النوبة.. أول السلالات البشرية على الأرض
النوبة هي بوابة مصر الجنوبية على قارة إفريقيا، ويرى المؤرخ تيودور الصقلي أن النوبيين هم أول السلالات البشرية على الأرض، وأن غالبية العادات والتقاليد المصرية القديمة من مخلفات هؤلاء النوبيين.
كما يرى أن تقاليد المصريين وعاداتهم تدل على أن أجدادهم قدموا من بلاد النوبة من بونت أو بلاد الآلهة.
ويذكر بعض المؤرخين أن قدماء الرحالة لم يجدوا في الرحلة الطويلة من منبع النيل إلى مصبه من هم أكثر أمانة من أهل النوبة، فكان الطعام والثياب والأجهزة تُترك في القارب أياماً كاملة، فلا يقربها أي نوبي ولا يمسها بسوء.
وتعبر الروح الجماعية عن طبيعة النوبي، فالفتيان يتركون أرضهم ويتجهون إلى أرض مجاورة ليزرعوها بطريقة تعاونية مشتركة "تُدُوَجا" ثم يعود الجميع إلى الأرض الأولى.
وعندما يقوم شاب بمساعدة شيخ، فهناك احتمال كبير أن يتزوج هذا الشاب ابنة هذا الشيخ.
ويلعب شاي الضحى دوراً مهماً في حياة النوبي، فهو ليس مجرد مشروب ساخن، لكنه مرتبط بالعمل الزراعي، فالأرض تقسم إلى أحواض، ويمر الماء إلى الحوض الأول حتى يمتلئ ويفيض منحدراً إلى الحوض الثاني والثالث وهكذا.
وامتلاء الحوض "وتج" يحتاج إلى فترة تطول، وهذه الفترة يقضيها النوبي في شرب الشاي والسمر وحديث الذكريات.
ويلعب أطفال النوبة تحت النخيل وتجلس الجدة لتراقبهم وأمامها طبق من القمح المشوي "آسلي" وكلما أحس طفل بالجوع أعطته الجدة بعض الحبوب وبمرور الوقت يقل القمح ويكثر التراب بطبق الخوص، فتحرك الجدة الطبق بيديها حركة سريعة وتنفخ في نفس الوقت، فيبقى القمح ويتطاير الغبار، ثم تقوم الجدة بتنقية القمح من الرمل والحصى، وهذا المشهد يرى فيه الشعراء الشعبيون رمزاً للحنان.
ويربط النوبي بين الإسلام ونهر النيل بطريقة عجيبة، ففي يوم عاشوراء يخرج النوبيون نساء ورجالاً من بيوتهم ومعهم العرجون وسباطات النخل دون بلح، ويشعلون أطرافها الرقيقة ويمسكونها من ناحية الجذر، ويديرونها في أيديهم بشكل دائري فيشكلون دائرة كبيرة من اللهب، محيطها عند أطراف "السباطة" ومركزها عند الكتف، حتى يصلوا النهر فيلقون بأجسامهم فيه وتنطفئ الشعلة، فتتحول إلى عصا للمشاكسة والضرب.
والشاطئ عند النوبي يعني الأمن، بينما الجبل يعني الرعب، كما أن النوبة مجتمع مغلق، لذلك يمكن للشط أن يكون ثقباً في جدار التقاليد لإمكانية حدوث لقاء عاطفي يتطور إلى زواج.
والشاطئ في ضوء النهار له عند النوبي معنى مغاير له عنه في الليل، حيث ترتع المخلوقات الشريرة التي تخرج من النهر لكي تتلف البلح، ووحوش الجبل التي تهبط لتشرب.
جدير بالذكر أن الأسرة الـ 24 التي حكمت مصر القديمة أواخر العصر الفرعوني، كانت أسرة نوبية، وكان أبرز ملوكها "بعنخي" الذي قاد حرب الاستقلال ضد المحتل الفارسي منطلقاً من أقصى جنوب مصر.
كما كان أول رئيس مصري "اللواء محمد نجيب" نوبياً، وكان أول من تولى حكم مصر عقب ثورة 25 يناير نوبياً، هو المشير محمد حسين طنطاوي.
