يؤكد جيفيري غوفن، الذي سلك كغيره من مئات الاتراك طريق المنفى إلى اليونان التي باتت من جديد بوابة للمنشقين عن جارتها، "لم يعد هناك أي عدالة في تركيا".
وقال غوفن (38 عاما) الملاحق بسبب انتمائه إلى تيار فتح الله غولن الداعية المتهم بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية التي وقعت في تموز/يوليو الماضي، إن اليونان هي "البلد الحدودي الديموقراطي الوحيد. بلغاريا تعيد إلى تركيا كل اللاجئين السياسيين".
وعبر هذا الصحافي، الممنوع من مغادرة تركيا والمحروم من جواز سفر وكان مسؤولا في مجلة "نقطة"، نهر ايفروس الحدودي سرا مع زوجته الصحافية ايضا وابنيهما اللذين يبلغان من العمر خمس سنوات وثماني سنوات.
وقد تمكن من القيام بذلك في الوقت المناسب بعدما اوقف مرات عدة، ليفلت من حكم غيابي بالسجن 22 عاما وستة أشهر صدر في ايار/مايو. وهو ينفي تورطه في أي محاولة لاسقاط النظام.
وخوفا من "التعذيب" عاش الزوجان مختبئين لنحو شهرين.
هناك آخرون مروا عبر الجزر اليونانية متبعين الطريق نفسه للهجرة الكبرى في 2015. وفي المجموع، طلب نحو 400 تركي اللجوء إلى اليونان منذ تموز/يوليو الماضي.
ويذكر وصول هؤلاء بتدفق ناشطي اليسار والأكراد في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
البعض لا يريدون سوى العبور باتجاه شمال أو غرب الاتحاد الأوروبي.
وقال تركي آخر لـ"فرانس برس" طالبا عدم كشف هويته: "على أوروبا الاستعداد لاستقبال اللاجئين الأتراك في السنوات المقبلة".
الخوف من "الجواسيس" الأتراك
خلال أحد عشر شهرا، سجن النظام التركي أكثر من خمسين ألف قاض وشرطي وموظف وصحافي، بينما أقيل أكثر من مئة ألف آخرين او كفت يدهم.
ويتطلع المهربون إلى هؤلاء الزبائن.
ويقول غوفن: "لو كانت عائلة سورية لدفعت ألف يورو. نحن دفعنا 15 ألف يورو".
وهو يشعر بالارتياح لأن ابنيه المسجلين في المدرسة اليونانية يمكنهما بدء حياة جديدة، لكنه يشعر بالقلق مع ذلك.
وقال: "نشعر بالخوف من أن يرسل (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان أشخاصا لخطفنا".
وعززت هذه المخاوف شكوكا بعمليات إبعاد بالقرب من الحدود لمجموعتين من اللاجئين بينهم أطفال في نهاية ايار/مايو.
وتفيد هذه المعلومات، التي نقلتها الفدرالية الدولية لحقوق الانسان، بأن شرطيين يونانيين قاموا بتسليمهم إلى رجال ملثمين وطردوا بالقوة.
وبين هؤلاء رئيس تحرير مجلة "نقطة" الذي صدر عليه حكم مماثل لعقوبة غوفن. من جهتها، أعلنت وسائل الاعلام التركية أنه اوقف في 24 ايار/مايو بينما كان يستعد للهرب إلى اليونان.
وقال غوفن إنه "طرد" بدون ان يذكر الجهة التي قامت بذلك.
وتؤكد السلطات التركية انها تحقق في الامر وتنفي أي تورط رسمي من جانبها.
وذكر مصدر في الشرطة ان "ذلك ليس منطقيا" بينما جازفت البلاد خلال الشتاء بتحدي انقرة عبر رفضها تسليم انقرة ثمانية ضباط اتراك فروا إليها بمروحية غداة المحاولة الانقلابية.
لكن طلبات اللجوء تطول وما زال غوفن ينتظر الرد على طلبه.
وقال إنه في مراكز العزل "نخاف من بعضنا"، تضاف إلى ذلك الصعوبات المالية "بسبب الاملاك المصادرة والحسابات المجمدة في تركيا".
طفرة الهجرة
في خضم الازمة الاقتصادية التي تشهدها، لا تملك اليونان فرصا كثيرة يمكن ان تقدمها.
وقالت مجموعة من الأتراك الذين وصلوا للتو إنه في المقابل "القرب الجغرافي والثقافي يجعلنا نشعر أننا في بيتنا هنا".
وصرح احد هؤلاء المهاجرين طالبا عدم كشف هويته بأنهم "يطلبون اوروبا والعلمانية ولم يعودوا يعرفون انفسهم في تركيا في طريق اعادة التشدد الاسلامي اليها".
ويستفيد هؤلاء الذين ينتمي معظمهم الى النخبة السابقة، من العرض اليوناني بالحصول على تصريح اقامة قابل للتمديد مقابل شراء عقار تبلغ قيمته 250 ألف يورو على الاقل.
وقال ميخاليس كاتساريس، وهو سمسار العقارات شمال اليونان: "هناك طفرة في السوق".
ومنذ بداية العام منحت اثينا 1684 من هذه التصاريح مقابل 1550 لعام 2016 باكمله.
ومعظم المستفيدين من ذلك ما يزالون يعيشون بين البلدين لكنهم يريدون الحصول على قاعدة خلفية لهم في حال احتاج الأمر لذلك.
ومن سخرية القدر أنهم يختارون في أثينا ضاحية فاليريس الراقية.
هناك، استقر نحو خمسين الف يوناني من اسطنبول طردوا في آذار/مارس 1964 من العاصمة العثمانية السابقة في اطار النزاع حول قبرص.
وقال أحد الواصلين "إنهم يستقبلوننا ويساعدوننا. انه لقاء جديد".