"الأعداء".

المنيرة.. الطموح المتعثر

قبل فترة طويلة من وصول تنظيم "داعش" تمكن رجال القرية من الحصول على فرص للعمل كضباط شرطة وجنود، أو في غيرها من الوظائف الحكومية.

وتحدث المواطنون عن الإنجازات المميزة التي ظهرت في القرية: "الشبان تزوجوا، وقاموا بشراء السيارات. وبنوا منازلا".

أما الآن، فالدولة غائبة والجنود يقفون دائماً للحراسة على أطراف القرية.

وذكر سكان في القرية أن عددا قليلا فقط من ضباط الشرطة من "المنيرة" عادوا إلى وظائفهم. والعاطلون عن العمل اتخذوا من تهريب السجائر وظيفة لهم ، وبعضهم أرسلوا أطفالهم لبيع زجاجات المياه للسائقين العابرين.

الشاحنات تهدر عبر القرية على الطريق الترابي الضيق الذي حوله الجيش مؤخراً إلى واحد من طرق المرور الرئيسية في المنطقة، كإضافة طفيفة موجهة لهذا المكان الذي يعاني من تحديات أمنية واقتصادية.

وحسب مواطنين فقدوا أبناءهم بالمعتقلات العراقية بعد خروج داعش: "نحن لا نرى أي مستقبل مشرق في العراق".

وبعد وقت قصير من فرار المسلحين من "المنيرة" في الخريف الماضي، اهتز المكان بعمليات الانتقام، حيث نهبت وحرقت خمسة منازل تعود لأفراد أسرة متهمة بدعم تنظيم "داعش".

اتهامات بلا بينات

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، قال الرجال إنهم اتهموا زورا وألقوا باللوم في إشعال الحرائق على إحدى الميليشيات القبيلة السنية التي كلفت في ذلك الوقت بحفظ الأمن في القرية.

وبينما يروي السكان قصتهم في أواخر العام الماضي، قام ثلاثة من أفراد الميليشيا بمراقبة الطريق. وبدلاً من إنكار مسؤوليتهم عن الحريق، أصروا على أن تدمير المنازل لم تكن عقوبة كافية. وقال شاكر عطالله هلال، وهو ضابط شرطة سابق وأحد أفراد الميليشيا، إن "الدواعش ما زالوا يتنفسون الهواء بيننا".

جريمتهم، وفق الصحيفة، كانت الانضمام إلى المظاهرات ضد انتهاكات الحكومة قبل ثلاث سنوات التي جرت في المناطق السنية في العراق، وقام مسلحو تنظيم "داعش" بالتسلل إلى الاحتجاجات واستغلال الغضب مع بدء مسيرتها عبر البلاد.

الكثيرون في "المنيرة" أعربوا عن تعاطفهم مع أهداف الاحتجاجات، حتى ولو لم يشاركوا بها، ولكن هذا الوضوح انقطع في الجو المشحون بالانتقام الذي تلا هزيمة تنظيم "داعش"، وقال هلال: "السكان هم الذين جلبوا داعش".

عنف يولد عنفاً

المناطق المحيطة بالموصل مليئة بقصص مشابهة لإحراق البيوت وعمليات الانتقام الأكثر عنفاً في الأيام الأولى للهجوم الحكومي، وكان الجانب الريفي من المدن مليء بالمقابر الجماعية، التي تحتوي على جثث رجال الشرطة وغيرهم من أفراد الأمن الذين أعدموا على يد المسلحين، وكثيراً منهم كانت أيديهم مربوطة خلف ظهورهم.

المقابر قدمت العنف للمنطقة مدعوما بالسعي للانتقام، وقال هلال: "لن نسمح لهم بأن ينسوا".

هلال، الذي كلف بمسؤولية تأمين المناطق المحررة مؤخراً من تنظيم "داعش"، ينتمي إلى إحدى الميليشيات المحلية غير المضبوطة، وتدعى "فرسان الجبور"، وسميت تيمنا باسم واحدة من أكبر القبائل في المنطقة.

وفي غضون أشهر، اختفى معظم الرجال المتهمين بالمشاركة في الاحتجاجات الأولية من "المنيرة". وقال ياسر إبراهيم، ويعمل مدير مدرسة، في منزله قبل بضعة أسابيع: "لا أحد يعرف عنهم شيئاً"، حيث بقيت عائلات الرجال المختفين في القرية، لذلك قام أفراد الميليشيات بحرق منازلهم.

وترتكز محاور الخلاف حول العراق هذه الأيام على القلق من أن المستائين من "العرب السنة" بسبب الإحباط، سوف يغريهم يوماً ما الترحيب بالمسلحين مرة أخرى، ولكن هذا لا يبدو خطراً في "المنيرة"، حيث يتحدث السكان عن عصر تنظيم "داعش" بمزيج من الرعب والأسف.

بعض السكان كانوا يعملون كضباط شرطة في الموصل، وكانوا من المرابطين في الصباح المشؤوم من شهر حزيران/يونيو 2014 عندما استولى تنظيم "داعش" بسهولة على المدينة، بعد أن تراجع الرجال المكلفين بحراستها بشكل جماعي.

وقال إبراهيم جاسم محمد، ضابط شرطة: "لقد هربنا جميعا، واضطررت للسباحة عبر النهر، لقد كان يوماً أسود بالنسبة لنا".

وأضاف أن المسلحين اختطفوا ما لا يقل عن 24 شخصاً من سكان القرية، بمن فيهم والد إبراهيم، الذي لم يسمع عنه شيئاً خلال السنوات الثلاث الماضية.

وبدلاً من الحفاظ على وجود مستمر، كان المسلحون يأتون إلى "المنيرة" بضع مرات في الأسبوع. وأوضح إبراهيم أن الآباء منعوا أطفالهم من حضور الدروس لعزلهم عن تعاليم المتطرفين من داعش، لافتا إلى أنه كان يجلس في المدرسة كل يوم، بانتظار وصول المسلحين، ليكذب عليهم بشأن تغيب الطلبة.

تدهور الخدمات وتراجع الحقوق

ولكن جهود السكان من أجل مقاومة المسلحين لم تعد بالفائدة على "المنيرة"، فكانت القرية محظوظةً إذا حصلت على بضع ساعات من الكهرباء يوميا، وقال السكان إن المسؤولين لم يوزعوا قسائم الطعام، والمياه كانت شحيحة جداً، والشاحنات التي قطعت الطريق الترابية مزقت أنابيب المياه.

وفي قرية الغريزة، يعتقد القرويون أن الفساد المتوطن في الحكومة العراقية قد حال دون تعبيد الطريق.

ومع عدم إمكانية عمل أي شيء، يتواجد رجال القرية في معظم الأيام قرب كشك على طول الطريق المزدحم، يراقبون حركة المرور، الأطفال حفاة الأقدام يبيعون الوجبات الخفيفة لسائقي الشاحنات، وحلوا مكان آبائهم كمعيلين للعائلة.

وقال عمار محمد، جندي سابق يعتاش على تهريب السجائر في المناطق الكردية في الشمال: "نأمل بالأشياء الجيدة من الحكومة، ولا يوجد ما يمكننا فعله غير الصبر".

يبدو أن مصير "المنيرة" معطل على نحو ما، بالنسبة لحازم خليل، المقيم في القرية.

الأخ الأكبر لخليل كان أحد كبار قادة تنظيم "داعش" وهو مفقود ومن المرجح أنه مات. شقيقاه الآخران في السجن بتهم ارتباطهما بالمسلحين، والدا خليل المسنان فرا بعد إحراق منزلهما انتقاماً من ابنهم المتطرف.

وهناك شقيقه الأكبر، شاكر، الذي درس الأدب الفرنسي، وعمل كمدير مدرسة وكان إماما للمسجد المحلي، الذي تم تجنيده من قبل المسلحين بسبب ما اعتبروه أنه سيكون "فائدة عظيمة"، وقال شقيقه إنه سجن لمدة عامين ونصف العام وتعرض للتعذيب أثناء وجوده في الحبس، وعندما استولى تنظيم "داعش" على الموصل، عمل هناك كوزير للعقارات. وفي "المنيرة"، يتمازح الناس قائلين إن المسلحين لم يدمروا بيتا واحدا فيها دون موافقة شاكر.

ولكن لم يكن السجن هو السبب في تطرف شقيقه، وقال خليل: "لقد كان هو نفسه متطرفاً، لقد تطرف في فهم الدين".

إلى ذلك، وعلى الرغم من أن الاستياء يعم "المنيرة" وغيرها من المناطق السنية في الفترة التي سبقت تولي المسلحين، فقد "تسببت الأجندات السياسية بخلق التوترات الطائفية" كما يقول خليل، مشيراً إلى سياسات الحكومة في ذلك الوقت.

وأوضح قائلا "لا توجد علاقة بين قوات الأمن والمواطنين، كان هناك فراغ، وهذا ما سهل الأمور لداعش"، وتابع: "مع وجود هذا الاعتقاد في تفكيري، أصبحت خائفاً من التحرير".

في السنة التي تلت "داعش" ، أسفرت مخاوفه عن التفاؤل الحذر، ومن خلال تجربته، عاملت قوات الأمن الناس بشكل جيد، وتم حل الميليشيات المحلية المخيفة، ورفض جيرانه لومه على آثام أخيه. ولأي سبب كان، تلقى الركن الذي يقيم فيه في القرية الكهرباء العادية.

كما أنه احتفظ بوظيفته في مصنع الإسمنت القريب، حتى أنه قرر ترميم منزله، وتلقى العديد من رسائل التهديد حول أخيه، ولكنها توقفت منذ حوالي ستة أشهر، خليل الآن عازم على البقاء في "المنيرة" ويؤكد: "لا أحد استجوبني عن أي شيء. ولم يتم حرق منزلي".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com