عبد الله بن عبد العزيز.. ملك المبادرات وراعي المصالحات
عبد الله بن عبد العزيز.. ملك المبادرات وراعي المصالحاتعبد الله بن عبد العزيز.. ملك المبادرات وراعي المصالحات

عبد الله بن عبد العزيز.. ملك المبادرات وراعي المصالحات

الرياض- عشر سنوات قضاها الملك عبدالله بن عبدالعزيز جالسًا على عرش المملكة العربية السعودية، و20 عامًا حاكمًا فعليًا لهذا البلد الغني بالنفط، منذ مرض شقيقه الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز.

العاهل السعودي، الذي وافته المنية، فجر الجمعة، عن عمر 91 عامًا، كان قد تعرّض أكثر من مرة لوعكات صحية لا سيما خلال العامين الأخيرين، كان آخرها قبل رحيله، حيث أعلن الديوان الملكي أنه كان يعالج من "التهاب رئوي"، "استدعى وضع أنبوب مساعد على التنفس بشكل مؤقت".

وأجرى العاهل السعودي الراحل في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، عملية جراحية في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض لتثبيت رابط بفقرات الظهر، هي رابع عملية جراحية للملك خلال عامين.

ومنذ إجراء العملية، غاب الملك الراحل عن أي مناسبات رسمية خارج المملكة، كان آخرها القمة الخليجية في الدوحة يوم 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وصار ولي العهد السعودي يترأس غالبية جلسات مجلس الوزراء بالمملكة.

ويعد عبدالله بن عبد العزيز الذي ارتقى سدة الحكم في 1 أغسطس/ آب عام 2005 بعد وفاة شقيقه الملك فهد، أكبر الحكام العرب سنًا، وعلى مدار سني حكمه اشتهر العاهل السعودي بإطلاقه العديد من المبادرات ورعايته الكثير من المصالحات، وهو أمر ظل يقوم به رغم تقدمه في السن، وحتى قبل أسابيع من دخوله المستشفى برعايته لمصالحة بين مصر وقطر في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ولد الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عام 1924 في مدينة الرياض، وهو الابن الثاني عشر من أبناء الملك عبد العزيز الذكور، تأثرت شخصيته بوالده عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود مؤسس المملكة، الذي يعد معلمه الأول.

تلقى تعليمه على يد كبار المعلمين والعلماء على الطريقة التقليدية وهي الكُتاب ودروس العلماء وحلقات المساجد، وفق مراسل الأناضول.

تدرج الملك عبدالله بن عبدالعزيز في العديد من المناصب قبل توليه سدة الحكم، ففي عام 1964 أصدر الملك فيصل بن عبد العزيز أمرًا ملكيًا بتعيينه رئيسًا للحرس الوطني الذي ضم في مطلع تكوينه أبناء الرجال الذين عملوا مع الملك عبد العزيز آل سعود.

وفي عام 1975 عيّنه الملك خالد بن عبد العزيز نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء إلى جانب منصبه السابق كرئيس للحرس الوطني.

وفي عام 1982 بويع عبد الله وليًا للعهد بعد تولي أخيه فهد بن عبد العزيز عرش المملكة، ثم صدر أمر ملكي في مساء نفس اليوم بتعيينه نائبا أول لرئيس مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني، بالإضافة إلى ولاية العهد.

وفي عام 1995 استلم إدارة شؤون الدولة وأصبح الملك الفعلي بعد إصابة الملك فهد بجلطات ومتاعب صحية، وبعد وفاة الملك فهد في 1 أغسطس/آب 2005 تولى الحكم، وبالإضافة لكونه ملكا للدولة فإنه يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء تبعا لأحكام نظام الحكم في المملكة القاضية بأن يكون الملك رئيسًا للوزراء.

كما تولى الملك عبد الله عدة مناصب أخرى حيث شغل منصب نائب رئيس اللجنة العليا لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنيات، ورئيس المجلس الاقتصادي الأعلى، ونائب رئيس المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، ورئيس مؤسسة الملك عبد العزيز لرعاية الموهوبين، ورئيس الهيئة العامة للاستثمار، ونائب رئيس مجلس الخدمة المدنية، ورئيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، بحسب مراسل الأناضول.

يُنسب له الفضل في علاقات المملكة الجيدة مع الدول العربية والأجنبية، إذ قام بجولات رسمية كثيرة ومثّل المملكة في العديد من المؤتمرات واللقاءات، وكان يحظى باحترام شعبي كبير.

وللملك عبد الله دور هام في مجال الأعمال الخيرية والإنسانية، وكذلك في دعم العلم والعلماء الذي تمثل في إنشاء مكتبة الملك عبد العزيز بالرياض ومؤسسة الملك عبد العزيز في المملكة المغربية.

إصلاحات وتحديات

شهدت المملكة في عهده العديد من الإنجازات الاقتصادية والتعليمية، كان أبرزها ارتفاع أعداد جامعات المملكة من ثمان جامعات إلى إحدى وعشرين جامعة حكومية وأربع جامعات أهلية.

كما تم في عهده إنشاء العديد من المدن الاقتصادية منها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل ومدينة جازان الاقتصادية ومدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة إلى جانب مركز الملك عبدالله المالي بمدينة الرياض.

أيضا شهد الحرمين الشريفين في عهده والمشاعر المقدسة أكبر مشاريع في تاريخهم للتيسر على حجاج بيت الله الحرام أداء مناسكهم، فوافق مطلع 2008 على البدء في إحداث أكبر توسعة للحرم المكي الشريف، والتي تتم حاليا على 3 مراحل، ويُتوقَّع أن يستوعب الحرم بعد التوسعة (2.000.000) مُصلٍ تقريباً في وقتٍ واحد.

كما يجرى حاليا أيضا توسعة صحن الطواف وإعادة بناء وتأهيل الأروقة المحيطة به في كافة الأدوار على ثلاث مراحل في خمسة أدوار ، ليستوعب (105 آلاف) طائف في الساعة، بعد أن كان يستوعب 48 ألف طائف في الساعة.

كما تم الانتهاء العام قبل الماضي من جميع الأعمال المتعلقة بمشروع تطوير جسر الجمرات، الذي بلغت تكاليف إنشائه نحو أربعة مليارات ريال (1.06) مليار دولار، ويهدف مشروع منشأة الجمرات إلى توفير الطاقة الاستيعابية بالجمرات، ليتمكن أكثر من ستة ملايين حاج على الأقل من رمي الجمرات ضمن ظروف آمنة ومريحة تحقق لهم السلامة والراحة خلال أدائهم هذه الشعيرة، وخفض كثافة الحجاج عند مداخل الجسر، وذلك بتعدد المداخل وتباعدها، ما يسهم في تسهيل وصول الحجاج إلى الجمرات من الجهة التي قدموا منها.

على الصعيد السياسي الداخلي، أسس العاهل السعودي الراحل لأول مرة في بلاده العام 2006 هيئة البيعة، وأصدر في ديسمبر/كانون الأول 2007 أمرا ملكيا بتشكيلها برئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز لتتولى مهمة تأمين انتقال الحكم بين أبناء أسرة آل سعود (الحاكمة).

على صعيد الإصلاحات الداخلية أيضا، حققت السعوديات مكاسب كبيرة على مدار الفترة الماضية، حيث عين الملك الراحل 30 امرأة في مجلس الشورى في يناير/كانون الثاني 2013، بعد ان أصدر مرسومين دخلت بموجبهما المرأة ضمن تشكيلته للمرة الأولى في تاريخها.

ومجلس الشورى وهو هيئة تقدم المشورة للحكومة بشأن القوانين الجديدة، وتتمثل مهام المجلس في: إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال إليه من الملك.

كما سبق أن قام العاهل السعودي بتعيين نورة بنت عبد الله بن مساعد الفايز نائبا لوزير التربية والتعليم لشؤون البنات بالمرتبة الممتازة في 14 فبراير/شباط 2009، لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب للمرة الأولى في تاريخ المملكة.

مبادرات ومصالحات

وعلى مدار سني حكمه اشتهر العاهل السعودي الراحل بإطلاقه العديد من المبادرات ورعايته الكثير من المصالحات، كان أبرزها مبادرة السلام العربية، وهي مبادرة أطلقها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز( حينما كان وليا للعهد) خلال القمة العربية في بيروت عام 2002، وتقضي بإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل.

كذلك من أبرز مبادراته، مبادرة للحوار بين الأديان السماوية (الإسلام، واليهودية، والمسيحية) ، والتي أطلقها في 14 مارس/ آذار 2008 ، أي بعد أقل من 5 أشهر على زيارته التاريخية للفاتيكان في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، ليكون أول ملك سعودي يزور هذا المكان المقدس لدى المسيحيين الكاثوليك في العالم.

ومن أبرز جهوده لرعاية المصالحات، كان توقيع معاهدة الصلح بين أطراف القيادات العراقية (سنة وشيعة) في أكتوبر/تشرين الأول 2006 في لقاء تركز على محاولة جمع شتات هذه القيادات لتوحيد الصف ونبذ الخلافات الطائفية والسياسية.

وفي فبراير 2007 ، رعى العاهل السعودي اجتماع الفصائل الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في لقاء لمواجهة الاقتتال الفلسطين الداخلي.

وأسدل الستار على عام 2014، بعد أسابيع قليلة من انتهاء أطول وأعمق وأكبر خلاف يشهده دول مجلس التعاون الخليجي في تاريخه، استمر 8 أشهر و10 أيام، بمبادرة من العاهل السعودي الراحل أيضا.

بدأ الخلاف في 5 مارس / آذار الماضي بإعلان السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من قطر، وانتهى في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بإعلان الدول الثلاث عودة سفرائها مجددا خلال اجتماع خليجي تم في الرياض برعاية ملك السعودية.

وفي 20 ديسمبر/كانون أول، أعلن الديوان الملكي السعودي أن قطر ومصر استجابتا لمبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز "للإصلاح" بينهما، و"توطيد العلاقات بينهما وتوحيد الكلمة وإزالة ما يدعو إلى إثارة النزاع والشقاق بينهما".

مكافحة الإرهاب

وإذا كان الإرهاب من أبرز التحديات - وما زالت - التي واجهت الملك الراحل، فقد نجحت المملكة إلى حد كبير في جهودها لمكافحة الإرهاب، عبر جهود أمنية وفكرية، فيما لا تزال تواجه خطره وتهديداته المتكررة.

وفي هذا الصدد، اقترح الملك الراحل إقامة مركز دولي لمكافحة الإرهاب وذلك خلال المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب لذي عقد في مدينة الرياض في شهر فبراير 2005، وسلمت السعودية، أغسطس/ آب الماضي، تبرعاً مالياً مقدراه 100 مليون دولار للأمم المتحدة دعماً منها للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب.

وكان العاهل السعودي الراحل قد أصدر في 3 فبراير/ شباط الماضي أمرا ملكيا يقضي بمعاقبة كل من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت، أو انتمى لتيارات أو جماعات دينية أو الفكرية المتطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخلياً أو إقليمياً أو دولياً بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ، ولا تزيد على عشرين سنة.

وقضى الأمر بتغليظ عقوبة تلك الجرائم إذا كان مرتكبها “عسكريا” لتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد عن ثلاثين سنة.

ويخضع للعقوبة من يقوم بـ”لسعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية، أو الدعوة، أو المشاركة، أو الترويج، أو التحريض على الاعتصامات، أو المظاهرات، أو التجمعات، أو البيانات الجماعية بأي دعوى أو صورة كانت، أو كل ما يمس وحدة واستقرار المملكة بأي وسيلة كانت”، أو "حضور مؤتمرات، أو ندوات، أو تجمعات في الداخل أو الخارج تستهدف الأمن والاستقرار وإثارة الفتنة في المجتمع″.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com