الشبكة العنكبوتية تغير السياسة العالمية

لم تعد شبكة الإنترنت خاصة مواقع التواصل الاجتماعي مجرد شبكة معلوماتية فحسب بل تحولت إلى سلاح فتاك في يد المواطنين و المجتمع المدني للاحتجاج وتغيير مجرى الأمور ، وبعبعا يقض مضجع كل من يمارس السياسة في العالم.

وتعد الأمثلة كثيرة على القوة الضاربة التي اصطبحت تمثلها الشبكة العنكبوتية ، ومن أهمها استخدام مواقع التواصل الإجتماعي في الثورات وإسقاط الأنظمة في المنطقة العربية فإذا كان قيام "محمد بوعزيزي" بإحراق نفسه قد أشعل الشرارة التي أطلقت الثورة في تونس ، فالمدونون التونسيون هم من مهد لهذه الانتفاضة ، وبعدهم أشعل رواد فيسبوك في مصر ميدان التحرير ثم باقي الدول العربية.

كما ساهمت هذه المواقع بكشف أسرار الدول و الحكومات ولعل ابرز مثالين على ذلك ما قام به موقع ويكيليكس ، كما أدى انتشار الشبكة العنكبوتية إلى السماح للمواطنين بالتصويت على القوانين حيث أصبح بإمكانهم برفقة منظمات المجتمع المدني خلق صفحة خاصة تعرض من خلالها الآراء وتجمع التوقيعات للحيلولة دون تمرير قانون ما ، كما حدث سنة 2013 بفرنسا عندما كانت الحكومة تستعد لإقرار قانون برفع الضريبة على رأس المال ، فتجند أصحاب المقاولات الصغرى وأنشؤا صفحة على فيسبوك وصل عدد أعضائها 100 ألف في فترة وجيزة ، ففتح لهم الإعلام أبوابه للتعبير عن انتقاداتهم ، مما دفع الحكومة إلى تجميد مشروع القانون إلى اجل غير مسمى.

وأرغمت مواقع التواصل الإجتماعي بعض الحكومات على تقديم استقالتها ومن المواقع العالمية التي اشتهرت بجمع التوقيعات على العرائض عبر العالم موقع change.org و الذي يحدد له كهدف (حسب تعبيره) "تمكين الناس في كل مكان من خلق التغيير الذي تريد أن تراه"، وهذا ما حققه فعلا للأسبان سنة 2013 عندما وقعوا عريضة تطالب بإسقاط الحكومة بعد افتضاح قضية ارتشاء جاء فيها ذكر الوزير الأول آنذاك "ماريانو راخوي".

وفي حالات أخرى أجبرت مواقع التواصل بعض المسؤولين في العالم على الاعتذار بعكس المقولة الشهيرة للرئيس الفرنسي الراحل "فر انسوا ميتيران " في أحد خطاباته أنه يجب على رجل السياسة أن لا يعتذر أبدا ، وما كان ليقول هذا لو أنه حضر عصر الثورة التكنولوجية الذي أرغم الوزير الأول الفرنسي على الاعتذار لأنه استعمل طائرة رسمية لينتقل برفقة أبنائه إلى ألمانيا قصد متابعة المباراة التي جمعت بين "برشلونة" و "جيفونتوس" ، حيث لم يستطع الصمود أمام هاشتاج #berlingate الذي قلب المواقع الفرنسية لأربعة أيام.

كما تمثل ذاكرة غوغل سجلا تاريخيا لأي فضيحة ، فإذا كان الإنترنت لا يسمح بالتستر على أية فضيحة ، فهو أيضا لا يسمح بنسيانها ، لأن محرك البحث العملاق غوغل قادر على النبش بعيدا في ماضي السياسيين ، فأصبح بإمكان كل مواطن معرفة أدق التفاصيل حول القادة السياسيين أو حتى المرشحين لبعض المناصب،ولا يتوقع أن يصبح قانون "الحق في النسيان" حاجزا صلبا.

وفي السياسة الإقتصادية يأتي صك العملة كأحد الأدوات الحديثة الناتجة عن الشبكة العنكبوتية فهذه المهمة التي كانت عبر العصور حكرا على الدول لم تنج من زحف الإنترنت ، فمع ظهور العملة الإلكترونية "بيتكوان" يمكننا في المستقبل توقع مبادلات عالمية لا تحتاج إلى تغيير العملة أو تدخل من البنوك.

ويمكن كتابة التاريخ من خلال الشبكة فأغلب الطلاب يلجأون إلى موسوعة ويكيبيديا للقيام ببحوثهم فيما يتعلق بالشخصيات و الأحداث التاريخية،وفي الإدارة الالكترونية تتراجع علاقة المواطنين بالمؤسسات العامة وموظفيها شيئا فشيئا إلى أن تغيب ذات يوم ويصبح مكانها معاملات بأزرار الحاسوب.

كل ما سبق يثبت تدخل الشبكة العنكبوتية بشراسة في كل مهام الدول و الحكومات ، الأمر الذي غير شكل الممارسة السياسية تماما ، وسيرغم العاملين في هذا المجال على نهج أساليب جديدة بدأت تظهر معالمها الأولية مع البوابات الالكترونية الرسمية للمؤسسات الحكومية ، و الحسابات الشخصية لنساء ورجال السياسة في تويتر وفيسبوك.