محمود جبريل.. "الورفلي" الذي يحارب "قاتل الأمل"
محمود جبريل.. "الورفلي" الذي يحارب "قاتل الأمل"محمود جبريل.. "الورفلي" الذي يحارب "قاتل الأمل"

محمود جبريل.. "الورفلي" الذي يحارب "قاتل الأمل"

حين كان الليبيون البسطاء يُسألون عن الرجل ذو الجبهة العريضة والهدوء الظاهر، كانوا يتطلعون إليه باحترام باعتباره يمتلك القدرة والفكر والخيال لتحويل ليبيا إلى دبي ثانية.

اتهامه بالعلمانية غداة انتخابات المؤتمر الوطني تموز 2012، كان رأس الحربة فيه مفتي ليبيا الصادق الغرياني ومليشيات رأت فيه خطراً عليها وعلى مستقبل الفوضى في البلد.

الاتهام تميز بالسذاجة بدعوى أنه يريد أن يفتتح "محلات خمور وأندية ليلية" بل وصل الأمر الى الغمز "بأن زوجته مصرية"، وكأنها تهمة!. وبرغم الحملة الشرسة ضده لم تنطل تلك "الخراريف" على الليبيين وحاز تحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه على الأغلبية في انتخابات المؤتمر الوطني.

مشهد لن ينساه الليبيون، ومنهم من يعض يديه ندماً عليه حين تعادل محمود جبريل مع مصطفى أبو شاقور في عدد الاصوات المرشحة لأحدهما لتشكيل الحكومة.. وعند الإعادة، فاز أبو شاقور نتيجة لتحالفات جديدة.. أغلبها كان يتم من تحت الطاولة.

السياسي الليبي محمود جبريل الذي ترأس أول حكومة انتقالية "المجلس التنفيذي" بعد ثورة 17 فبراير، وتولى شرح المسالة الليبية للعالم أثناء الثورة وجلب الدعم لشعبه، وضعت أمامه العراقيل للحيلولة دون جلوسه في المقعد الأول، ما عد عقدة كأداء أمام طموحه المشروع في عرف مؤيديه، والمستحيل في رأي خصومه السياسيين الذين يمتلكون المليشيات والبنادق الجاهزة للاطلاق والاتهامات المغلفة  بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان.

رأى محمود جبريل النور في بنغازي عام 1952 وفيها تربى، وله ذكريات فيها ما تزال عذابا.

 تتحدر عائلته من مدينة بني وليد وأكبر قبائل ليبيا "ورفلة"، ويمكن الاستدلال على أن عائلته هاجرت الى بنغازي بحكم الطبيعة الصعبة لمناطقهم  والظروف القاسية التي اعقبت الحرب العالمية الثانية، حالهم في ذلك حال غالبية الليبيين الذين هاجروا ايامها  شرقا، ومنهم من وصل بر الشآم.

بعيد إنهائه مرحلة الثانوية العامة شد الرحال الى مصر دارساً الاقتصاد والعلوم السياسية في  جامعة القاهرة ، وحاز البكالوريوس عام 1975.

مصر مطالع السبعينيات حركت في الفتى الليبي المنفتح على الحياة الهوى القومي مع أحداث جسام كحرب أكتوبر، وما لحق بها من أحداث فضلا عن تأثره بالثقافة والفن في أم الدنيا.

توّج جبريل المرحلة المصرية من حياته بزواجه من زميلته الباحثة الأكاديمية في الجامعة سلوى شعراوي جمعة ابنة وزير داخلية مصر الأسبق.

شغفه بالعلم قاده إلى الحصول على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة بتسبيرج بولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة عام 1980، وعلى الدكتوراه في التخطيط الاستراتيجي وصناعة القرار من الجامعة نفسها عام 1984، وفيها عمل أستاذا للتخطيط الاستراتيجي عدة سنوات.

قاد الفريق العربي الذي صمم وأعد دليل التدريب العربي الموحد، وقام بتنظيم وإدارة أول وثاني مؤتمر للتدريب في العالم العربي عام 1987 و1988، ثم تولى بعد ذلك تنظيم وإدارة العديد من برامج التدريب لقيادات الإدارة العليا في كثير من الدول العربية منها مصر والسعودية وليبيا والإمارات العربية والكويت والأردن والبحرين والمغرب وتونس وتركيا وبريطانيا، كما ورد في سيرته الذاتية.

لم يبرز جبريل كمعارض لنظام العقيد الراحل معمر القذافي وإن أكد مقربون منه أن معارضته كانت صامتة، ويستشهدون برفضه جائزة في 2010 تحمل اسم "جائزة الفاتح التقديرية"، قائلين إنه حافظ رغم تعيينه مديراً عاماً للمجلس الوطني للتطوير الاقتصادي ثم مستشاراً، على مسافة بينه وبين النظام ضاربين الصفح عن دوره الذي يقال إنه كان رئيسياً في تخطيط مشروع ليبيا الغد وجماهيرية سيف الإسلام المستقبلية ودستورها، وفق معارضيه.

 بنادق الثوار وقصف الناتو أوصلا جبريل إلى بنغازي مجددا ليتسلم مباشرة مسؤولية العلاقات الخارجية للثورة، ثم رئيسا لأول حكومة تنتزع الشرعية من المجتمع الدولي، وليطل على الليبيين في الصور التي جمعته مع هيلاري كلينتون ونيكولا ساركوزي وكاثرين اشتون.

تعزى إلى جبريل عملية تحرير طرابلس وأول من تحدث عن نزع السلاح من الشارع،  فهو يرى أن لا تقدم ولا بناء في ظل طغيان السلاح والمليشيات.

لم تتح الفرصة للرجل لإعادة تشكيل ليبيا، وفق نظرياته وطموحه، فقد أقر خصومه في المؤتمر الوطني قانون العزل الذي أطاح بكل من عمل مع القذافي.

وصف جبريل قانون العزل بأنه أسوأ بكثير من قانون اجتثاث البعث في العراق وتسبب في إقصاء الدولة لا النظام.

تشخيصه للوضع غداة إجراء انتخابات البرلمان كان مصيباً، فبرأيه إن الشعب الليبي غير جاهز لاستحقاق الانتخابات في هذه الظروف التي تحكم فيه الكتائب المسلحة البلاد.

وغداة تأزم الوضع الأمني وقبيل سيطرت مليشيات "فجر ليبيا" على العاصمة طرابلس بعد أن دمرت مطارها، غادرها جبريل للمرة الأخيرة و صرح بأن هيمنة السلاح أدت إلى حرف مسار الثورة الليبية والإطاحة بنتائج الانتخابات.

الرجل ما يزال يحمل الهم الليبي أينما حل، وما فتيء يتزعم تحالف القوى الوطنية برؤاه الاصلاحية، إنما الظرف الليبي ما يزال مرتعاً للتناحر والخلافات ولعله استذكر حزيناً أن "أكبر القتلة، إنما هو قاتل الأمل".

قبل أيام، أكد جبريل  للمبعوث الأممي مارتن كوبلر أن ما وصفه بفشل المجلس الرئاسي "دليل على أن التوافق الوطني يجب أن يكون حول مشروع يتضمن حل المشكلات التي تعيق قيام الدولة بالتوافق، وليس التوافق على تقسيم المناصب بالمحاصصة".

ولعله برفضه للمحاصصة والمناصب استرجع مروره يوماً من تحت قوس الامبراطور الروماني ماركوس اورليوس في طرابلس، هذا الامبراطور الحكيم القائل "العنكبوت فخور حين يأخذ ذبابة، وهذا الرجل فخور حين يأخذ أرنبًا صغيرًا، وذاك فخور حين يستولى على بلاد غيره أو يبيع أرضه ، والجميع من حيث المبدأ لصوص...".

ما يتبقى في سيرة محمود جبريل.. لم يخط بعد!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com