الشرق الأوسط: حروب الطوائف
الشرق الأوسط: حروب الطوائفالشرق الأوسط: حروب الطوائف

الشرق الأوسط: حروب الطوائف

حروب الطوائف

لقد كانت المقابلة التلفزيونية التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد مع محطة «المنار»، التابعة لحزب الله اللبناني، تعبيرا ناطقا عن عبثية أي بحث سياسي جدي معه في انتقال السلطة. وقبلها جاءت خطبة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في احتفال «ذكرى الانتصار والتحرير» لتثبت من جديد عمق تورط «الحزب» في حرب طائفية حقيقية، تؤسس مع مضي كل يوم لحروب طائفية تهدد بقاء الكيانات السياسية التي أبصرت النور مع نهاية الحرب العالمية الأولى.

بعد قرن تقريبا من تأسيس الكيانات الحالية في منطقة الشرق الأدنى، وتحديدا العراق وسوريا ولبنان، تثبت الولاءات الطائفية والمذهبية، بل وحتى الدينية والإثنية، أنها أرسخ من هذه الكيانات وأقوى منها مناعة. وبصرف النظر عن النيات المبيتة للقوى الإقليمية والدولية التي قد يرتاح البعض إلى جعلها مشاجب تعلق عليها إخفاقات التعايش والتفاعل الصحي بين شعوب المنطقة، تقضي الأمانة بالإقرار أن هذه الشعوب عجزت عن التصدي للأطماع الخارجية وإغراءات الانغماس في فتن فئوية، وعن محاسبة أنظمة تسلطية تفضل «التفاهم» مع مواطنيها بالحديد والدم على إقناعهم بمنجزات التنمية والاستثمار بمؤسسات النفع العام.

إن المسؤولية الكبرى في خطر تحول كيانات الشرق الأدنى إلى «دول فاشلة» لا بد أن يتحملها أبناؤها والقيادات التي قبلوا بها، وساروا تحت راياتها في مسيرة انحدار نشاهد اليوم بأم العين تبعاتها الكارثية. ولكن، هذا جزء من المشكلة. أما الجزء الآخر، فهو البعد الخارجي، على المستويين الإقليمي والدولي. ذلك أنه من الطبيعي أن يكون للقوى الإقليمية الأقوى تماسكا من جيرانها أطماع ومطامح على حساب جيرانها الأضعف. وأيضا من الطبيعي أن يكون الموقع الجغرافي لدول الشرق الأدنى ميدان تجاذب وتنافس في الحسابات الدولية العليا.

وهنا لا بد من القول إنه في ضوء ما تفرزه الأزمة السورية من مآس ودمار ومخاطر يذهب المراقب الساذج إلى التصور بأن الغرب سعيد باستمرار الأزمة بوتيرتها الراهنة. غير أن هذا التصور يغفل حقيقة أن في الدول الغربية جاليات مسلمة كبيرة تقدر بالملايين. وبالتالي، فإن حالات التطرف والراديكالية «الجهادية» التي تتغذى من أزمات شهدها ويشهدها العالمان العربي والإسلامي كالأزمة السورية، وقبلها الأزمة الفلسطينية والأزمة الأفغانية والأزمة العراقية، تنقل العدوى إلى دول الغرب لتجعل من هذا التطرف.. مشكلة غربية فعلية.

نعم، أدى تأخر الدول الغربية الكبرى عن حسم الوضع السوري عبر انتقال سلس للسلطة، في الوقت المواتي، إلى اندلاع ما نشهده اليوم من «حروب طوائف» غير محسوبة العواقب. ويمكن في هذا السياق التذكير بالتحذيرات اللافتة، وأبرزها تحذير خادم الحرمين الشريفين، من خطر خلخلة الثقة بالمؤسسات الدولية المولجة صيانة الأمن وحفظ السلام في العالم بعد استخدام كل من روسيا والصين «الفيتو» للمرة الأولى في شأن الأزمة السورية.

اليوم، بعد مرور أكثر من سنتين على تلك الأزمة التي حصدت أكثر من 100 ألف قتيل، تتأكد الحكمة من تلك التحذيرات. ويتضح أن الإهمال في إطفاء الحريق سيزيد كلفة إطفائه على الجميع.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com