شاعر كردي: الصحافة تقتل رومانسيتنا
شاعر كردي: الصحافة تقتل رومانسيتناشاعر كردي: الصحافة تقتل رومانسيتنا

شاعر كردي: الصحافة تقتل رومانسيتنا

عمر كوجري، شاعر وصحفي يكاد ينسى لغته الكردية، كونه يعترف أنه أهملها حوالي 24 عاماً، على الأقل في الكتابة، وهو لا يستطيع التفكير بلغته الأم، لأن شبكة مخيلته باتت عربية، ولكن لا يهمه إلا إيصال الفكرة، بأي لغة كانت.



عمر الذي ينتسب إلى قبيلة "الكوجر" الراحلين الكردية والمعروفة بحبها للطبيعة والحياة، صدر أهم مجموعاته الشعرية "إنها الريح" مؤخراً، وكذلك القصصية "القطا تراقص النهر الجميل".

وفي حوار شبكة إرم الإخبارية معه في عاصمة إقليم كردستان العراق (أربيل)، يترجم الشاعر الكردي أحاسيسه إلى جُمل شعرية، ويجيب عن الأسئلة بشعرية إيقاعية كما هي في كتاباته.


ولأن كوجري يعمل في الإعلام، إلى جانب كونه شاعراً، فلا يزال يحن إلى الشعر كما كان، وهو الذي يقول في حب دمشق: "أحن إلى الشام كما أحن إلى أمي".

* متى تجد نفسك شاعراً ومتى تجد نفسك صحفياً؟

لم أجد نفسي إلا شاعراً، والشعر يسري في دمي، وأعشق الصحافة، ولكن المقارنة ظالمة بينهما.


الصحافة حالة طارئة وعمل وفضاءات وعالم آخر ووسيلة لكسب العيش، أما الشعر فله فضاءات روحية أرحب وأوسع.


الصحافة مهنة أمارسها كي أعيش بها، أما عندما أكتب القصيدة، أو عندما تكتبني القصيدة، أنتمي إلى ذلك العالم وتلك الشفافية الروحية المطلقة.


انتمائي إلى مضمار الشعر له علاقة بحس روحي وإحساس نفسي عميق المستوى، ولهذا مجالي الأرحب هو الشعر.

* لكن، ألم يخفّ إنتاجك من الشعر مؤخراً؟

الصحافة تقتل الحالات الرومانسية عند الإنسان، وهي بحاجة إلى متابعة ودقة في تحري الأخبار ورغبة في كتابة الجديد والتفكير بمواضيع تهم "الغلابة" والمحيط والناس، وهي تخلق قلقاً يؤثر على الشعر، فالشعر ينمو في بيئة هادئة رومانسية مطلقة، ومن الطبيعي حين أنخرط وأكتب للصحافة أنسى نفسي كشاعر.

* وهل لديك طقوس معينة في كتابة الشعر، وخاصة أن الشعر بات يتعلق بهموم الأيام أكثر من الوحي والإلهام، أم أثرت عليك الصحافة وصرت تكتب الشعر كما تحرر الأخبار؟

دائماً لي طقس خاص في الكتابة، وأحاول حين أكتب الشعر أن أكون مرتاح القلب والروح وأنا في بُعد عن قلق الكتابة للصحافة.


أكتب القصيدة في أوقات من الوداعة والهدوء المطبق وفي أواخر الليل، حين أشعر أن روحي محتاجة للعالم الشعري العظيم.


أما الاستسهال فله دور سلبي في الكتابة، لأن القصيدة والشعر يأتي عفو الخاطر وعبر مخاض من السمو الروحي، وهذا السمو خفّ إلى أبعد أحد، ومن الطبيعي أن يقل إنتاجي الشعري على حساب العمل اليومي.

* لو استطعنا أن نطلق تسميات "القصيدة في سوريا" أو "القصيدة في كردستان" أين تجد نفسك؟

كتاباتي في سوريا كانت أفضل، وكنت أتوقع حين كنت في الشام ووسط جو نفسي مريب من الدمار والموت المحاني، بأنني أقنع نفسي حين أخرج من سوريا وأبدع.


الموضوع هنا معكوس تماماً، وكتاباتي في دمشق كانت أقوى وأشجع من الآن.

* إذاً، أنت تعترف أن مستواك قلّ؟

أنا هكذا أقيّم نفسي، ليس بمعنى قلّ، وربما أختلف مع الآخرين في ذلك.


في سوريا، كان القلب شجاعاً حتى عندما كنت في خضم الخوف اليومي، ولكن يبدو أن الكتابة في الوطن أكثر قوةً ونضجاً وتأثيراً ومعنىً.

* لكن الكثير من الشعراء يكتبون في الغربة ويبدعون.

أكتب في الغربة، لكن مهجتي خبأتها تحت شجرة بالقرب من نهر بردى في دمشق، ولا يمكنني أن أتخلص من سطوة بردى والشام وشوارعها، ولا من اشتياقي لها.


هنا في هولير، كل يوم أخطئ وأدلل سائقي سيارات الأجرة على أسماء أماكن من دمشق وليس أربيل.


حين أتيت إلى عاصمة إقليم كردستان العراق، ظننت أنني سأكون عملياً وأنخرط في العمل الوظيفي، لكن البُعد عن الوطن لم يعطني الفرصة.

وهل الإقليم وفر لك فرصاً؟

التطور موجود، والأدوات الإجرائية أيضاً تطورت، ولكن أنظر إلى نفسي من زاوية شعرية، الموضوع لا علاقة للإقليم به بقدر ما يتعلق بي شخصياً.


أما انطباعي على نتاجي السابق مع الحالي، فأنا منشرح ومبتهج بما كنت أكتبه في دمشق، وربما يخالفني الرأي الآخرون.

* الشعراء الكرد الذين يكتبون باللغة العربية، كيف تقيّمهم؟

هناك اختلافات واجتهادات كثيرة بهذا الشأن، ومن حق الشاعر أن يكتب باللغة التي يريد أن ينجح بها، ولكن هذه النتاجات لا تُحتسب على الثقافة الكردية.


هنا يمكن أن نطلق عليه "شاعر كردي انتماءً وروحاً وفكراً وأحاسيس"، وبالمحصلة هذا النتاج ليس من حقي كناقد أن أعتبره نتاجاً كردياً كما قلت، بل أحساسيس كردية بلغة عربية، كأمثال الروائي الكردي الكبير سليم بركات الذي استطاع أن ينقل الكرد إلى غيرهم، ولكن هل خدم ذلك الأدب الكردي.. لا.


استطاع بركات في فتوحاته باللغة العربية أن يخدم الثقافة العربية من خلال الحديث عن الأسطورة الكردية، ولكن كل قصيدة أو دراسة لا تُكتب بالكردية لا تخدمها.

* قد يوجّه هذا الرأي العام إليهم.

ربما يحدث هذا الشيء، ويعرّفنا على الشريك العربي ويقربنا منه أكثر، ويحسسنا أن هناك كرداً رائعين بمستوى عال من اللغة العربية المتحلقة.

* وهل أنت راضٍ عن وضع الشعر الكردي باعتباره يناسب هذا الزمن؟

نعم، الشعر الكردي الذي يُكتب باللغة الكردية، لأن الشعراء يحاولون التخفف من سطوة الآباء (الأدبيين) أو يريدون أن يقتلوا آباءهم الأدبيين.


الشاعر الكردي الذي يكتب الكلاسيكية منشدّ إلى الكلاسيكية الكردية والمعجم الثقافي الشعري الكردي، وهؤلاء متعصبون لا ينظرون إلى الحداثة والنقد الحديث، ولهذا يجترون أفكار سابقيهم، التي ليس فيها حس إبداعي، إنما الحس الجمالي الإيقاعي هو المهيمن على نصوصهم.


وهناك بعض ممن يكبتون الشعر الحديث وهم متأثرون بالعرب وغيرهم، ويوظفون ما يعتمدون في القصيدة الكردية الحديثة.

* وأنت إلى أي ثقافة شعرية تنتمي؟

أنا لا أنزع إلى التفقه في أي شيء، فالصوفية غير الممنهجة لا أراها تخدم شخصي أو كتاباتي، وبطبيعة الحال أنا نزاع للقصيدة الحديثة والحداثة والنقد الحديث، وأهتم بالحس الجمالي وبالتفكيكية والبنيوية والسيميائية وغيرها، وهذا ينطبق على مجالي في الشعر والكتابة.

* كلمة أخيرة.

كنت أود أن أكون في هذه اللحظة ليس في هولير (أربيل)، مع حبي الكبير لها، بل في نادي الصحفيين بدمشق.

* لماذا دمشق، وليس قريتك مثلاً؟

قرانا جميلة وبديعة ولكن إقامتي الطويلة في دمشق، وتجاوزت 25 عاماً، جعلتني أحن إليها كما أحن إلى أمي، مع اشتياقي وحبي الكبير لمسقط رأسي وأهلي وأحبائي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com