تُشكل صادرات التبغ القادمة من الإمارات إلى السعودية، جزءًا يسيرًا من واردات الرياض من منتجات تلك المادة التي تهيمن عليها دول، مثل ألمانيا، وتركيا، اللتين تصدّران مختلف أنواع السجائر إلى المملكة، لكن أبوظبي كانت الوجهة الرئيسة للاتهامات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية حول التبغ المغشوش في أسواق المملكة.
وأثارت الاتهامات شكوكًا واسعةً حول وجود حملة تستهدف علاقات السعودية والإمارات، وبعد نحو يومين من ظهور تلك الاتهامات للإمارات تأكد الكثير من مواطني البلدين من شكوكهم عندما تحولت الدعوة من مقاطعة استيراد منتجات التبغ، إلى مقاطعة كل منتجات البلد الخليجي بزعم أنها مغشوشة.
ويقول مدونون بارزون من السعودية والإمارات، إن"قطر هي من تقف وراء الحملة الجديدة شأن حملات سابقة نظمتها لضرب تحالف الرياض أبوظبي القوي، منذ قرر البلدان إلى جانب البحرين ومصر مقاطعة قطر منتصف العام 2017، وكشفوا من خلال ردودهم على الحملة الجديدة خبايا ما دار خلال الأيام الماضية".
وقال المدون السعودي منذر آل الشيخ مبارك:"إن الاستعجال الذي وقع فيه منظمو الحملة، بتحويل دعوتهم من مقاطعة منتجات التبغ إلى كافة السلع الإماراتية، كشف هويتهم، وأفسد الخطة في آن واحد".
وكان المدون السعودي يرد على تدوينات لشخصيات موالية لقطر، بدت داعمة للحملة، وتحاول إظهارها كما لو كانت تلقى استجابة حقيقية بين السعوديين، بينما يُظهر تتبع الحسابات التي دعمتها على موقع "تويتر"، أن غالبيتها وهمية، أو لشخصيات موالية للدوحة.
ومن بين الداعمين للحملة، حساب باسم سلطان الطيار، وهو حساب وهمي ينتحل صفة مستشار أمني سعودي بارز سبق أن دعا متابعيه للحذر من متابعة الحساب المزيف الذي تستشهد بتدويناته وسائل إعلام قطرية على الدوام.
وقال المشرفون على حساب الردع السعودي الذي ينشط على "تويتر" في قضايا متنوعة، في رد ٍعلى مزاعم وجود حملة سعودية لمقاطعة المنتجات الإماراتية:"من طرق أبواق #النظام_القطري المأجورة لإضفاء المصداقية على الشائعة، وبث الكراهية بين الشعوب المستهدفة: 1- إطلاق هاشتاق.. 2- عمل حسابات وهمية تحمل اسم وقبيلة معروفة.. 3- التغريد عبر الحساب.. 4- تنقل التغريدة قناة بني صهيون #الخنزيرة. .. ✓ اكتملت الشائعة بنجاح وصدقها #الساذج".
وفي إشارة لكون الحسابات التي تدعو للمقاطعة وهمية، قال الأمير السعودي عبدالرحمن بن مساعد عبر تويتر:"ليس كل من يضع علم السعودية أو صور رموزها هو بالضرورة سعودي، بل ربما يكون من أشد كارهيها، ولا كل من يضع علم الإمارات أو صور رموزها هو بالضرورة إماراتي، وهذا ينطبق أيضًا على أي دولة".
وتشكل منطقة جبل علي التابعة لإمارة دبي، وميناؤها الكبير، وجهةً رئيسة للشركات العالمية منذ سنوات، حيث أقامت فيها مصانعها ومستودعاتها للاستفادة من الرسوم المخفَّضة في المنطقة الحرة والقريبة من عدد كبير من الدول التي تستورد تلك البضائع.
ويقول دعاة المقاطعة عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي التي يزعمون فيها أنهم سعوديون، إن المنطقة الحرة في جبل علي مكان لتصنيع البضائع المغشوشة وتصديرها إلى السعودية، بينما تحظر الإمارات على أسواقها دخول البضائع المصنعة في المنطقة الحرة.
وسرعان ما رد كثير من المدونين الإماراتيين البارزين والمعروفين على تلك المزاعم، من خلال شرح آلية عمل السوق الحرة في منطقة جبل علي، والخافية على الكثيرين، حيث تستورد الدول من تلك المنطقة بحسب المواصفات المعتمدة لديها.
ورغم غياب التفاعل الفعلي على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية مع حملة مقاطعة المنتجات الإماراتية، واقتصاره على الحسابات الوهمية أو الشخصيات الموالية والمؤيدة للسياسة القطرية، إلا أن هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس، ردت على الاتهامات المثارة حول البضائع المغشوشة.
وقالت الهيئة الحكومية في بيان لها إن جميع المنتجات المتداولة في أسواق دولة الإمارات، والتي يتم تصنيعها أو استيرادها، مطابقة للمواصفات القياسية الإماراتية والخليجية المعتمدة، وتخضع لنظام تأكيد الجودة الشامل، المعمول به في الدولة، والذي يضمن مطابقة المنتج للمواصفات، ويلبي حقوق المستهلك.
وأوضحت الهيئة، في بيان لها، نقلته وكالة الأنباء الإماراتية، ضوابط التدقيق والرقابة على التصنيع في الدولة، حيث تتضمن المنتجات المصنعة كذلك لأغراض التصدير إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وبعض الدول الأجنبية، مشيرة إلى أن بعض المنتجات قد تخضع إلى أنظمة ومواصفات ومعايير وإجراءات الدول المستوردة، وفق المواصفات القياسية المتبعة لديها.
وقالت الأكاديمية السعودية، سعاد الشمري، في أعقاب بيان الهيئة الإماراتية:"بالنسبة للمنتجات التي تستورد من #جبل_علي كمنطقة حرة المسؤول عنها كمواصفات التاجر السعودي الذي يطلبها ويطلب من الصين الأردأ جودة، هذا غير شغل التستر، فالإخوة اليمنيون تحديدًا وغيرهم يسلّمهم السعودي الخيط والمخيط، ولديه القابلية للتستر عليهم لذلك يُحضرون المنتج المغشوش.. نحن السبب وليس #الإمارات".
دوافع الحملة
ولا تعترف الدوحة بكونها تقف خلف الحملات المتكررة للوقيعة بين الإمارات والسعودية، وهو أمر اتبعته مع جيرانها الخليجيين حتى قبل الأزمة الخليجية، عندما كانت ترفض الاتهامات الموجهة لوسائل إعلامها، بالإساءة لدول الخليج وتهديد أمنها.
وشنت وسائل إعلام قطرية مدعومة بمدونين قطريين وعرب مؤيدين لسياستها إلى جانب حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أشهر حملة ترويج شائعات بوجود خلاف كبير بين الرياض وأبوظبي حول الوضع جنوب اليمن، قبل أن تُبدد الرياض وأبوظبي تلك المزاعم وتشرفان على اتفاق بين طرفي الخلاف من اليمنيين.
ويقول مدونون من السعودية والإمارات، إن الدوحة "تستهدف من الحملة الجديدة إحداث وقيعة بين الإمارات والسعودية بهدف مواصلة جهود مصالحة بدأت من خلال التسريبات أن الدوحة تريدها مع الرياض فقط".
وقال الإعلامي السعودي، عبدالله البندر:"إعلام قطر بدأ الحملة الإعلامية الصبيانية مجددًا بعد القمة الخليجية ابتداءً من تغريدات شقيق تميم المسيئة، إلى قناة الجزيرة، وتلفزيون قطر الرسمي، حتى تنشيط خلاياهم على "تويتر" عبر حسابات جديدة، ورفع هاشتاقات لضرب دول المقاطعة، وتفتيت ترابطها بشكل مكثف جدًا.. لن نترك لهم مجالًا".
وقال رجل الأعمال السعودي، عبدالعزيز الموسى، فيما يبدو أنها نهاية الحملة المزعومة: "#مقاطعة_المنتجات_الإمارتية، خبتم وخاب مسعاكم يا من أطلقتم هذا الهاشتاق و #الإمارات الحبيبة كل ما يأتي منها خير، وعز، وبركة، وما يتم تصنيعه فيها كأنه يُصنّع عندنا في السعودية.. أفلامكم هذه لا تنطلي إلا على السُّذج في وقت مضى، أما الآن فهناك من يبيّن حقيقتكم وأهدافكم النتنة والخبيثة".
وقال الكاتب والباحث السياسي، يحيى التليدي، في سياق مماثل:"الوعي لدى المتلقي أصبح أكبر من الأكاذيب التي يبثها الحاقدون الذين همهم تشويه صورة #السعودية و #الإمارات، ومحاولة الوقيعة بينهما، ولن تتوقف مخططاتهم ومؤامراتهم، ولكنهم دائمًا يخسرون، لأن دول بحجم وثقل السعودية والإمارات أكبر من أن تتأثر بمثل هذه الحملات، وستتحطم الهجمات على صخرة الحقيقة".