تواجه حركة "النهضة" في تونس، على مر الأعوام الماضية، اتهامات واسعة باختراق الجهاز القضائي، حيث أحكمت فيها قبضتها على القضاء، وطمست ملفات وأخفت وثائق تدينها وتكشف جهازها السري.
ويشير محامون ومحللون ونواب في البرلمان إلى أدلة قطعية تدين الحركة، بوضع يدها على الجهاز القضائي، مؤكدين أن فتح هذا الملف سيحرج الحركة كثيرا وقد يورطها في قضايا خطيرة.
ويجمع متابعون لملف اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي على أن حركة النهضة كانت لها يد في تغيير وجهة الأبحاث، والتستر على متهمين وطمس أدلة، مستخدمةً في ذلك قضاة تم إدخالهم بيت الطاعة، لا سيما وكيل الجمهورية البشير العكرمي، الذي باشر لسنوات مهمة التحقيق في قضية اغتيال شكري بلعيد.
وأكد المحامي رضا الرداوي لـ "إرم نيوز" أن "العكرمي شغل منصب رئيس النيابة العامة بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، ورئيس النيابة العامة للقطب القضائي المالي، وعندما أزيح من منصبه في 10 آب/أغسطس 2020، لم يدخل قرار إزاحته حيز النفاذ إلا في 16 أيلول/سبتمبر 2020"، موضحًا أنه "كان أمامه شهر وعشرة أيام لإتلاف ما شاء من الوثائق والمعطيات، والقيام بإحالة آلاف القضايا خلال هذه الفترة الوجيزة لإنقاذ نفسه".
بدورها، اعتبرت المحامية والنائبة السابقة في البرلمان مباركة البراهمي أن "تولي رئيس الجمهورية قيس سعيد رئاسة النيابة العامة بنفسه يمثل دليلا على أن الأمور لم تكن تسير كما يجب في ملفات الإرهاب والفساد".
وأكدت البراهمي، أرملة السياسي محمد البراهمي الذي اغتيل عام 2013، أن "هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي تتحدث منذ ثمانية أعوام عن أن وكيل الجمهورية البشير العكرمي هو المسؤول الأول عن محاولات إتلاف القضية وغلق الملف نهائيًا، عبر إفراغ محتوياته وسرقة الأدلة والوثائق، وهذا ما أقره القضاء"، الأمر الذي أكده أيضًا النائب عدنان الحاجي، حيث قال إن هناك أدلة ثابتة متوفرة لدى هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، مضيفًا: "اليوم نقترب من الحقيقة"، وفق تعبيره.
وتحدث المحامي رضا الرداوي عن كيفية وضع حركة النهضة يدها على القضاء منذ 2011، مذكرًا بأنه "تم بعد انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2011 تعيين القيادي بالحركة نور الدين البحيري وزيرًا للعدل، حيث بادر بتجريد عشرات القضاة من مناصبهم، واستولى على الخطط الوظيفية الكبرى في جهاز القضاء، وأساسًا استولى على أكبر خطة مركزية في القضاء، وهي خطة وكيل الجمهورية، وتولى استقدام البشير العكرمي وتعيينه قاضيًا للتحقيق في محكمة تونس يوم 31 كانون الثاني/يناير 2013، أي قبل سبعة أيام من اغتيال شكري بلعيد".
وأكد الرداوي أنه "بداية من تلك اللحظة أشرفت حركة النهضة على كل التحقيقات القضائية الخاصة بالاغتيالات السياسية، وعطلت التحقيق فيما عرف بملف الجهاز السري للحركة، وتبين خلال الأعوام 2014 و2015 و2016 وحتى في أيار/مايو 2020 تعمد الحركة سرقة وثائق وملفات جديدة تدينها".
وذهب الرداوي إلى القول إن "الحركة لم تخترق القضاء فحسب، بل الحياة السياسية عامة والصحفيين، وقد وجد في جهاز حاسوب مصطفى خذر، المنتسب للحركة والمتهم الرئيسي في اغتيال شكري بلعيد، قوائم لصحفيين وتصنيفات لهم، وبعض المعطيات الشخصية والتاريخية عنهم"، وفق تأكيده.
من جانبه، يؤكد عضو هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، أنور الباص، أن الأدلة القانونية التي تدين "النهضة" ثابتة وموجودة منذ عام 2018، وأساسًا مسألة الجهاز السري، والكم الهائل من الوثائق التي أنجزت عن مصطفى خذر، الذي أصبح اليوم متهمًا رئيسيًا ومشاركًا في اغتيال البراهمي.
ولفت إلى الجرائم التي ارتكبها البشير العكرمي سواء كقاضي تحقيق عندما تولى مباشرة ملف اغتيال شكري بلعيد عام 2013، أو منذ 2016 حين تولى منصب وكيل الجمهورية، وعندما وردت عليه شكاوى عن الغرفة السوداء (في مقر وزارة الداخلية)، التي تضم وثائق خطيرة تدين حركة النهضة، سارع إلى تكذيبها، والكم الهائل من الوثائق التي تمت إحالتها إلى وكيل الجمهورية دون أن يتم النظر فيها.
المحلل السياسي يوسف الوسلاتي أكد أن هناك غطاء سياسيًا منحته حركة النهضة لإطارات قضائية تسترت على ملفات إرهاب، وأن الأمر يتعلق بأكثر من 6 آلاف ملف، وهذا مضمن في تقرير تفقدية وزارة العدل، إضافة إلى تقديم هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي وثائق وأدلة تؤكد أن جهاز القضاء لم يعد مستقلًا، وأنه يخضع لإملاءات طرف سياسي هو حركة النهضة.
وبحسب الوسلاتي، فإن هناك أدلة كثيرة وقوية على تورط الحركة في إتلاف وطمس وثائق وإخفاء جرائم ارتكبها عناصر من حركة النهضة.