هل واشنطن مسؤولة عما تفعله إسرائيل بالأسلحة الأمريكية في غزة؟
أكد تقرير لمجلة (فورين أفيرز) الأمريكية، أن "الحملة الوحشية" التي يشنها الجيش الإسرائيلي، على قطاع غزة ردًا على هجوم حماس، تثير قضايا قانونية وسياسية خطيرة بالنسبة للولايات المتحدة باعتبارها أكبر داعم لإسرائيل عسكريًا واستخباريًا.
وترى المجلة أن تعزيز الامتثال لقانون الحرب ليس كافيًا؛ فحتى لو تم تنفيذ الحملة العسكرية مع الالتزام الصارم بالقانون، فإنها لن تجلب سوى المزيد من المعاناة والدمار إلى غزة، محذرة من مخاطر التصعيد الإقليمي الذي يمكن أن يورط الجيش الأمريكي بشكل مباشر في الصراع .
واعتبرت المجلة أن الطريقة الوحيدة لمعالجة هذه المخاطر هي من خلال وقف التصعيد وإيجاد طريقة للخروج من الصراع في نهاية المطاف .
القنابل تسقط فوق غزة، ماذا عن "الجنائية الدولية"؟
وشددت المجلة على أن الصراع في غزة يخضع " لقانون الحرب" الذي يضم مجموعة من الأعراف والمواثيق الدولية المعروفة أيضًا باسم القانون الإنساني الدولي حيث تعمل هذه القواعد، التي وافقت عليها دول العالم على الموازنة بين "اعتبارات الضرورة العسكرية والإنسانية" وتضع حدودًا لما يمكن لأطراف النزاع المسلح أن تفعله وما لا يمكنها فعله وهي أيضًا تنطبق على كل من إسرائيل وحماس.
وقالت المجلة: "قانون الحرب يتطلب أن تكون الهجمات موجهة فقط ضد الأهداف العسكرية، ويحظر استهداف المدنيين والأعيان المدنية، ويحظر الهجمات غير الموجهة ضد أهداف عسكرية محددة"، مشيرة إلى أن " المستشفيات وسيارات الإسعاف والمدارس وأماكن العبادة تتمتع عادة بالحماية من الهجمات، على الرغم من أن استخدامها لأغراض عسكرية يمكن أن ينهي هذه الحماية."
ولفتت إلى وجود مبدأ في القانون الدولي يسمح بالهجوم على مقار العدو حتى لو كان من المتوقع أن يتسبب ذلك بمقتل مدنيين ما دام الضرر ليس "مفرطاً"، كما يتعين على أطراف النزاع اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتخفيف الضرر الذي يلحق بالمدنيين.
وتابعت أنه وبموجب هذا القانون "يُحظر استخدام الدروع البشرية غير الطوعية لعرقلة العمليات العسكرية، لكن هذا الاستخدام لا يعفي الطرف المهاجم من التزاماته القانونية."
وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من أن قتل حماس للمدنيين واحتجاز الرهائن، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يشكل "جرائم حرب واضحة المعالم"، إلا أن تقييم مدى قانونية العديد من التصرفات الإسرائيلية في غزة يشكل تحديًا أكبر وبأنه قد يتطلب معلومات "غير علنية " لمعرفة ما إذا كان الهدف هدفًا عسكريًا مشروعًا أو ما إذا كان الضرر اللاحق بالمدنيين مفرطًا، وفي هذه الحالة فمن المؤكد أن مقتل المدنيين، وتدمير البنية التحتية المدنية في غزة، أمران ذوا صلة بالموضوع، لكن الحكم على هذه الحوادث أمرٌ أكثر صعوبة .
وشددت المجلة على أنه رغم صعوبة التوصل إلى استنتاجات قانونية نهائية بشأن هذه الهجمات، فإن سلوك الجيش الإسرائيلي في غزة والخطاب المصاحب له من قبل المسؤولين الإسرائيليين يجب أن يثير مخاوف قانونية وسياسية في واشنطن.
وقالت المجلة إن حجم الموت والدمار في غزة يثير تساؤلات حول مدى تقييم إسرائيل للضرر الذي يلحق بالمدنيين، وإذا ما كان مفرطًا مقارنة بالمكاسب العسكرية المتوقعة من الهجمات الفردية.
واعتبرت المجلة أن توصيف المسؤولين الإسرائيليين للحملة العسكرية في قطاع غزة "يجب أن يثير الدهشة"، مشيرة إلى أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي صرح خلال الأيام الأولى للصراع، بأن حملة القصف الإسرائيلية على غزة تركز على "إحداث الضرر وليس على الدقة".
وتابعت: "وفي رده على الغارات المثيرة للجدل التي تسببت بسقوط ضحايا من المدنيين، شدد الجيش الإسرائيلي، مرارًا وتكرارًا، على أنه حذَّر سكان غزة بضرورة التحرك جنوبًا، لكن هذا التحذير لا يعفي إسرائيل بطريقة أو بأخرى من التزاماتها القانونية التي تتعلق بحماية المدنيين."
وأفادت فورين أفيرز أن المخاوف بشأن جرائم الحرب المحتملة في غزة من الممكن أن تؤدي إلى تدخل المحكمة الجنائية الدولية، التي أكدت اختصاصها القضائي على الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك خلال الصراع الدائر حاليًا .
وأشارت الصحيفة إلى أن كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أدلى بتصريحات واضحة بهذا الشأن، وبأن كل مسؤول يتخذ قرارات بشأن الضربات سيُطلب منه "تبرير كل ضربة ضد كل هدف مدني"، مضيفًا بأن المهاجمين يقع على عاتقهم تحديد تلك الأهداف المحمية عادة بموجب القانون

ورأت المجلة أنه إذا قرر "خان" توجيه اتهامات قانونية ضد إسرائيل بهذا الشأن فمن المؤكد أنه سيواجه عاصفة سياسية من الولايات المتحدة، وحتى من قبل أولئك السياسيين أنفسهم الذين دعموا دورًا للمحكمة الجنائية الدولية في أوكرانيا، لكنه إن لم يفعل ذلك، ويحقق في الهجمات الإسرائيلية على غزة، فإنه سيواجه ردود فعل سلبية عديدة من دول غير غربية و التي تدين بالفعل ما تعتبره معايير مزدوجة في الطريقة التي تتعامل بها المحكمة مع اختصاصاتها.
وأردفت المجلة: "بالنسبة لهم، سيبدو أن المحكمة الجنائية الدولية لا توجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب إلا ضد الزعماء وأمراء الحرب الأفارقة، تاركة الأطراف المذنبة في الغرب أو أولئك الذين يتعاونون معها دون مساس".
هل ساعدت أمريكا إسرائيل وحرضتها على ذلك؟
وأفادت المجلة أن الولايات المتحدة تواجه تبعات قانونية وسياسية محليًا ودوليًا تجاه الصراع في غزة بسبب الدعم العسكري والاستخباري لإسرائيل، كما تواجه وزارة الخارجية الأمريكية أيضًا تبعات عديدة باعتبارها تقوم بدور إشرافي على عمليات نقل الأسلحة والمساعدات العسكرية إلى إسرائيل .

وأضافت المجلة: "يحدد قانون مراقبة تصدير الأسلحة، وهو الإطار القانوني لعمليات نقل الأسلحة الأمريكية، الأغراض الحصرية التي قد يتم من أجلها توفير الأسلحة الأمريكية إلى دولة أخرى"، مع أن الغرض المحتمل في هذه الحالة هنا هو "الدفاع المشروع عن النفس".
وتابعت: "لقد أثار استخدام إسرائيل في السابق للذخائر العنقودية في لبنان تساؤلات حول ما إذا كان هذا الاستخدام يشكل دفاعًا مشروعًا عن النفس".
وذكرت المجلة بما يسمى "قانون ليهي" والذي يحظر تقديم المساعدة العسكرية لوحدات قوات الأمن الأجنبية إذا كان لدى وزير الخارجية الأمريكي معلومات موثوقة تفيد بأن الوحدة ارتكبت "انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان".
كما تحظر سياسة نقل الأسلحة التقليدية، التي تبنتها إدارة بايدن، في فبراير/شباط 2022، نقل الأسلحة إذا "قدرت الولايات المتحدة أنه من المرجح استخدامها لارتكاب أعمال معينة بما في ذلك الهجمات ضد الأعيان المدنية.
وشددت المجلة على أن المسؤولين الأمريكيين قد يواجهون مشكلات قانونية إضافية اعتمادًا على طبيعة الدعم الذي يقومون بتسهيله وطريقة استخدامه، حيث يحظر على موظفي الحكومة الأمريكية، بموجب أمر تنفيذي، الانخراط في عملية اغتيال أو التآمر للانخراط فيها، وهو الأمر الذي فسَّره محامو السلطة التنفيذية الأمريكية على أنه يشمل عمليات القتل في نزاع مسلح ينتهك قانون الحرب، ويضم ذلك أيضًا مشاركة المسؤولين لمعلومات استخبارية قد تؤدي إلى مقتل مدنيين.

وأشارت المجلة إلى أن "جوش بول" وهو مدير سابق في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية الأمريكية والذي يشرف على عمليات نقل الأسلحة الأمريكية استقال من الوزارة، في 18 أكتوبر/تشرين الأول، لأنه لم يستطع دعم توفير الأسلحة الأمريكية لإسرائيل خلال الحرب على غزة.
وقال بول لموقع "هافينغتون بوست": "لقد أصبح من الواضح بالنسبة لي أن العديد من كبار القادة لا يفهمون تمامًا كيف تستخدم إسرائيل، حاليًا، الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة في غزة فحسب، بل إنهم أيضًا مستعدون للاعتراف خلف الأبواب المغلقة بأن هذه الإجراءات تشكل "جرائم حرب ".
وطالبت المجلة من الولايات المتحدة ووزارة خارجيتها اتخاذ خطوات فورية للتخفيف من خطر كون الدعم العسكري الأمريكي يسهل انتهاكات قانون الحرب، مشددة على أن مجرد تكرار المسؤولين الأمريكيين لنقاط الحديث حول أهمية الامتثال لقانون الحرب ليس كافيًا.
وأضافت بأنه يجب على الحكومة الأمريكية مراقبة السلوك الإسرائيلي في غزة، وتحديد ما إذا كانت إسرائيل تستخدم أسلحة أمريكية الأصل، ومعلومات استخباراتية تتوافق مع قانون الحرب.
وكان كل من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والمتحدث باسمه، أشارا صراحة إلى أنه لا توجد تقييمات يتم إجراؤها حول مدى امتثال إسرائيل لقانون الحرب.
وأشارت إلى أن مراقبة الامتثال لقانون الحرب يتطلب معلومات كبيرة من البنتاغون ومجتمع الاستخبارات الأمريكي الأوسع. كما سيتطلب الأمر من الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل للحصول على معلومات مفصلة حول قراراتها بشأن الاستهداف في غزة."
كما شددت المجلة على ضرورة قيام وزارة الخارجية بالأخذ بعين الاعتبار، تقييماتها المتعلقة بالامتثال لقانون الحرب في قراراتها بالموافقة على عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل أو الاستمرار فيها.
ورأت المجلة أنه " في الوقت الحالي، تتبنى إدارة بايدن نهجا مختلفًا. وهي تحاول تحسين أداء الغارات الجوية والقصف المدفعي لشريكتها إسرائيل في خضم الحرب المستمرة دون فرض أي شروط".
مشيرة إلى أن الولايات المتحدة "شاركت مع إسرائيل توصياتها للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، بما في ذلك استخدام قنابل ذات قطر أصغر بدلًا من ذخائر يبلغ وزنها ألفي رطل".
وخلصت المجلة إلى أنه سيكون من الخطأ التركيز فقط على "تقييم وإنفاذ الامتثال لقانون الحرب" فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الأمريكية المنشأ في الحرب في غزة، فعلى الرغم من أن هذه التدابير ضرورية إلا أنها ليست كافية إذا ما كان هدفنا هنا هو وضع حد للمذبحة.
وختمت المجلة بالقول إنه قد يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التوصل إلى أي "تقييم موثوق" حول آلاف الغارات الجوية وغيرها من الهجمات التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة، وحتى لو كانت كل الهجمات الإسرائيلية في غزة متوافقة مع قانون الحرب، فإن الصراع سيظل يشكل كارثة إنسانية وستظل الحرب تفتقر إلى نهاية واضحة وتشكل خطرًا جسيمًا لمزيد من التصعيد الإقليمي.