الحرب السورية تفاقم " التسرب المدرسي"
الحرب السورية تفاقم " التسرب المدرسي"الحرب السورية تفاقم " التسرب المدرسي"

الحرب السورية تفاقم " التسرب المدرسي"

ظاهرة التسرب المدرسي ليست حديثة العهد في المدارس السورية، شأنها في ذلك شأن الكثير من المجتمعات، ورغم قانون التعليم الإلزامي الذي أصدرته الحكومة سابقاً، غير أن مفهوم التعليم والمدرسة في بعض مناطق سوريا قبل الأزمة دفع إلى التسرب.



غير أن الأزمة التي تمر بها البلاد منذ مايقارب الأربعة أعوام، جاءت بكل الظروف التي تسمح بزيادة عملية التسرب المدرسي، وأهمها التهجير والنزوح والأضرار التي أصابت بعض المدارس، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وضعف الحالة المادية وصعوبة العيش، وعدم قدرة العائلات خاصة المهجرة منها على القيام بمصاريف الأولاد والدراسة، أمام هذه المسببات ارتفعت حالة التسرّب المدرسي، وازدادت بشكل بات يهدّد جيل الغد في سوريا، الذين بات عملهم "البحصة" التي تسند جرّة الأهل في ظروفهم المعيشية.

مَشاهِد واضحة


أينما ولّينا النظر في شوارع سوريا، نجد أطفالاً بعمر الورد هجروا مدارسهم وساروا على همومهم، منهم من يتسكّع مادّاً يده للمارة، ومنهم من يحمل بيده أطعمة للأطفال يحاول بيعها، وبعضهم يركض وراء السيارات وعند إشارات المرور بيده قطعة قماش يمسح بها النوافذ، وعيونهم ملتصقة بيد السائق وركاب السيارات عسى أن يُخرجوا من جيوبهم مبلغاً يسعدهم مهما قلّت قيمته، وبعضهم امتهن مسح أحذية المارة، ومنهم من عمل في ورش البناء، أو محال اللحوم أو المحال التي تبيع المواد الاستهلاكية، يجمعون ثمن قوتهم وقوت عائلاتهم، في زمن حوّلهم من طلّاب تعليم إلى طلّاب طعام. وحوّل نظرهم من أحلام الغد إلى أحلام الخبز اليومي.

أسماء كثيرة مررنا بها في إطار جولة شبكة إرم الإخبارية ذكور وإناث فقدوا بريق الحياة من عيونهم، استوطن الهمّ بهم لدرجة وجدناهم كبار الحزن، يائسي الطموح، بعضهم عرفنا أنه لم يخبرنا عن اسمه الحقيقي، ولا عن السبب الحقيقي لتسربه من المدرسة، ومعظمهم أخبرنا أن والده عاجز أو متوفي، أو يتيم الأبوين، وبعضهم أخبرنا أنه مع مجموعة تتبع لشخص يقوم بتشغيلهم لقاء قوتهم اليومي.

أرقام تنذر بالخطر


بحسب الأرقام والإحصائيات التي تتنوع مصادرها، يزيد كل عام معدل التسرب المدرسي، ففي العام 2013 زادت نسبة التسرّب بما لا يقل عن 10% عن العام 2012.

وأوضحت مديرية التعليم الأساسي في وزارة التربية، أن نسبة التسرب في المحافظات السورية بلغت في عامي 2012 و2013 حدود 6.2% مع تفاوت في نسبتها من محافظة لأخرى.

وبحسب تقارير مختلفة فقد بلغ عدد الطلاب المتسربين من العملية التعليمية خلال العام الدراسي 2013-2014، نحو نصف مليون تلميذ وتلميذة، مقابل 4 ملايين التحقوا بمدارسهم في جميع المحافظات.

وفي العام المنصرم تحدث وزير التربية هزوان الوز، عن إحصائيات الوزارة مبيّناً أن عدد الطلاب في سوريا عام 2011، وصل إلى مايقارب خمسة وملايين ونصف "5,536,668" وعدد الطلبة الملتزمين في العام الدراسي 2013-2014 بلغ أربعة ملايين طالب، موضحاً أن نسبة التسرب المدرسي في سوريا لاتصل إلى 30%.

أضرار لحقت بالمدارس


تكشف أرقام وزارة التربية أن الأضرار لحقت بـ"4382" مدرسة في محافظات القطر، منها "1494" مدرسة متضرّرة لكنها لاتزال تستقبل الطلبة. ومنها"2888" مدرسة غير مستثمرة ضمن العملية التعليمية، و"379" مدرسة مدمّرة بالكامل، و"1489" مدرسة لايمكن الوصول إلى موقعها الخطر، فيما خرجت "510" مدرسة عن الخدمة مؤقتاً إلى حين إصلاحها واستثمارها مجدداً في العملية التربوية.

كما أوضحت أرقام الوزارة أن هناك "510" مدارس تستخدم كمراكز إيواء للمتضررين، منها "319" مدرسة تستخدم للإيواء بشكل كامل، والباقي بشكل جزئي، حيث عملت وزارة التربية على استخدام عدد من المدارس جزئياً لاستقبال المتضررين والطلاب في الوقت ذاته.

وتزيد الكلفة التقديرية للأضرار التي أصابت القطاع التربوي على 110 مليارات ليرة سورية، في حين أنّ تقديرات التحاق الطلاب بمدارسهم تتراوح ما بين 70% إلى 72%.

البحث عن حلول


أمام حالات الواقع المريرة التي ساهمت بتأثر القطاع التعليمي بشكل مباشر، من مختلف الأضرار التي لحقت بالمدارس والمعلمين والطلبة، سعت وزارتي التربية والشؤون الاجتماعية بالبحث عن حلول سريعة للطلبة المتواجدين داخل سورية.

وسعت كذلك وزارة التربية إلى اعتماد الدوام النصفي في معظم المدارس، لفتح المجال أمام الأطفال المهجرين أو في مراكز الإقامة المؤقتة داخل سوريا، ومحاولة استيعاب كافة الطلبة، وإجراء سبر معلومات للطلبة الذين لايمتلكون أوراقاً ثبوتية لوضعهم في المرحلة الدراسية المناسبة لعمرهم، وتسجيل وبث الدروس التعليمية لتعويض الطلبة عما فاتهم لمحاولة الحد من ظاهرة التسرب المدرسي، وتسهيل قبول التلاميذ في المدارس في أي منطقة، إضافة إلى عدم التشدد في اللباس المدرسي، حتى لا يشكل عبئاً مادياً على أهالي التلاميذ.

دور القانون


وكانت وزارة التربية قد أصدرت في نيسان/ إبريل من العام المنصرم، التعليمات التنفيذية للقانون رقم 7 لعام 2012 المتعلق بالتعليم الإلزامي، ونص على إلزام أولياء الأطفال العرب السوريين ذكوراً وإناثا، بإلحاق أطفالهم ممن تتراوح أعمارهم مابين "6 حتى 15" سنة بمدارس التعليم الأساسي، وإلحاق العقوبات الجزائية والغرامات المالية على من يتخلّف عن إرسال أبنائه إلى المدرسة.

وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام المنصرم طلبت وزارة العدل من جميع القضاة، الإسراع بفصل الدعاوى المحالة إليها من قبل مديريات التربية، بحق أولياء التلاميذ المتسربين من مدارس التعليم الأساسي، وفق أحكام القانون رقم 7 لعام 2012، جاء ذلك في تعميم أصدره وزير العدل نجم أحمد الأحمد بهدف ردع المخالفين، تمهيداً للوصول إلى مجتمع تنتفي فيه ظاهرة الأمية بين الأحداث، ومنع التسرب المدرسي للتلاميذ حتى إتمام مرحلة التعليم الإلزامي.

الأمية تطرق الأبواب


برغم كل التشريعات التي حاولت الحد من التسرب المدرسي، حتى وصلت لفرض عقوبة السجن والغرامة على ولي التلميذ المتسرب، إلا إن الظاهرة لم تتراجع بالشكل المطلوب.

وفي النهاية ومع تعدد واختلاف أسباب ودوافع تسرب الطلبة، لكن الحقيقة أنهم أضحوا جميعهم أرقاماً تنضوي تحت ظاهرة التسرب المدرسي، التي ومهما حاولنا أن نجد لها مبررات تبقى خطراً حتمياً، ومرضاً مستعصياً يهدد مستقبل المجتمع السوري. يزيد من حجم الأمية والبطالة، ويسهم في ضعف البناء الاقتصادي للمجتمع، ويزيد من الجنوح والانحراف والسرقات وسوء سلوك الفرد بما يؤثر على الفرد والمجتمع، ويحتاج إلى حلول عاجلة وفاعلة تؤثر في الحد من عملية التسرب المدرسي بشكل مدروس، حتى تنحسر هذه الظاهرة بشكل فعلي دون التهاون في تحديد أسبابها ومعالجتها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com