الناقدة لطيفة الزيات تدرس أعمال نجيب محفوظ
الناقدة لطيفة الزيات تدرس أعمال نجيب محفوظالناقدة لطيفة الزيات تدرس أعمال نجيب محفوظ

الناقدة لطيفة الزيات تدرس أعمال نجيب محفوظ

القاهرة- ضمن ما أطلق عليه النقاد توصيف "التجديد التقني في عالم نجيب محفوظ" انشغلت الناقدة لطيفة الزيات في كتابها "نجيب محفوظ.. الصورة والمثال" الذي صدر في طبعة جديدة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب - لتقدم دراسات عدة عن أعمال محفوظ التي ظهر فيها التجديد بكتابته؛ تبدأ من رواية "اللص والكلاب" وصولا إلى رواية "ميرامار.

هذه الدراسات التحليلية محاولة لفهم المعنى العام للنص المحفوظي واستنباطه من أطره الفلسفية المدرجة في كل رواية، وتأصيل الأسس الفلسفية كهذه الأطر، وكأننا والكاتبة أمام نقاش لا ينتهي حول الشكل الروائي والمتطور الفلسفي في عالم محفوظ.



وعن فترة "التجديد التقني في عالم محفوظ الأدبي" تتناول الناقدة، قراءة لبعض روايات هذه المرحلة، ففي رواية "اللص والكلاب"، تقول:"يتحالف الأسلوب والبناء الروائي على إكساب "اللص والكلاب" أكثر من مستوى من مستويات المعنى، والمستوى الذي سأبدأ بتتبعه هو المستوى الذي يسجل وطأة الماضي على الحاضر وخلاص الشخصية في "اللص والكلاب" يتوقف على قدراتها على تجاوز ماضيها إلى حاضرها، وصراع الشخصية من أجل تحقيق هذا الخلاص صراع محتدم بالفشل؛ فالشخصية، تدور في دائرة مفرغة، لأنها وليدة الماضي فسناء تتنكر لسعيد لأنها – بحكم الوراثة – متحجرة القلب مثل سعيد، كما يفسر الموقف الشيخ الجنيدي حين يقول: "ما أشبهها بك."

الطريق

وتتحول الناقدة إلى رواية "الطريق"، قائلة: يكتشف صابر ليلة موت أمه هوية جديدة تضاف إلى هويته كابن لبسمية عمران، القاتلة، وإمبراطورة الليل في الإسكندرية. وصابر ليس ابن زنا وابن بلطجي كما تصور دائمًا، ولكنه ابن وجيه هو سيد السيد الرحيمي.يتساءل صابر وهو يقلع أول ما يقلع في رحلة البحث عن الأب، أين تقع الحقيقة؟ وكيف يتبع الحلم؟ هل هي حقيقة أمه التي ماتت أم أبيه الذي يعيش من الموت؟ وسيظل الأمر يختلط عليه طوال البحث، وفي "الطريق يتقبل الكاتب، بمقتضى الخلفية الصوفية، حقيقة تمزق الإنسان بين الباطل والحق، ولكنه لا يميل إلى تحميل الإنسان مسئولية هذا الوضع. والإنسان - وفقًا له - ولد بتراث ثقيل من الجريمة ومن الشر بشكل واقعه المادي، وهذا التراث ليس من صنع الإنسان، ولكنه في الوقت ذاته لعنته وقدره معًا."والطريق" في أعماقها ليست إلا صرخة احتجاج مؤلمة ضد الاحتلال من الإنسان الذي لا يتوقف عن تلمس الطريق إلى الخلاص وإن أعوزه الدليل.

من العالم الآخر

تذكر الناقدة د. لطيفة الزيات أنه في عام 1945 نشر نجيب محفوظ في مجلة "الرسالة" قصتين من قصصه القصيرة، الأولى "همس الجنون" والثانية "صوت من العالم الآخر". والأولى تعني بوضعية الإنسان في المجتمع، وتعني الثانية بوضعية الإنسان على إطلاقه في الكون، وتبدأ الكاتبة بقصة "صوت من العالم الآخر"، فتذكر: "صوت من العالم الآخر" يقع الحدث في عصر مصر الفرعونية لا يلقى تحديدًا، ولا يتطلب التحديد، فالحدث بطبيعته غير تاريخي يقوم على التجريد ويستهدف إطلاق أحكام عامة على الكون، وعلى وضعية الإنسان في الكون، وشخصية توني الكاتب والمحارب لا تستمر أهميتها من كونها شخصية روائية، ولكنها تتجلى أهميتها عبر ما تدل على ما يحدث للإنسان بعد الموت.

والشخصية الرئيسة في قصة "صوت من العالم الآخر" هي كاتب أمير من أمراء مصر الفرعون ومحارب من أشجع محاربيه. و تتمتع بصفتين من صفات الحقيقة العليا قبل أن يجتمعا فى أعمال نجيب محفوظ في شخصية واحدة، وهما صفة القوة إضافة إلى صفة الحكمة.

وتعني قصة "همس الجنون" بوضعية الإنسان في هذه الدنيا،وهو الجانب المتصل بالعلاقة بين ثنائية الضرورة والحرية وثنائية العلة والمعلول التي تحكم - إلى حد كبير - حياة الإنسان وتسوي ما بين العقل والضرورة من ناحيته، وما بين الحرية والجنون من ناحية أخرى. وترتبط حالة الجنون في القصة بالبعث والحيوية والإقدام والقدرة على الحركة والطرب والطمأنينة والسعادة والشعور بالتفوق على الآخرين.

يصلنا الحدث في "همس الجنون" من وجهة نظر الكاتب العليم بكل شيء، الذي يروي ما حدث للشخصية، والراوي تقيم مساحة ما بينه وبين الشخصية، ويتتبع ما حدث لها من أحداث خارجية دون أن يطلعنا على ما يدور بداخلها من شاعر وأفكار وتقول الناقدة: "يأخذ نجيب محفوظ عن الفلسفة المثالية الغربية القائمة على وحدة الوجود وعلى وجه التخصيص عن الفيلسوف هيجل. ولعل من شأن التعرف على متطور هيجل للشخصية التراجيدية أن يغني معرفتنا بمتطور نجيب محفوظ للشخصية الروتينية، فشخصيات محفوظ بداية من "عبث الأقدار"، ونهاية بـ "ميرامار"، تتمتع في معظمها بخاصية واحدة، وإن لم تدخل هذه الشخصيات في كل الأحيان في صراع تراجيدي تحت لواء هذه الخاصية المنطقية."

وفي المرحلة ما بين "اللص والكلاب" و"ميرامار" نرى الشخصية ذات الخاصية النمطية وهي تدخل صراعًا تراجيديًا لا قرار خاصيتها النمطية وإعلاء شأنها ونراها وهي تتمثل ذاتها في القوة الأخلاقية التي تمتلكها، ولا تقر بمعتبرات سواها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com