مدينة ذمار العراقية.. نموذج يعكس المخاوف من تفجّر نزاع عرقي بين الأكراد والعرب
مدينة ذمار العراقية.. نموذج يعكس المخاوف من تفجّر نزاع عرقي بين الأكراد والعربمدينة ذمار العراقية.. نموذج يعكس المخاوف من تفجّر نزاع عرقي بين الأكراد والعرب

مدينة ذمار العراقية.. نموذج يعكس المخاوف من تفجّر نزاع عرقي بين الأكراد والعرب

تعكس المشاهدات اليومية في مدينة ذمار، شمال العراق، مخاوف الأكراد من عودة سنوات القمع، فيما تظهر شعورًا بالغبن لدى العرب الذين اضطروا إلى ترك ممتلكاتهم إثر سيطرة داعش على المدينة، ومن ثم تحريرها على يد البشمركة الكردية.

ورغم الهدوء الذي يسيطر على المدينة، وعلى مناطق أخرى متاخمة، غير أن ثمة مخاوف من نزاعات عرقية قد تنشب بعد معركة الموصل المنتظرة.

الصدوع العرقية تتسع  

من شرفة البيت الذي يقطنه أبو سهيل في مدينة ذمار يمكن ملاحظة اتساع خطوط الصدوع العرقية في العراق شيئا فشيئا، فمثل كثير من البيوت في تلك المدينة، كان هذا المبنى الخرساني الباهت مملوكًا لأسرة عربية، وكان أبو سهيل الكردي الذي يملك متجرًا صغيرًا يعيش في المربع السكني نفسه.

غير أنه بعد أن سيطر تنظيم داعش على ذمار خلال هجومه الكاسح على شمال العراق في 2014 فر معظم الأكراد وتركوا المدينة للتنظيم المتطرف، وبعد شهرين جاء رد الأكراد فأخرجوا مقاتلي داعش ليصبح كل سكان ذمار تقريبًا من الأكراد الذين لم يجد كثيرون منهم أي غضاضة مثل أبو سهيل في الاستيلاء على البيوت.

ومن الممكن مشاهدة هذا التحول نفسه في المدن والقرى عبر الشريط الأرضي المتباين عرقيًا الذي يفصل المنطقة الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق عن بقية العراق العربي.

وفي ظل ما خاضته قوات البشمركة الكردية من معارك مع التنظيم اضطر كثير من العرب للرحيل عن بيوتهم، وتقدم مواطنون عاديون من الأكراد فاستولوا على الممتلكات ودمروا مباني ووضعوا أيديهم على أراض زراعية.

وزاد الأكراد مساحة الإقليم الذي يسيطرون عليه في العراق بنحو 40 في المئة منذ عام 2014، وعلى هذا المنوال يعاد رسم الخريطة في مختلف أنحاء العراق وسوريا إذ تستغل جماعات كردية تقاتل تنظيم داعش لتسوية نزاعات قديمة وتوسع نطاق أراضيها.

إصلاح أخطاء التاريخ

ويقول الأكراد إنهم يعملون ببساطة لإصلاح أخطاء تاريخية ارتكبها قادة العراق المتعاقبون وخاصة صدام حسين، فقد أدت سياسة "التعريب" التي انتهجها في الشمال إلى إزالة قرى كردية ونزوح مئات الآلاف.

لكن مسؤولين في الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي يقولون إن الأكراد يتسببون في مظالم جديدة ويهيئون الوضع لصراعات مستقبلية.

ويقلق تعاظم نفوذ أكراد العراق دولا مجاورة تخشى أن تحاول أقليات كردية فيها الاقتداء بأشقائهم الأكراد في العراق.

وتزايدت التوترات في ظل استعداد القوات العراقية والأكراد والفصائل الشيعية المدعومة من إيران لشن هجوم هدفه إخراج داعش من معقلها في مدينة الموصل، ولأطراف هذا التحالف غير المستقر عدو مشترك لكنهم لا يتفقون على شيء آخر تقريبا.

ومن الممكن رؤية آثار هذا التوتر في الشعارات المكتوبة على جدران مبان في مدينة ذمار، إذ يقول بعضها "مخصص للأكراد" و"تحيا الدولة الكردية" في مناطق كانت في وقت من الأوقات تحت سيطرة داعش.

ويقول أبو سهيل وهو يجلس في بيت والده قرب البيت الذي يقول الآن إنه أصبح ملكه "العرب يعرفون أن الحق يعود إلى أصحابه. والآن أصبحت أراضينا في أيدينا."

ويتفق مع هذا الرأي فلاح مصطفى رئيس الإدارة الكردية للعلاقات الخارجية والذي يؤكد أن الحكومة الكردية "لا يمكنها السماح بأن تذهب  تضحيات البشمركة سدى بإعادة سياسة التعريب التي اتبعها نظام صدام".

"وقائع سنوات الجمر"

ويرى الأكراد أن تدعيم أراضيهم خطوة مهمة على الطريق صوب وضع الدولة المستقلة التي يسعون لإقامتها منذ قامت القوى الأوروبية بتقسيم الامبراطورية العثمانية قبل نحو 100 عام.

وقد رسمت الحدود الجديدة حدود دولة العراق الحديثة لكنها قسمت الشعب الكردي بين العراق وثلاث دول أخرى مجاورة.

وفي العراق تعرض الأكراد للقمع على الدوام لا سيما في عهد صدام.

وذمار شاهدة على ذلك، فقد غمرت المياه القرية القديمة في الثمانينات عند بناء سد الموصل أكبر سدود العراق، وعندما ينحسر منسوب الماء في خزان سد الموصل يمكن مشاهدة أسطح أعلى مباني القرية.

وقام صدام ببناء قرية بديلة على أرض يقول الأكراد إنها انتزعت منهم. وقضى صدام الأعوام العشرين التي تلت ذلك في توطين العرب في تلك القرية وغيرها من المناطق الكردية في مختلف أنحاء شمال العراق.

وتغيرت الأوضاع بعد اجتياح العراق بقيادة القوات الأمريكية عام 2003 والإطاحة بصدام. وبعد حرب الخليج الأولى عام 1990 اقتطع الأكراد لأنفسهم جيبا حمته منطقة حظر طيران فرضها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

ومع اختفاء صدام من الصورة أخيرا ازدادت قوة الأكراد، وعاد كثيرون إلى قراهم أو ما بقي منها، وتعرض العرب للترحيل قسرا في بعض الأحيان غير أن رحيلهم كان من تلقاء أنفسهم في كثير من الأحيان.

ودعا نص دستوري جديد إلى إجراء استفتاء على مستقبل المناطق الحدودية، غير أن هذه العملية لم تكتمل بسبب الخلافات السياسية في العراق وعدم اتفاق الزعماء السياسيين على تنفيذها.

وأحيا وصول تنظيم داعش مخاوف قديمة، وقال رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في حوار سابق "إن كثيرا من السنة العراقيين يستغلون داعش لتعزيز مطالبهم.

وتسيطر الآن على بلدة ذمار قوات أمن كردية يرتدي أفرادها زيا عسكريا مموها تعرف باسم الأسايش، ويقول من تبقى من السكان العرب إنهم يخشون أن يصبحوا عرضة للانتقام منهم إذا ما فتحوا أفواههم.

لكن البعض يقول سرا إن قوات الأمن الكردية طردت مئات الناس المتهمين بأن لهم صلات بالمتشددين، واستولى الأكراد على شوارع ومناطق بأكملها كانت في السابق مملوكة للعرب.

وتقدر منظمة العفو الدولية أن عدد السكان العرب الممنوعين من العودة إلى بيوتهم في كل المناطق المتنازع عليها من الحدود السورية في الغرب إلى الحدود الايرانية في الشرق يبلغ عشرات الآلاف.

ويقول الأكراد إن من تربطهم صلات فقط بداعش هم غير المسموح لهم بالعودة ويشيرون إلى العرب الباقين كدليل على أنه لا توجد سياسة لإحداث تغيير سكاني.

وقالت دوناتيلا روفيرا مستشارة الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية "يعرفون أنهم لا يستطيعون أن يفرغوا المناطق المتنازع عليها بالكامل من العرب. فهذا لن يكون واقعيا. ولذلك فقد أخذوا قدر ما استطاعوا. وهذا تقدم من وجهة نظرهم."

وينفي مسؤولون أكراد استهداف ممتلكات العرب. ويقولون إن ما لحق بها من أضرار نتج عن ضربات جوية لقوات التحالف والاشتباكات مع داعش.

وقال متحدث باسم حكومة إقليم كردستان إنه لا يوجد جهد منسق لمعاقبة السكان العرب أو منعهم من العودة لبيوتهم.

وقال دندار زيباري رئيس لجنة حكومية للتحقيق في تقارير عن وقوع انتهاكات في ذمار ومدن أخرى إن حكومة الإقليم لا تتهاون في الحالات التي يحتل فيها جيران بيوتا بعينها.

التوجس والشك

والرجل المسؤول عن الأمن في ذمار هو العقيد نوروز بالاتي الذي أمضى 17 عاما في السجن خلال حكم صدام بسبب دوره في كفاح الأكراد من أجل الاستقلال.

وقال بالاتي إن ما يصل إلى 80 في المئة من سكان ذمار العرب انضموا إلى تنظيم داعش أو أيدوه عندما احتل التنظيم المدينة.

وأضاف أن أغلبهم من الذين تم توطينهم في عهد صدام وليس من العرب "الأصليين" الذين عاشت عائلاتهم في المنطقة على مر الأجيال.

وقال إن 50 أسرة عربية فقط تمثل أقلية من السكان السابقين للمدينة سمح لها بالعودة إلى ذمار، واعترف بأن آخرين نزحوا إلى مناطق أخرى في الأراضي الكردية ولم يسمح لهم بالعودة وقال "نحن نرتاب فيهم."

وفي الوقت نفسه انتقل الأكراد الذين تعرضت بيوتهم في قرى خارج ذمار لأضرار أو مازالت قريبة من الخط الأمامي للاشتباكات إلى المدينة.

وقال سعيد عثمان المدرس الكردي من قرية كاهرز وهو يجلس في حجرة المعيشة ببيت في ذمار استولى عليه "هذا البيت كان خاليا ولذلك انتقلنا إليه. ونحن لا نعلم من هو مالكه أو أين هو."

وأضاف أن كل شيء تقريبا في البيت يخص مالكه العربي السابق وقال "التلفزيون فقط ملكي."

ويقول بعض الأكراد إنهم سيعودون إلى بيوتهم عندما يصبح الوضع آمنا لكن آخرين لا يرون ما يدعو للرحيل.

وقال الخياط عدنان ابراهيم (39 عاما) وشريط القياس يلتف حول عنقه "التاريخ يعيد نفسه. الأكراد اضطروا للنزوح والآن عادوا. الأمور عادت لوضعها الطبيعي."

وكان العرب يهيمنون على الحي التجاري في ذمار، أما الآن فقد أعيد تسمية المتاجر لتعكس هوية أصحابها الجدد من الأكراد.

ومازالت ذمار من الناحية الرسمية تحت ولاية بغداد التي تدفع مرتبات معظم العاملين التابعين للدولة وتقرر التعيينات الرسمية كما أنها المسؤولة عن تمويل ميزانيات أجهزة الحكم المحلي.

لكن ما من شك يذكر في الطرف الذي يسيطر على المدينة، فلا يمكن رؤية العلم العراقي في أي مكان كما أنه يتم اتخاذ خطوات متزايدة لدمج إدارة ذمار في إقليم دهوك الكردي المجاور.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com