فاتن حمامة.. مدرسة فنية مبنية على عفوية الأداء
فاتن حمامة.. مدرسة فنية مبنية على عفوية الأداءفاتن حمامة.. مدرسة فنية مبنية على عفوية الأداء

فاتن حمامة.. مدرسة فنية مبنية على عفوية الأداء

يمثل رحيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة إيذانا بانتهاء الزمن السينمائي الجميل الذي انطوى على علاقة وجدانية خاصة ربطت بين المتلقي والسينما، لعدة عقود.

فالفنانة الراحلة لم تكن خيارا موفقا للعديد من المخرجين فحسب، بل كانت كذلك "فتاة الأحلام" التي راودت مخيلة جيل وجد فيها وجها رقيقا؛ بريئا يجسد خيبات الحب ومباهجه في أبهى صورها.

ولعل التعبير الذي اختزل موهبة فاتن حمامة جاء على لسان المخرج هنري بركات الذي قال: وجه فاتن حمامة هو الشعر، هو الموسيقى، لا مثيل له، ولا بديل منه للتعبير عن معانٍ أبغيها".

بهذه الملامح الفاتنة، تربعت الراحلة على قمة فن التمثيل مستندة إلى موهبة فطرية طاغية وعابرة للأجيال ومغرية للمخرجين الذين اعتبروها أيقونة تضمن نجاح العمل الفني.

ورغم قسماتها الناعمة؛ الهادئة وصوتها الخجول والحنون، إلا أن هذه السمات لم تقيد موهبتها ضمن قوالب رومانسية برعت الفنانة فيها، بل غامرت بتقديم شخصيات منوعة توزعت بين العاشقة الحالمة والفلاحة البائسة والمرأة الثائرة على قوانين المجتمع، والأم الرؤوم والزوجة المشاكسة...وسواها من الشخصيات البعيدة عن النمطية.

وتشهد على مثل هذا التنوع في الأداء، فيلموغرافيا الراحلة، التي حفلت بعناوين غدت كلاسيكيات في السينما المصرية والعربية مثل أفلام "رصاصة في القلب"، و"ملاك الرحمة"، و"لك يوم يا ظالم"، و"صراع في الوادي"، و"لا وقت للحب"، و"أيامنا الحلوة"، و"لا أنام"، و"أريد حلا"، و"امبراطورية ميم"، و"دعاء الكروان"، و"الحرام"، و"أفواه وأرانب" و"لا عزاء للسيدات" وغيرها من الأفلام التي استقرت في الذاكرة.

وفي استفتاء حول أفضل مائة فيلم مصري بمناسبة مئوية السينما عام 1996، جاءت فاتن حمامة في المرتبة الأولى حيث تضمنت القائمة أكبر عدد من الأفلام التي شاركت في بطولتها، متقدمة على غيرها من الممثلات المصريات في القرن العشرين.

ومع ان اسم فاتن حمامة كان يضمن النجاح بمعايير شباك التذاكر، إلا ان هذا الاسم ارتبط كذلك بأفلام مقتبسة عن أعمال أدبية لأدباء بارزين منهم ليو تولستوي مؤلف رواية "آنا كارنينا" التي أصبحت فيلما عنوانه "نهر الحب"، وعميد الأدب العربي طه حسين في فيلم "دعاء الكروان" وإحسان عبد القدوس في أكثر من عمل، ويوسف إدريس في فيلم "الحرام".

وبهذا المعنى، فإن الراحلة حققت تلك المعادلة الصعبة في عالم الفن، إذ استطاعت أن تجمع بين المنحى الجماهيري الذي يتلهف إليه منتجو الأفلام، وبين المنحى النقدي الذي يلتزم بطرح قضايا وأسئلة تمس هموم الواقع وأسئلته الشائكة.

بدأت فاتن حمامة رحلة التمثيل في السينما، باكرا، حين اشتركت بدور قصير في فيلم "يوم سعيد" الذي قام ببطولته المطرب محمد عبد الوهاب عام 1940.

هذه البداية البسيطة قادتها الى العمل مع العديد من المخرجين ابتداء من محمد كريم ثم هنري بركات ويوسف شاهين وصلاح أبو سيف وخيري بشارة، وأخيرا داود عبد السيد في آخر أفلامها "أرض الأحلام" عام 1993.

وعندما بدأت سيدة الشاشة مشوارها السينمائي كان الشرط الأبرز للنجاح هو الجمال والجرأة في إظهار مفاتن الجسد، لكن الراحلة غيرت هذه القاعدة، إذ حولت عفوية الأداء إلى مدرسة فنية من دون أن تخضع لمفهوم "تسليع الأنوثة".

ووقفت الراحلة أمام معظم نجوم التمثيل والغناء في مصر ابتداء من يوسف وهبي وأنور وجدي ومحمد فوزي وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، وصولا إلى محمود ياسين ومحمد منير ويحيى الفخراني.

ومنذ البدايات، قدمت فاتن حمامة نفسها للوسط الفني كفنانة مجتهدة، وراحت تفرض شروطها وخياراتها، بدءا من فيلم دعاء الكروان نهاية الخمسينات، حيث قدمت شخصية مركبة تعاني أزمات نفسية، وسرعان ما تركست صورة الفنان المجتهدة والتلقائية مع بروز تيار الواقعية الذي ظهر خلاله أبرز الأفلام في السينما المصرية.

لا شك ان السينما المصرية فقدت برحيل فات حمامة جزءا من تاريخها المضيء، لكن صورة الفنانة ستبقى حية في قلوب الكثيرين، فهي كانت الأسمى شأنا، والأعلى أجراً، وستظل الأكثر توهجا في الذاكرة السينمائية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com