الجزائر: بعد 28 عامًا على انتفاضة 1988.. آفاق مسدودة وآمال مكسورة
الجزائر: بعد 28 عامًا على انتفاضة 1988.. آفاق مسدودة وآمال مكسورةالجزائر: بعد 28 عامًا على انتفاضة 1988.. آفاق مسدودة وآمال مكسورة

الجزائر: بعد 28 عامًا على انتفاضة 1988.. آفاق مسدودة وآمال مكسورة

طالبت أحزاب معارضة، وشخصيات سياسية، ونشطاء في الجزائر، سلطات بلادهم بكف يدها عن الحريات العامة والديمقراطية بمناسبة الذكرى الــ 28 على انتفاضة 5 أكتوبر/ تشرين الاول 1988 التي سجلت الجزائر فيها أحداث أوّل ربيع عربي.

حيث اندلعت في شوارع العاصمة الجزائرية في ذلك اليوم أحداث الغضب وكانت إيذانًا بدخول البلاد في عهد جديد من مسار هذا البلد الافريقي الذي كان يعدّ لتحول جذري بعد سنوات من الاستقلال في 5 يوليو/ تموز 1962، لكن الانحراف الذي حدث وقتها خلّف ضحايا وتخريب ممتلكات عامة وخاصة.

وتفاعلت المشاهد والسيناريوهات حتى أضحت الجزائر بلا رئيس إثر شغور منصب الشاذلي بن جديد، وما تلاه من عصيان مدني نفذته بعد سنوات جماعة إسلامية احتجاجًا على قيام صقور المؤسسة العسكرية وبينهم وزير الدفاع خالد نزار بإلغاء المسار الانتخابي الذي انتهى بفوز "جبهة الإنقاذ" بقيادة عباسي مدني، وعلي بلحاج.

اجترار الخيبات

تتحسر حركة "مجتمع السلم" على بقاء الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد على حاله رغم مرور سنوات على انتفاضة فجرها شباب جزائري غير "مسيّس" بشوارع العاصمة الجزائرية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 1988.

وقال القيادي في الحزب المعارض، وأستاذ الإعلام بجامعة مستغانم، عبد الله بن عجمية، إن إحياء مرور أكثر من ربع قرن على ثورة الحريات "يجعلنا نتيقن أن بلدنا دخل من خلال هذه الأحداث أيضًا التاريخ من خلال الثورة على الظلم والطغيان والاستبداد، متقدمة لسنوات طويلة على الربيع العربي الذي شهدته عدة بلدان عربية".

وأضاف الدكتور بن عجمية في حديث مع "إرم نيوز"، أن "الشعب الجزائري كان السباق للاحتجاج والتظاهر في زمن كانت فيه الأنظمة الحاكمة أكثر قوة وصلابة وقمعًا، فكان الشعب بحق عرّابًا ومؤسسًا للاحتجاجات المطالبة بالحرية والعيش الكريم".

وأكد بن عجمية، على أن حكومة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التي تقود البلاد منذ 1999 ما تزال "تكرّس لعقلية الاستبداد والهيمنة بواسطة قمع المحتجين في كل المظاهرات التي تطالب بتحسين الأوضاع الاجتماعية والمهنية وحتى السياسية".

ولا يعترف الناطق الرسمي لحزب حركة "مجتمع السلم" بن عجمية، بنزاهة أي انتخابات تعددية جرت في الجزائر على مدار العقود الأخيرة، مبررًا ذلك بأنها "استنساخ لنتائج مزورة تسفر دومًا عن انتخابات غير شفافة وغير ديمقراطية، ما أنتج إحباطًا للمواطن الذي لم يعد يثق في أي تغيير.

واتهم بن عجمية، نظام بوتفليقة بتوظيف موارد النفط والبحبوحة المالية التي كانت تزخر بها الخزينة العامة، لـــ"تدمير قدرات الوطن واستغباء المواطن وإغلاق اللعبة السياسية وشراء الذمم وتكميم الأفواه والعودة بنا إلى عهد الأحادية والاستبداد"، مطالبًا الحكومة بفتح المجال لتغيير سلمي وهادئ وديمقراطي حمايةً للجزائر وصونًا لها من العبث، على حد تعبيره.

أسطورة الدولة المدنية

وعلى النقيض من ذلك، تقول زهية جمعي، الناشطة بالمجتمع المدني وعضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، في تصريحات لــ"إرم نيوز"، إن بلادها تعيش في عهد الديمقراطية بفضل سياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحزمة الإصلاحات التي باشرها منذ وصوله للسلطة قبل 17 عامًا.

وتوضّح جمعي، أن من ينكر وجود تعددية سياسية وإعلامية ونقابية في الجزائر، "واهم ويقفز على الحقائق ويسوّد الوضع"، مضيفةً، أن إنجازات بوتفليقة بارزة للعيان ووعده بإرساء دولة القانون والحكم المدني قد تحقق.

ودافعت زهية جمعي، عن رؤية زعيم حزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، الذي يعتقد بأن بلاده قد انتقلت من حكم العسكر إلى حكم الدولة المدنية "حيث لا سجناء رأي ولا ممارسات قمعية ولا مصادرة للحريات".

ووجهت زهية جمعي، تهم الموالاة للمعارضة، حين تصفها بأنها "معارضة صالونات وحديث المقاهي والعاجزة عن صياغة برامج سياسية والفاشلة في إقناع المواطن بجدوى التغيير"،  وتحذر مما تعتبره بمحاولات جرّ الجزائر إلى "مستنقع الفوضى والخراب كما نشاهده الآن بدول الجوار المضطرب".

 المجهول

أما الباحثة في العلوم السياسية سمية عطاوة، فتقف بين النقيضين، وتدعو الطبقة السياسية والقوى المجتمعية في البلاد إلى "تأمّل الماضي وتجاوز الخلافات وتغليب المصلحة العامة على مصالح الساسة والأشخاص لتحقيق انتقال سلمي سلس للسلطة يضمن الحريات ويحقق الطموح ببناء جزائر ديمقراطية سياسيًا ومزدهرة اقتصاديًا".

وتشدّد عطاوة في مقابلة مع "إرم نيوز"، على أن التجاذب الحاصل بين السلطة والمعارضة ليس بوسعه الوصول إلى نتيجة إيجابية مثلما كان ذلك عشية انتفاضة 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1988.

وترجع عطاوة أسباب الأحداث الدامية التي حصلت حينها بالقول، "إنها كانت نتيجة حتمية لتغير موازين القوى في العالم، والارتباك الحاصل في النظام الدولي وقد رمى ذلك بظلاله على وضع البلاد فاستغلت جهة سياسية الأمر لحسابها وانفلتت الأمور فيما بعد، وكانت النتيجة أن الجزائر تمرّ بوضعيات حرجة".

ولا تُخفي سمية عطاوة، وجودَ إنجازات في البنية التحتية، ومشاريع إصلاحية بعدد من القطاعات على غرار منظومات القضاء والإعلام، ولكنّها تصرُّ على فشل السياسات الاقتصادية وهشاشة التركيبة الاجتماعية بسبب تغلغل الفساد في عدة مجالات وزحف المال على السياسة.

انسداد الأفق

وتظل الجزائر بين هذه المواقف متأرجحة بين تكريس الديمقراطية الحقيقية، وتحقيق السلم الاجتماعي المرتبط عضويًا بتحسين الوضع الاقتصادي والقدرة الشرائية والتنمية المستدامة، وبين مخططات خبيثة يرمي بها أصحابها إلى إعادة سيناريوهات الأزمة الدموية التي حصدت آلاف الضحايا بين قتلى ومصابين بتشوهات وعاهات مستديمة وثكلى ويتامى، مع ما ترتب على ذلك من خوف وتوجس من المستقبل يحاصران الجيل الحالي الذي لم يفهم بالضبط ماذا حصل في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1988.

وينقسم الرأي العام المحلي في الجزائر بين من يقول، إن الأحداث كانت عفوية للمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي المتردي جرّاء تداعيات أزمة البترول العام 1986، وآخرون يقولون، إن الانغلاق السياسي زمن الحزب الواحد كان سببًا في انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول لمدة عامين بعد ذلك.

ويوجد من الجزائريين من يدافع إلى اليوم عن نظرية المؤامرة التي خيطت لتفجير البلاد، وأدخلتها في أتون الحرب الأهلية، ونفق القتل والإرهاب الذي غدر بها وعصف بآمال الشعب الذي حقق انتصارًا بطوليًا على أعتى قوة استعمارية حين أنهى الاستعمار الفرنسي للجزائر في ثورة نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، لكنه فشل في بناء دولة ديمقراطية قوامها المؤسسات والعدالة الاجتماعية والحريات.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com