رشا عمران تصدر بانوراما الموت والوحشة
رشا عمران تصدر بانوراما الموت والوحشةرشا عمران تصدر بانوراما الموت والوحشة

رشا عمران تصدر بانوراما الموت والوحشة

الحياة في العالم العربي في هذا الوضع المتهالك، وهذا الكم الهائل من تكاثر الصراعات وبدائيتها، قد نصل في كفاحنا للعيش وتحمل آلية العيش، إما أن نموت .. أو نصادق الموت أو أن ننشغل في تحليله.

لكن من الممكن أن الشاعرة رشا عمران في ديوانها الشعري الأخير ( بانوراما الموت والوحشة – دار نون 2013 ) قد تخطت جميع المراحل لتصل إلى مرحلة أنسنة الموت .. الإصغاء إليه جيداً، ومراقبته بنفس الطريقة التي يراقبنا بها .. الإقتراب منه حدّ الإلتصاق.

" بانوراما الموت والوحشة " ثمانين نصاً عن أنثى تعيش في مملكة العزلة. أما الحياة، والحب والرجال لا نراهم سوى تفاصيل تبقى معلقة على الهامش العام، ولم يتم ذكر " الرجال " بشكل واضح إلا في نص رقم 41 ( صفحة 47 ) :

" الرجال الذين أحببتهم في حياتي

الرجال الكثر الذين أحببتهم في حياتي

أخرجهم من الحقيبة الحمراء أسفل السرير

وأضعهم على الطاولة أمامي

كلما مددت يدي كي ألمس الرجل الأخير في الصف المنسق كأحجار الدومينو تساقطوا واحداً إثر واحد

الصوت المتواتر الذي يخلفه تساقطهم على الطاولة

يؤنس وحدتي الآن

حياتي التي تشبه حقيبة حمراء فارغة

مركونة أسفل سرير فارغ "

رشا عمران القادمة من بلاد كل شيء فيها إلا الحياة، من وطنها سوريا، اختارت عزلة تامة بأشد العواصم العربية كثافة سكانية وصخباً ألا وهي القاهرة .. كتبت أغلب نصوص الكتاب في مملكة العزلة هذه، التي كانت بمثابة رسم إنعكاس دقيق لمرآة الذات، وأي ذات ؟ هي ذات الأنثى التي تعيد النظر بماخلفته الأيام وبما خلفته الحروب من دمار في بلادها، وهي التي لم تستطع الإنفصال عن ذاك المكان، وننشر هنا مقتطف من نص رقم 5 ( صفحة 11 ):

" قلت :

سأفتح النوافذ ..

سأشعل كل مالدي من الشموع ..

سأرفع صوت الموسيقا التي أحب .. سأوقد العطور في المباخر ..

لكنني،

ما إن هممت بالوقوف حتى تفككت

كدمية بلاستيكية

متروكة قرب جدار تهدم

للتو "

- مشاهد للموت متعددة، نصوص كثيرة تحيك الطريق إلى الموت بتأني، لا شيء يفلت منها .. الأرض، التراب، الحائط ، انعكاس ظلها على الحائط، الطاولة ، الروائح، الرطوبة .. تؤرخ من خلال تفاصيل بيتها وأشيائه شواهد لضحية واحدة. محاولات عديدة لإعادة الحياة لكن من دون جدوى وهذه من نلحظه في هذا نص رقم 2 ( صفحة 8) :

" ثم كنت أحاول أن أستنبت حياة هنا ..

عزّقت أرضاً ورششت بها التفاصيل كما البذار ...

وكل صباح أفرد مابي من الرطوبة على مساحة المكان، وأطلق الأسماء على أجزائها لعلها تصدق أسماءها مثلي ..

اليوم .. اليوم تماماً انتبهت كيف تميل شتلاتي القزمة باتجاه واحد فقط ..

المقبرة "

لا تقف الكاتبة عن محاولتها لإعادة الحياة فقط، بل ومحاولتها الإفلات من قبضة الموت ومن حضوره. ننشر هنا مقتطف من نص رقم 54 ( صفحة 60-61 ) :

" وكلما حاولت الإمساك به، كي أخرجه من حياتي

التصق تماماً بالحائط، وتماهى معه كلوحة قديمة

لا يرى امرأة غيري

ولا يخونني مع صديقاتي

وحين أبحث في نفسي عن مشاعر نحوه

لا أجد شيئاً

أنا لا أحبه، ولا أكرهه

مابيننا هي علاقة ألفة يومية

تحدث بين أي زوجين عاديين

الفارق فقط، أنني أنا إمرأة مطلقة منذ زمن طويل

بينما الموت يصر منذ سنة كاملة على التعامل معي

كزوجة شرعية "

- جاء النص الأخير، وهو أطول نص بين كل النصوص، ليشير بوضوح إلى مايحدث في بلدها سوريا من قتل وتدمير وسنلاحظ أن النص الأخير مختلف عن باقي النصوص من حيث الأسلوب واللغة وستنتقل الكاتبة من لغة تحتفي بالعزلة وصمتها، إلى لغة صارخة ستكون شاهدة و كلها يقين على حدوث الحدث.. ننشر هنا مقتطفات من النص الأخير :

" متيقنة تماماً من الحدث

من الشوارع التي لم تعد مفردات في النص الشعري

من الوجوه التي انفصلت عن لا مبالاتها "

وفي مقطع آخر :

" الخائفين من النصل الحاد للحقيقة

من البيوت المهدمة

من أصحابها المتمسكين بها كخاتم الزواج العتيق

من التاريخ يلعق أرشيف الجريمة الماضية

من الحاضر يستعيد شريط المجازر اليومية "

" دم من المدن البعيدة

دم من المدن القريبة

دم لا لون واحد له ولازمرة واحدة

دم يلطخ الشاشات الكبيرة والصغيرة ".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com